حكومة الكوارث
سعيد الكحل
أن تهتم الحكومة وتكترث لمّا تصيب الكوارث فئة من الشعب أو منطقة من المناطق المغربية أمر ليس فقط محمودا بل هو واجب لأنه يدخل ضمن اختصاصاتها، وأن تُحدث صندوقا للتضامن ضد الكوارث قرار جيد يحقق هدفين رئيسيين هما: التخفيف من معاناة الضحايا وتعويضهم عن جزء من الخسائر التي لحقت بهم.. والهدف الثاني وهو غاية في النبل والوطنية، ويتمثل في تجسيد قيم المواطنة ووحدة الشعب المغربي الذي يشاطر الضحايا وذويهم الخسائر والآلام. فهل استحضرت حكومة "البيجيدي" هذه القيم السامية وهي تفكر في موارد هذا الصندوق؟ وهل درست الأمور من كل جوانبها؟ وهل حددت طبيعة الكوارث التي سيغطيها الصندوق وصنفت أسبابها؟ بالتأكيد لم تفعل، ليس لأنها كانت تحت الضغوط النفسية والمادية لكارثة ما، لا قدر الله، لم تترك لها المجال للتفكير والدراسة، بل لأنها دأبت منذ 2011 على ضرب مصلحة الشعب، خصوصا فئاته الفقيرة والمتوسطة.
على مدى ثماني سنوات لم تتخذ الحكومة ولو قرارا واحدا يفيد مصلحة الشعب ويخدم غالبية فئاته؛ ذلك أن الخلفية العقدية والإيديولوجية للحزب الذي يرأسها لن تسمح له بالتفكير خارج مرجعيته، فهو سجين "الاقتصاد الإسلامي" القائم على "الفتوحات" التي يعتبرها المصدر الوحيد لموارد الدولة؛ أي إن الاقتصاد الإسلامي لا يقوم على الابتكار والاستثمار لإنتاج الثروات، وإنما على تنويع الجبايات والضرائب (الخراج، الفيء، الزكاة، الصدقات، الجزية، السبي، الاسترقاق الخ) لضمان مداخيل قارة للدولة دون أدنى استثمار. هذا هو المنطق الذي يتحكم في طريقة تدبير الشأن العام من طرف "البيجيدي"، وبموجبه يصبح الشعب في خدمة الدولة وليست الدولة في خدمة الشعب؛ أي إن موارد الدولة تتشكل من قوت الشعب ورزق أبنائه.
بهذا المنطق أحدثت حكومة "البيجيدي" رسما ضريبيا على أصحاب السيارات والدراجات النارية لتمويل صندوق التضامن ضد الكوارث. والحكومة، بهذا القرار، ستنسف الأهداف النبيلة للتضامن الوطني من عدة وجوه:
أولها: عدد من الكوارث، مثل الفيضانات مثلا، يكون السبب المباشر فيها إما انعدام البنيات التحتية أو ضعفها، بحيث تكون الحكومة المسؤولة الوحيدة عنها، بسبب تقصيرها أو إهمالها لما تقتضيه المصلحة العامة (نموذج فاجعة ملعب تارودانت الذي أقامته السلطات المعنية في مجرى واد). في مثل هذه الحالات على الحكومة أن تتحمل وحدها مسؤولية الكوارث وليس الشعب.
ثانيها: إحداث رسم ضريبي على أصحاب السيارات والدراجات النارية دون غيرهم سيجعلهم يشعرون بالغبن والظلم، لأن الحكومة تحملهم وحدهم ضريبة التضامن؛ الأمر الذي سيبعث في نفوسهم الإحساس بالإكراه بدل التضامن.
ثالثها: غياب العدل والإنصاف، إذ ساوت الحكومة بين أصحاب الدرجات النارية العادية وبين أصحاب الشاحنات والحافلات والسيارات الفاخرة؛ فجميعهم يؤدون المبلغ نفسه، ومن جهة أخرى أعفت الشركات والمقاولات الكبرى وذوي الدخل المرتفع، بالإضافة إلى الوزراء والبرلمانيين الذين من المفروض أن يكونوا في خدمة الشعب ويعبروا عن التضامن معه بالتنازل عن قسط من التعويضات التي يتقاضونها من جيوبه.
رابعها: الإصرار على استنزاف خزينة الدولة عبر دعم صندوق تقاعد الوزراء والبرلمانيين بملايير السنتيمات، وكذا تخصيص ما يقرب من خمسة مليار سنتيم لتجديد أسطول سيارات الوزراء ومكاتبهم، في وقت الذي تعاني الميزانية العامة من عجز مهول كان المفروض مواجهته باعتماد سياسة تقشفية صارمة. وفي وقت تعلن حكومات عدد من الدول تخفيض تعويضات وأجور البرلمانيين والوزراء وحذف معاشاتهم لأنهم ليسوا موظفين، نجد حكومة "البيجيدي" ترفع من تعويضات هؤلاء (4 آلاف درهم إضافية شهريا لحضور جلسات البرلمان..) وترسّم تقاعدهم مدى الحياة. فكيف سيستسيغ المواطن العادي الرسم الضريبي المفروض عليه وهو الذي لا يملك سوى دراجة نارية عادية أو سيارة متواضعة يتنقل بها إلى عمله في ظل انعدام أو ضعف خدمات النقل العمومي، بينما الوزراء والبرلمانيون والمدراء العامون وكبار الموظفين والمقاولات والشركات الكبرى لا تتحمل أي قسط ضريبي لمواجهة الكوارث؟.
خامسها: الكذب والنصب على الشعب. فحين قررت حكومة "البيجيدي" برئاسة بنكيران إلغاء صندوق المقاصة ووفرت 45 مليار درهم سنويا، وعدت أنها ستخصصها لتوفير وتجويد الخدمات الاجتماعية ودعم الاستثمار؛ لكن الواقع أثبت للمواطنين كذب الحكومة وأفقدهم الثقة في خطابها وسياستها. والحكومة التي تعد وتخلف، وترفع الضرائب والأسعار ولا تدعم القدرة الشرائية لعامة المواطنين، لا يمكن ائتمانها ولا تصديق وعودها.
لا يمكن لحكومة هي في حد ذاتها كارثة على الشعب والوطن أن تنجح في مواجهة الكوارث.