الحجاب في الإسلام وما يدور حوله من لغط فارغ
ذ.سالم الدليمي / العراق
بدأ الحجاب بصورته الحالية مع بدأ النكسة الحاصلة في مفاهيم المجتمعات الإسلامية، وتحديداً منذ عام 1979، ففي إيران صدرت الأوامر الأمريكية للشاه بمغادرة البلاد وتسليم السلطة للخميني.. وبدأت نكسة إيران فيما سمّوها بالثورة الإسلامية، رافقها تنحية الرئيس العراقي (أحمد حسن البكر) - بدعم أمريكي - لصدام حسين فشنَّ حرب الثمان سنوات على إيران، وبعدها أصبح صدام يُسمي نفسه قائد الحملة الإيمانيه، وقام صبيانه "فدائيو صدام" بقطع رؤوس بعض النساء بالسيف في شوارع بغداد بتهمة البغاء.
أما في بقية الدول العربية فكان لظهور المهدي المنتظر في الحرم المكّي في العشرين من شهر نوفمبر عام 79 أثراً بالغاً شكّل إنعطافة كبيره في المفاهيم الدينية الأسلامية وظهور الفكر المتطرّف وإنتقاله من صفحات كتب إبن تيمية إلى منابر الجوامع والمساجد وبدء الحركات التكفيرية بالعمل العلني حيث بدأ تنظيم القاعدة بالتشكّل في المملكة العربية السعودية بعد دخول القوات السوفيتية أفغانستان في 25 ديسمبر 1979مناصراً للحكومة الشيوعية هناك
كانت مراكز التطوّع التي فتحتها المملكة السعودية في كل مدينة وكل شارع وشكّلت قاعدة بيانات التطوّع اللبنة الأساسية في تنظيم القاعدة الذي رفدته تنظيمات أحزاب الاخوان المسلمين بالمقاتلين بعد نشأته بالسعودية وكانت مصر الرافد الثاني بلا منافس. ومن تسمية قاعدة بيانات أسماء المتطوّعين جائت تسمية تنظيم القاعدة.
لكن الأمر الأول والأكثر تأثيراً في نكسة الثقافة المجتمعية في الدول الإسلامية كانت بتأثير مباشر لتداعيات ظهور المهدي في الحرم المكّي فجر ذلك اليوم (العشرين من شهر نوفمبر عام 1979) حيث إستعصى على حكومة الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود إستعادة السيطرة على الحرم المكّي رغم مرور أسبوعين على إحتلاله من قبل أنصار المهدي، فكان لا بد له من الإستعانة بجيش كافر ليستعيد له سلطانه على الحرم المكّي فطلب العون من فرنسا التي أرسلت له اللوتنانت الفرنسي "باول باريل Paul Barril مع جنود متخصصين تابعين لفرقة الحرس الوطني الفرنسي GIGN الخاصة وكان لابد له من إستحصال فتوى من مفتي المملكة آنذاك (بن باز) صاحب الفكر الوهابي المتطرّف، والذي إستغل طلب الملك ليُملي شروطه عليه متهماً حكمه بالإرتداد عن الإسلام، مطالباً بفرض النِقاب والحجاب والخطب الوهابية في منابر الجوامع وإدخال تغييرات على مناهج الدراسة ودعم الفكر في بقية الدول الإسلامية من خلال دعم أئمة جوامعها وفرض قيود على ما يبثه التلفاز والراديو وتحديده في حدود إسلامية (متطرّفة) .. فلو عُدنا قليلاً الى ما قبل ذلك التاريخ تحديداً لوجدنا مظاهر الحياة في كل بلداننا مختلفة تماماً، حتى أن طالبات الأزهر الذي بات وصفه بــ (الشريف جداً جداً) لم يكُنَّ يضعنَ الحجاب حتى في قاعات الدرس الأزهرية ..
وفي تونس مثلاً تغير اللباس كثيراً في العشرة سنوات الأخيرة، فتونس قبل 2006 لم يكن فيها شيء أسمه حجاب لكن بعد حرب حزب الله ضد إسرائيل والتغطية الناجحة للجزيرة لذلك الحدث وصعود مصداقيتها عند التونسيين بدأ حينها تأثير القرضاوي عبر الجزيرة وأصبح خطاب قناة الجزيرة لا يختلف في شيء عن القرآن عند المواطن التونسي آنذاك، حتى بدأت القنوات الدينية تقتحم بيوت التونسيون وعقول الكثير منهم للأسف.
لقراءة تفاصيل أحداث إحتلال الحرم المكي من قبل المهدي المنتظر يمكنكم دخول الرابط التالي:
ولأبدأ مناقشة موضوع الحجاب بهذا السؤال:
إذا كان الحجاب منتشراً في الإسلام الأول فلماذا لم يُنقَل حديث الحجاب سوى عن عائشة (التي لم تروي حتى حديث واحد عن الصلاة وهي الأهم) فالراوية الوحيد الذي روى حديث الحجاب عن عائشة هو أبو داوود ، ولم يرويه عنها آخر مع انها توفيت ولم يُقابلها أبو داوود في حياته ، فهو من حديث الآحاد وليس حديثاً متواتراً ليؤخّذ به بل يمكن اعتباره حديثاً باطلاً ..
فـ"كل حديث لا يوافق نصاً قرآنياً فهو حديث مكذوب"
فالنص القرآني الخاص بوضع خمار للمرأة كان بسبب اختلاط الأمر على الرجال في التمييز بين الإماء والحرائر اللاتي كُنَّ يخرجن لقضاء حاجة لعدم توفر الحمّامات في البيوت فيتعرضنَ جميعهنَّ للتحرّش الجنسي وحتى شمل ذلك نساء الرسول ومنهنَّ أم المؤمنين سودة بنت زمعة.
وفي صحيح البخاري نقرأ في باب خروج النساء إلى البراز
مسألة رقم 146 "حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كُنَّ يخرجن بالليل إذا تبرزْنَ إلى المناصِع -وهو صعيد أفيح- فكان عمر يقول للنبي صلى الله عليه وسلم إحجِب نساؤك فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي عشاءً وكانت إمرأة طويلة فناداها عمر (أَلا قَد عرفناك يا سودة)،.. حرصا على أن ينزل الحجاب فأنزل الله آية الحجاب حدثنا زكرياء قال حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قد أُذِنَ أن تَخرُجْنَ في حاجتكن، قال هشام يعني البراز.
فنزلت الآية
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} الأحزاب59
إنتبه جيداً إلى هذه ولاحظ ان النص القرآني قال:
" ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ" ولم يقُل: "ذَلِكَ أَدْنَى أَن لا يُعْرَفْنَ "
أي أن ذلك سيُسهّل معرفتهنَّ أنهنَّ من الحرائر فلا يؤذَيْنَ
وقد كان الزي الرسمي لطالبات الأزهر في سبعينات القرن الماضي خالٍ من أي حجاب على الشعر. فهل كان الأزهر عندها داعراً غير شريف!!؟؟
أما ما أوجبَ النص القرآني سِتره على المرأة المؤمنة فهو صدرَها ولم يقُل شَعرها كما في الآية 31 من سورة النور:
{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
وإخفاء الزينة هنا هو ليس الوجه كما تدَّعي السَلفية الوهابية والاخوان المسلمين بل قَصَد الزينة المُضافة من تبرّج واكسسوارات، ونفس الآية تؤكد ذلك بقولها (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ) أي الخلخال التي تلبسه في ساقِها.
إن المشمولات بالخمار الذي يُغطي الصدر العاري وليس الحجاب، هُنَّ نِساء النبي والحَرائر من نساء المسلمين العرب فقط، أما الجواري والإماء فإن عورتهن حُدِّدَت من (السُرّة إلى ركبة الساق) وتُجبر الأمه على كشف بطنها وصدرها وشعرها لتتميّز عن الحرّة..
ومن الجدير بالذكر أن السبيّة الأَمة لو أسلَمت فستبقى أمةً جارية. فقد قال شيخ الإسلام (إبن تيمية) في الفتاوى:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ} الآية 59 من سورة الأحزاب، دليلٌ على أن الحجاب إنما أُمِرَ به الحَرائر دون الإماء. لأنه خصَّ أزواجه وبناته، ولم يقل وما ملكت يمينك وإمائك وإماء أزواجك وبناتك. ثم قال: {ونساء المؤمنين}. والإماء لم يدخلن في نساء المؤمنين، كما لم يدخلنَ في قوله {نسائهن ما ملكت أيمانهن} حتى عطف عليه في آيتي النور والأحزاب.... إلى أن قال: فهذا مع ما في الصحيح من أنه لَمّا إصطفى صَفية بنت حُيَيّ، وقالوا: إن حَجَّبَها فهي من أمهات المؤمنين، وإلّا فهيَ مما مَلَكتْ يمينه، دَلّ على أن الحجاب كان مُختصّاً بالحرائر. وفي الحديث دليلٌ على أن أموّة المؤمنين لأزواجه دون سراريه}. انتهى الإقتباس..
فمن لم ينتبه لتلك النقطة المعنية بها صفيّة فعليه أن يعيد قرائتها :
" إن حَجَّبَها فهي من أمهات المؤمنين، وإلّا فهيَ مما مَلَكتْ يمينه، دَلّ على أن الحجاب كان مُختصّاً بالحرائر "
وقال كذلك: والحجابُ مختصٌّ بالحرائر دون الإماء، كما كانت سُنّةُ المؤمنين في زمن النبي وخلفائه: أن الحُرَّةَ تَحتَجِبُ، والأَمَة تَبرُز. وكان عمر إذا رأى أَمَةُ مُختَمِرة، ضرَبها وقال: أتتشبهين بالحرائر؟
وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني: وصلاة الأَمَة مكشوفة الرأس جائزة هذا قول عامة أهل العلم. لا نعلم أحداً خالف في هذا إلّا الحَسَن (ويقصد الحسن البصري) فإنه من بين أهل العلم أوجب عليها الخِمار إذا تزوجت. أو إتَّخذها الرجل لنفسه، واستحبَّ لها عطاء أن تُقَنَّع إذا صَلَّت، ولم يوجبه أيضاً.
ولنا أن عمر رضي الله عنه ضرب أمة لآل أنس رآها متقنعة وقال: اكشفي رأسك، ولا تُشبِّهي بالحرائر.
وهذا يدل على أن هذا كان مشهوراً بين الصحابة لا يُنكَر، حتى أنكر عمر مخالفته كان ينهى الإماء عن التَقنّع. قال أبو قلابة: إن عمر بن الخطاب كان لا يدع أمة تُقَنَّع في خلافته، وقال: إنما القِناعُ للحرائِر.
والآية 53 من سورة الأحزاب هي الوحيدة التي تحدثت عن "الحجاب" وكان المقصود به ستاراً بين المسلمين ونساء النبي، ولم ترِد لفظة حجاب في اموضع آخر إلّا بمعنى سِتار فاصل بين شخصين أو أكثر.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً }
وقد جاء تفسيرها في كتاب التفسير المُيسَّر هكذا حرفياً:
"(يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم) في الدخول بالدعاء (إلى طعام) فتدخلوا (غير ناظرين) منتظرين (إناه) نضجه مصدر أنى يأني (ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا) تمكثوا (مستأنسين لحديث) من بعضكم لبعض (إن ذلكم) المكث (كان يؤذي النبي فيستحيي منكم) أن يخرجكم (والله لا يستحيي من الحق) أن يخرجكم أي لا يترك بيانه وقرىء يستحي بياء واحدة (وإذا سألتموهن) أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (متاعا فاسألوهن من وراء حجاب) ستر (ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) من الخواطر المريبة (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله) بشيء ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله) ذنبا (عظيما)"