طالبة العلم والمكبوت ...
بقلم: يطو لمغاري
طالبة العلم والمكبوت : في مشهد غريب عن الثقافة المغربية، والثقافة الإنسانية
يظهر مخلوق شبيه ببني آدم، يعري فتاة في الهواء الطلق، ينزع ملابسها السفلية يفضح حميميتها، في تهديد سافر بالاعتداء الجنسي، والشروع في عملية الاغتصاب. ليس هذا من فعل الإنسان، فالإنسان لا يتجانس أمام الملأ وبالعنف. الفتاة كانت تصرخ وتتمنع ملتصقة بالأرض، صارخة تدور مع دوران الوحش الكاسر، وقوته الجسمانية. فهو البالغ من العمر 21 عاما، وهي القاصر تودع الطفولة نحو عالم الشباب: تصدم بالحادث الرهيب المروع. إعتداء وتصوير وبث على الهواتف المحمولة، والفايسبوكات والمواقع الإلكترونية محليا وطنيا ودوليا.
طالبة العلم والمكبوت : هل أصبحت الطباع الحيوانية تطغى على الخصائص الإنسانية في الإنسان ؟ بل إن الحيوان ذاته، لا يتجانس في هذه الظروف الوحشية، التي تدمي القلب تصيب العقل بالسكتة المفاجئة. إن الحيوان يختار أنثى واحدة رفيقة للعمر، برضاها ويهيئ للعملية الجنسية في ظروف وطقوس خاصة : إختيار الزمان والمكان، والأحاسيس والتعامل باللطف وبالتودد. أن يقوم شاب بالاعتداء الجنسي،على فتاة تعود من المدرسة، وأمام كاميرا تصور الحدث. تصرف ينم على مدى الكبت والمرض النفسي الذي يسيطر على هذا المخلوق، شبيه الإنسان. بل وعلى صديقه أو مسخره الذي كان خلف الكاميرا : يضحك، يشجع، يدعم ويشهد على الدناءة والوساخة الإنسانية، والهبوط نحو المستوى السفلي، من العلاقات الإنسانية تنتفي فيها أدنى القيم والمبادئ.هؤلاء هم أشباه الرجال.
طالبة العلم والمكبوت : إن المشهد الذي نشر وروج له المئات، يدل على أن شبابنا في مطلع الألفية الثالثة وتحديدا فبراير 2018 ببلادنا، شباب مريض منكسر، مقهور، يبحث عن البطولة في أعفن صورها. المهم أن يظهر للجمهور في إنجاز صادم، ولو كان هذا الإنجاز يضرب عرض الحائط آدمية الإنسان. شباب منهزم يصرف عقده وكبته تجاه أضعف شريحة في المجتمع : المرأة وخاصة الفتاة. يستعرض عضلاته الجسمانية ووقاحته في التصرف والفعل. ليقول للمجتمع الذي قهره : إنني هنا أريد اعترافا ما.
طالبة العلم والمكبوت: الشاب المغربي في بداية القرن الحادي والعشرين زمن العولمة، أمام أنظار العالم وكما قدمته شاشة الهاتف المحمول، وتلقفته وسائل التواصل الاجتماعي، وطنيا ودوليا : مجنون مجرم، مكبوت مسعور، معتد هاو للجنس الممنوع. يبحث عن الشهرة الرخيصة. الشابة المغربية : ضعيفة مهزومة مهضومة الحقوق، مهدورة الدم مستباحة الشرف والكرامة، جسدها محط أطماع الطامعين، تتلصص عليه أنظار المتلصصين،عديمي الضمير والمسؤولية قليلي التربية " أولاد الفشوش " الصعاليك. المصابون بالسعار الجنسي.
طالبة العلم والمكبوت : مجمتعنا بضعفه، وتخلفه وعفنه، و قهره في نظرته للمرأة سيحمل المسؤولية للضحية، التي ستقذف بالأسئلة المعهودة " علاش أوكيفاش ؟..." وربما ستحمل المسؤولية في كل ظروف وملابسات الحادث :
لماذا مررت بذات الطريق التي يمر بها المكبوت ؟
لماذا كنت وحدك ؟
لماذا تأخرت ؟
لماذا أغويت المكبوت ؟
لماذا أثرت غريزته ؟ أيقظت جنونه وسعاره الجنسي ؟ إن الوحش النائم فيه لا يتحمل مرور الأنثى في طريقه.
وربما ستعود بعض الأسر الى حبس البنات في المنازل، ووأد أحلامهن ورغباتهن. بل إن أسرة المجرم طالبت الضحية وأسرتها بالصفح،عنه بسبب ظروفه الإجتماعية الصعبة.والأدهى من ذلك أن إحدى قريباته طالبتها بالزواج منه : " إلى بغات تزوج بيه نجيو نخطبوا ". أي خبل هذا، الضحية تتزوج من المجرم ؟ حتما سيقودها إلى الانتحار أو إلى الجنون...حقا: " إذا كنت في المغرب فلا تستغرب."
أما أنا فإنني أقول : تحية للفتاة التي صرخت بأعلى الصوت : لا. واحتجت : واش ماعندكش اختك ؟ ثم دافعت عن كرامتها بفقد الوعي، الأمر الذي جعل المكبوت المجرم يعتقد أنها ماتت، فوضعها تحت جذع شجرة وغادر. جيل ضعيف منهزم مرتبك خائف، يخاف ولا يستحيي.
طالبة العلم والمكبوت : من يتحمل مسؤولية هذا السقوط المدوي، نحو الهاوية للأخلاق في المغرب ؟ هل هو فشل الأسرة في تربية الأبناء من الذكور على احترام الأنثى ؟ أم هو فشل المدرسة في احتضان تلامذتها في المدينة والقرية، ومن جميع الشرائح الإجتماعية، الفقيرة والغنية ؟ إن معالجة هذه المشكلة مسؤولية :مؤسسات الدولة ؛ المدرسة الجامعة وزارة الثقافة ومديرياتها، وزارة الشباب والرياضة، وجمعيات المجتمع المدني المهتمة بالطفل والمراهق والشاب، كما أنها مسؤولية أفراد خاصة الآباء والأمهات. لكن المقاربة الأمنية تفرض وجودها في مثل هذه الحالات. لا بد من تفعيل القوانين ضد التحرش الجنسي، تجاه الفتيات والنساء لردع كل من سولت له نفسه الاعتداء على كرامة المرأة المغربية. وللفتيات أقول : أن الحل في أن تتسلح الفتاة بتعاطي رياضات الدفاع عن النفس. هنا تحضرني حادثة حكاها لي والدي، ذات صيف : كانت إحدى الفتيات تمر في الشارع العام، فلاحقها شاب يتحرش بها، طلبت منه أن يتركها، رفض. إنتظرت إلى أن وصلا أمام المقهى، فاستدارت بقوة وجهت إليه لكمات قوية جعلته يهرب تاركا حذاءه في الميدان، صفق الحاضرون للفتاة وهتفوا منوهين بتفوقها بتلك الرياضة، التي مكنتها من الدفاع على نفسها بشرف وبأناقة راقية.
تصبحون على وطن عادل يعاقب المكبوتين المعتدين، بالسجن المؤبد أو بالاعدام أو بالإخصاء. وطن يحمي الفتاة الضحية من الاكتئاب، الإنطواء الجنون أو الإنتحار. إنها أم الغد. والأم مستقبل إذا حميته، ضمنت سلامة الأجيال المقبلة واستقرارالمجتمع.