رد على ما ورد في الفصل التمهيدي من كتاب حول عروبة (البربر) لكاتبه سعيد الدارودي.
ذ. عبد الله نعتي
المقال السادس و الأخير.
بعد أن انتهى الدارودي من حديثه عن معجم شفيق، انتقل إلى الحديث عن بعض من أقواله الواردة في المقالات و الكتب التي ألفها شفيق، و قبل ذلك أوضح ما قاله خشيم بخصوص اعتماد شفيق في معجمه على الفاظ مهجورة أو مماتة في العربية.
يقول خشيم نقلا عن صاحبنا الدارودي :" أما في المداخل العربية للمعجم فإن المؤلف عمد إلى الحوشي من الكلم غير المستعمل في الحياة اليومية، ولا حتى في الكتابة الأدبية، وهو من المهجور، أو الممات في بعض الأحيان." و سنرد عل خشيم بنفس أسلوبه و نقول لأتباعه إن المؤلفات التي ألفها خشيم و الدارودي و عثمان سعدي و من سار على خطاهم كل المصطلحات التي يأتون على ذكرها في مؤلفاتهم أغلبها من الكلم غير المستعمل في الحياة اليومية، و لا حتى في الكتابة الأدبية، و هو من المهجور أو الممات في بعض الأحيان، و سنضرب الأمثلة من كتاب صاحبنا ، و هذه بعض الأمثلة : الرون، المخرنشم، الأزور، كسأ، الكصيص، الزول، السدح، الغاوي، الأري، كرما، كفا، الدغر، الزلز، الكرباس، المرت، الزيزاء، القنز، النامة، الك، ...
و الآن سننتقل إلى الأجوبة التي قدمها الدارودي ردا عل أقوال الأستاذ محمد شفيق. يقول الدارودي في الصفحة 37 معلقا على قول شفيق بخصوص اختلاف طرق الإشتقاق بين الأمازيغية و العربية و عدم وجود ظاهرة الإعراب في الأمازيغية :" من منطلق أني ّ باحث لغوي ظل منشغلا سنوات عديدة بالمقارنة ما بين العربية والبربرية أرى أن مثل هذا الكلام ل يصدر إلا من جاهل جهلا مركبا.
إن البربرية ليس لها نظام صوتي موحد، وليس لها نظام نحوي موحد، ومعجمها
ينقسم إلى ألفاظ مشتركة عامة في جميع الأمازيغيات وإلى أخرى خاصة بكل
لهجة على حده، فهل هذا يجعل الأستاذ شفيق يتأرجح بين الشك واليقين في أن
اللهجات الأمازيغية شقائق؟
إن طرق الإشتقاق في عربية شمال جزيرة العرب مختلفة عن طرق الإشتقاق
في عربية الجنوب، ولم يقل أحد بأنهما ليستا شقيقتين.
المهم أن البربرية فيها خاصية الإشتقاق ظاهرة بجلاء مثل بقية اللغات
العروبية.
أما الإعراب، فالشحرية والمهرية وغيرهما من اللهجات الظفارية التي تنتمي إلى
عربية الجنوب (العربية القحطانية) لا إعراب بها، واللهجات العامية بالوطن العربي قد تخلت عن الإعراب، ولقد احتفظت اللغة العربية بعلامات الإعراب بينما فقدتها اللغات العروبية الأخرى".
صاحبنا الدارودي بمجرد أن يجد شيئا بسيطا يخدم هواه إلا و يؤوله، فعلى ماذا اعتمد الدارودي حتى قال أن شفيق اتهم مخالفيه بالجهل ؟ الواضح الذي لا غبار عليه أن صاحبنا الدارودي هو الجاهل، فالأستاذ شفيق تحدث عن بعض المتعصبين من الشعراء الأمازيغ الذين سألهم عن أصول بعض المفردات الواردة في أشعارهم هل هي أمازيغية أم عربية، و أكدوا له -عن جهل- أنها أمازيغية رغم أنها عربية أصيلة، كما أشار إلى أولئك المتعصبين الذين يتنكرون -عن جهل- لوجود أي عنصر أمازيغي في التركيبة اللسانية المغربية، و الذين يحاولون نفي كل أثر أمازيغي عن العامية، و صاحبنا الدارودي من هذا الصنف الذي لا يدري، و لا يدري أنه لا يدري، و خصوصا لما قال أن الأمازيغية ليس نظام صوتي و نحوي موحد، و هنا يحق لنا أن نسأل الدارودي على ماذا اعتمد حتى خرج بهذا الإستنتاج ؟ هل قام بدراسة الأمازيغية من الناحية الصوتية و النحوية؟ فإذا كان الأمر كذلك فليزودنا بدراسته في هذا المجال، أما إن كان يقصد اللهجات الأمازيغية فلينظر إلى العربية قبل تقعيدها فحالها ليس أحسن من حال اللهجات الأمازيغية.
و من أنواع الجهل المركب كذلك أن تسمع من ينصب نفسه باحثا لغويا يقول أن لا أحد قال أن عربية شمال الجزيرة العربية و عربية الجنوب ليستا شقيقتين، ربما صاحبنا لم يطلع على أقوال النحويين بخصوص هاتين اللغتين، و لابأس أن نذكر صاحبنا الباحث اللغوي ببعض أقوال علماء اللغة العربية؛ قال أبو علاء المعري :" ما لسان حمير وأقاصي اليمن اليوم بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا" ، بل إن من اللغويين من قدح في اللغة اليمنية (عربية الجنوب) مثل قول الكسائي : " إن اللغة اليمانية فيها أشياء منكرة خارجة عن المقاييس"، و نذكر أيضا كلاما لعميد الأدب العربي طه حسين في نفس الإتجاه حيث يقول :" إن الشعر الجاهلي الذي بين أيدينا لا يمثل اللغة الجاهلية ولا يمكن أن يكون صحيحاً. ذلك لأننا نجد بين هؤلاء الـشعراء الـذين يضيفون إليهم شيئاً كثيراً من الشعر الجاهلي قوماً ينتسبون إلى عرب اليمن، حيث أن لغة اليمن كانت لغة غير لغة القرآن، كما أن هذا الشعر لا يمثل حياة العرب في الجاهلية"، هذه بعض الآراء لكي نثبت للدارودي أن هناك من قال أن اللغة اليمنية و العربية ليستا شقيقتين و نبين له أنه هو الآخر لا يدري، و لا يدري أنه لا يدري و يقدم مع ذلك على إصدار الأحكام.
وبعد ذلك انتقل الدارودي إلى ظاهرة الإعراب للرد على قول الأستاذ شفيق حول عدم وجود ظاهرة الإعراب في اللغة الأمازيغية، هنا الدارودي بين حيرة من أمره، فالإعراب موجود في العربية و لكنه غير موجود في الأمازيغية، فكان الحل الذي قدمه صاحبنا هو اللجوء إلى اللغات اليمنية القديمة ليقول لنا أن لا إعراب بها، مع أن كلام الأستاذ شفيق واضح و يتحدث عن الإعراب بمفهومه العربي، لكن صاحبنا الدارودي يتقن المراوغة و الزئبقية في إيجاد الحلول، و هذا منهجه في كل كتاباته، فعندما لا يجد مقابلا لإحدى الكلمات الأمازيغية في اللغة العربية يذهب إلى البحث عنه في اللغات اليمنية القديمة، مع العلم أن هذه اللغات لا تربطها بالعربية إلا الجغرافيا، أي أن صاحبنا الدارودي و باقي أتباع خشيم يعتمدون فقط على الموقع الجغرافي الذي تتواجد فيه هذه اللغات (الجزيرة العربية) للقول بأنها مجرد لهجات للغة العربية، و لم يقوموا بدراسات كما يفعلون مع اللغة الأمازيغية، و يكتفون فقط بترديد بعض الكلمات من تلك اللغات و القريبة للمفردات العربية لا لشيء إلا لإقحامها في مقارناتهم السطحية مع اللغة الأمازيغية.
إن الأستاذ محمد شفيق في كتابه "الدارجة المغربية مجال توارد بين الأمازيغية و العربية" قام بدراسة تأثيرات اللغة الأمازيغية على الدارجة المغربية، و من بينها عدم وجود ظاهرة الإعراب في الدارجة المغربية، و إسكان الحرف الأول في الكلام، و حذف همزة القطع، و انعدام الهمز و المثنى في الدارجة، و عدم التفريق في الدارجة بين المذكر و المؤنث في حالة إسناد الفعل الماضي إلى ضمير المخاطب ...، فالأستاذ محمد شفيق أرجع هذه الظواهر إلى اللغة الأمازيغية، فهل يملك الدارودي تفسيرا لوجودها في لغات اليمن القديم و بعض العاميات بالمشرق؟ بصيغة أخرى عوض أن يذكر الدارودي اللهجات و اللغات المشرقية التي تشترك مع الأمازيغية في بعض الخصائص، كان الأولى به أن يبين لنا من أين جاءت تلك الظواهر إلى اللغات و اللهجات المشرقية رغم أنها لا توجد في اللغة العربية، هل يريد الدارودي أن يقول لنا أن لهجات ظفار هي من أثرت على الأمازيغية و على الدارجة المغربية؟ و نشير إلى أن بعض تلك الظواهر منتشرة أيضا في اللغات الأوربية فهل سنقول أنها هي الأخرى متأثرة بلهجات جبال ظفار؟؟
و بناء على ما سبق فإننا لن نرد على الأجوبة التي اعتمد فيها الدارودي على لغات اليمن القديم و لغات الشام، لكون هذه اللغات مستقلة عن العربية و إن كانت كلها تنتمي إلى فصيلة لغوية واحدة، و لكون الكاتب يتحدث عن "عروبة" الأمازيغ و اللغة الأمازيغية، لذا سنناقش فقط ما اعتمد فيه صاحبنا على المعاجم العربية. أما بخصوص التعابير الموجودة في الدارجة المغربية و باقي اللهجات بشمال إفريقيا فهي بدون شك مأخوذة من الأمازيغية، و هي إن صح التعبير ترجمة عربية للتعابير الأمازيغية. أما عن لهجات ظفار و المشرق فليبحث الدارودي من أين أخذت تلك اللهجات بعض خصائصها التي لا توجد في اللغة العربية الفصحى عوض عرضها علينا للطعن في الدراسات التي قام بها الأستاذ شفيق في هذا المجال.
هذه بعض الردود التي رأيت من الضرورة الملحة أن أذكرها، وذلك حينما هالني ما وجدته من تدليس وجهل وشطط يخرج من أفواه أناس صاروا رموزاً ُ للنزعة القومجية، يؤخذ ما يأتي منهم على أنه القول الفصل.
إن المقالات التي بدأت بنشرها منذ مدة و وضعتها بين يدي القارئ الكريم، لهي حجة دامغة على أن الدارودي "لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري" ويقدم مع ذلك على إصدار الأحكام القاطعة، و ما أردت من هذه المقالات سوى كشف الحقيقة بعد أن وجدتها، حتى لا أكون ممن تنطبق عليهم مقولة " الساكت عن الحق شيطان أخرس".
لائحة المراجع :
1) الحسن الوزان، وصف إفريقيا الجزء الأول، ترجمة محمد حجي و محمد الأخضر.
2) محمد الهادي حارش، التاريخ المغاربي القديم السياسي و الحضاري منذ فجر التاريخ إلى الفتح الإسلامي.
3) محمد بيومي مهران، المغرب القديم.
4) محمد علي دبوز، تاريخ المغرب الكبير.
5) غابرييل كامب، البربر ذاكرة و هوية، ترجمة عبد الرحيم حزل.
6) شارل أندري جوليان، تاريخ إفريقيا الشمالية، ترجمة محمد مزالي و البشير بن سلامة.
7) توفيق برّو، تاريخ العرب القديم.
8) محمد الشافعي، الزواج في مدونة الأسرة.
9) محمد شفيق، اللغة الأمازيغية بنيتها اللسانية.
10) شوقي حمادة، معجم عجائب اللغة.
11) توفيق محمد السامعي التيمي، اللغة اليمنية في القرآن الكريم.
المعاجم :
1) محمد شفيق، المعجم العربي الأمازيغي، ج1 و ج2.
2) رينهارت دوزي، تكملة المعاجم العربية، ج1 ،ترجمة محمد سليم النعيمي.
3) الخليل بن أحمد الفراهيدي، كتاب العين مرتبا على حروف المعجم، تحقيق عبد الحميد هنداوي.
4) سامح مقار، المعجم الوجيز هيروغليفي عربي.
5) الشيخ خلف عبد ربه لفته و خالد كامل عوده، القاموس المندائي.
6) علي ياسين الجبوري، قاموس اللغة الأكادية العربية.
7) فەر ههنگا مایی، كوردى – عەره بی (معجم كوردي عربي).
8) ابن منظور الإفريقي، لسان العرب.
9) J .LANFRY, Ghadamès, étude linguistique, et ethnographique.
10) Mohamed Akli HDDADOU, dictionnaire des racines berbères communes.
11) J.M.DALLET, dictionnaire kabyle–français.
12) Mohamed SERHOUAL, dictionnaire Tarifit–français.
13) J.DELHOURE, dictionnaire Mozabite-français.