انفجار الماضي (الجزء الثاني ).
الحلقة الثالثة
بقلم ذ. : محمــد همشة
تعينت معلما للتعليم الابتدائي , بعد سنة من التكوين بمركز تكوين والمعلمات والمعلمين بورزازات ، وتوصلت بنسخة من التعيين في صيف 1982 من طرف الفقيد احلو موحا : (الذي توفي مؤخرا اطلب من الله ان يسكنه فسيح جناته ، وإنا لله , وإنا اليه راجعون ). وكم كانت فرحتي كبيرة ، وأنا ابن مخزني متقاعد ، لم يتوصل والده بأي درهم ، بعد مرور سنتين من التقاعد ، ونحن اسرته ننتظر ان يغدق علينا صندوق التقاعد بما هو حق لنا وواجب عليه .
وكم كانت فرحة اسرتي عظيمة وحتى سكان قريتي تاكلفت الغارقة انذاك في ويلات الفقر والأمية والتهميش منذ سنوات الرصاص ، لأن احدا من ابنائها اصبح موظفا ... لكن الشيء الذي حيرني هو مكان التعيين ، فهذه المجموعة التي سألتحق بها , لم اكن اسمع بها قط , وتدعى مجموعة مدارس (تاسوانت )، بضواحي اكدز نيابة ورزازات .
وهذه الجهة التي رماني القدر اليها تسمى "تانسيفت" ، وطلبت من سائق بقريتي ان يحدد لي جغرافية هذه الجهة ، وقال لي انها توجد بضواحي مراكش . وازداد فرحي ، لاني لم ار نهائيا انذاك هذه المدينة العظيمة التي بناها يوسف بن تاشفين ، وبعد عناء كبير استطاع والدي الذي اصبح شيخا هرما , ان يقترض بعض المال ، الذي جعلني اسافر للالتحاق بعملي الجديد .
وفي ليلة باردة ليوم خميس ، لازلت اتذكر قسوتها , صعدت ظهر الشاحنة الوحيدة التي تحملنا –نحن ايت سخمان الى بني ملال ، حيت الحضارة والمدنية ، ونظرا لكثرة الركاب ، وجدت صعوبة في ايجاد مكان ولو ضيق للجلوس ، والشاحنة تارة تهتز ,وتارة تنزل , لتختلط ارجل او ايدي المسافرين ، والكل في حالة نفسية مضطربة ممزوجة بابتسامة مصطنعة , وواضحة على وجوههم المغبرة بتراب احمر اللون ، لان هذا قدرنا نحن الساكنين في اعالي الجبال ...
وفي بني ملال , تغير منظري , حيث استحممت في الحمام الكبير المعروف بها "حمام البوهراوي " واغلب الزبناء هم من يأتون اليه من كل مكان .
وفي الحافلة المريحة المتجهة الى مراكش ، احسست اني اصبحت مهما ، واعتراني نوع من الإفتخار ، وانساب بي الخيال ، لارى نفسي ، وكأني شرعت في مهنة التدريس ، والطباشير الابيض والملون بين اصابعي ، وكان الدرس المفترض في الاخلاق والسلوك الحسن ، وأنا مرتدي وزرة بيضاء ، فوق قميص ابيض جديد لامع ، تتصدره ربطة عنق حمراء اللون . وبين الحين والحين ، يعود تفكيري الى واقعي ، كلما توقفت الحافلة , لكي ينزل مسافر او لكي يصعد مسافر ٱخر ..
واخذ خيالي يسمو شيئا فشيئا , لأجد نفسي ؛ أني مرغم إذا جمعت المال من الحوالات الشهرية المالية ، التي أتقاضها خلال سنة او سنتين ، يمكنني بها انذاك ، ان اتزوج فتاة جميلة من فتيات قريتي , وربما سيتهافتن علي , لاني اصبحت موظفا مهما .بوزارة التربية والتعليم .
تابع