إنفجار الماضي الجزء الثاني
(الحلقة الرابعة 4 ).
بقلم د .: محــمد همــشة
تعينت اول تعييني كمعلم ،بمكان يدعى ( زاوية ايناس ) ،وهو مقر إحداث فرعية جديدة تابعة لمجموعة مدارس تساوانت التابعة هي ايضا لقيادة اكدز التابع ٱنذاك ، لاقليم ورزازات ،ونظرا لكوني تاخرت في الالتحاق يعملي الجديد نظرا لظروف قاهرة ، لم استطع ان احضر يوم توقيع محاضر الدخول المدرسي بمكتب السيد المدير للمجموعة المدرسية ،تاخرت مدة اربعة ايام من التحاقي بعملي الشيء الذي جعل المعلمات والمعلمين يختارون الاماكن الجيدة اقل صعوبة من فرعية زاوية ايناس ،وهكذا ظل هذا التاريخ يتبعني في كل وثائقي الادارية الى ان حصلت على تقاعدي حد السن .
وتعبت كثيرا في وصولي الى مقر عملي ، نظرا لصعوبة المسلك اليه لانه منطقة منقطعة عن العالم المحيط بها من باقي الدواوير المجاورة لها ، ومما زاد الطين بلة ،كوني حملت معي حقيبة جلدية ثقيلة وٱلة تسجيل وكثير من حاويات التسجيل المليئة باغاني امازيغية رائعة واغاني ناس الغيوان....
وقد قطعت مدة لا يستهان بها على قدماي والحمل الثقيل من متاعي الخصوصية ، مسافة اكثر من ثمانية كيلومترات ،وقد صادفت اثناء الطريق ثعبانا اسود اللون طويل ومخيف جدا ، اربك مسيري ،وانا بين الاحجار والمغاور الصغيرة حتى زاد خوفي وتغيرت نبضات قلبي ، واخذت اتنقل فوق بعض الاحجار المتوسطة الحجم ؛ لعلي اتجنب الاصطدام بثعبان ٱخر .
وهكذا اخذ العرق يتصبب من جبيني ، وكثيرا ما كنت اضع ٱلة التسجيل التي احملها معي في وسط الطريق لكي استريح هنيهة من الزمن لاجدد مسيري الى ان وصلت الى منخفض حيت برزت لي عن بعد منازل دوار زاوية ايناس ،وتنفس الصعداء واخذت اسرع في مشيي لعلي اصل في الوقت المحدد للدخول في الفترة المسائية اما الفترة الصباحية فقد قضيتها في المشي على قدماي من مكتب السيد المدير بتسوانت الى زاوية ايناس .
كلما اقتربت من منازل زاوية ايناس ، كنت اشعر بنوع من الاطمئنان ، الى ان وصلت قرب اول منزل . لم اجد اي احد يستقبلني رغم أن هيأتي تنيئ : اني غريب بالمنطقة ،ولما وقفت بباب المنزل الاول وكان شبه مفتوح ، تنبعث منه اصوات رجال يغنون غناء فلكلور احواش والنساء يرددن بعض الكلمات التي لم افهم منها الا الشيء القليل رغم اني امازيغي اثقن اللغة الامازيغية ،وبقيت واقفا حائرا انتظر من يخرج من هذا المنزل لاقدم له نفسي ، باني معلم مدرستهم الجديدة ، لكن مع الاسف لم يخرج اي احد ، وتعالت الاصوات ممزوجة بإيقاع دقات البنادر والطبل الكبير الذي تتابعت دقاته ، وكانه في يد ميكانيكية متواصلة الضرب ؛ وازدادت دهشتي وتعجبي وليس بامكاني حتى ان اصيح بصوت مرتفع لعل احد الساكنين يغيثني ، بهذا المنزل الواسع الجميل الغريب .
وبالصدفة وانا انتظر من سيراني خارج المنزل اذا بطفلين يجريان واحد خلف الاخر يريد الثاني ان يعنف الاول لان في يديه بعض الثمر اليانع اللامع المعسل ، وهنا توقفا فجاة امامي وكاني شرطي او دركي يفاجئ عرسهم واخذا يحذقان في وجودي امامهم ، فنطقت بالامازيغية ، طالبا منهما إحضار احد ابويهما او من ينوب عنهما ، وقلت لهما بان يدخلا ويخبروا هما : بتواجدي قرب باب منزلهما .
فعلا دخلا يجريان متزاحمان وقد توقف الغناء وضرب البنادر والطبل الكبير ، وحاولت تهدئة نفسي ، ووضعت حملي الثقيل على الارض . وفجاة خرج من الباب لهذا المنزل رجل كهل ذو بنية جسدية هائلة ، وهو اسمر اللون قصير القامة فسلم علي وحياني تحية طيبة وقال لي بالامازيغية : من انت يا سيدي ؟ .وقلت له: انا المعلم الجديد بمدرستكم الجديدة وتغيرت ملامح وجهه ، وزاد من المسك بيدي ، وقال لي اولا هل انت امازيغي ام عربي ؟ قلت له باللغة الامازيغية : انا امازيغي حر من الاطلس المتوسط . وزداد فرحه وغبطته
وانحنى ، فحمل حقيبتي الثقيلة وتبعته الى فناء هذا المنزل الواسع الارجاء ، وقد اصبح غاصا بالضيوف والمتفرجين ، بينما النساء محجبات فوق سطح المنزل والمطل ، بشكل كبير على هذا الفناء الذي يقام فيه الاحتفال ، ولم تمض دقيقة حتى بدا الاحتفال من جديد ؛ واجلسني هذا الرجل المسؤول عن الساكنة رغم انه ليس بعون السلطة ولكنه من اعيان القبيلة واجلسني بالقرب من صاحب الطبل الذي نسي كل الحاضرين وهمه الوحيد هو الضرب المتتالي على الطبل الكبير ، الشاي الذي جعلني بعد فترة قصيرة لا اسمع كلام مرافقي الذي قدم لي كاس شاي من طراز الشاي الصحراوي .
وبين الحين والحين يتقرب الي هذا المضياف الذي قدم لي نفسه ، وقال لي بالحرف : مرحبا بك عندنا في دوارنا ، وانا اسمي (الهاشمي ايت تيزي ) ، وقدمت له انا ايضا اسمي الشخصي والعائلي . و قال لي عندما تريد الذهاب الى النوم سارافقك الى منزلي لكي تقضي هذه الليلة هناك بعيدا عن ضربات الطبل الكبير ، وشكرته غاية الشكر ورفعت بصري الى من يوجد فوق السطح ، وكان الظلام قد انتشر بالدوار ما عدا بعض الفوانس التي شرعت في محاربة الظلام كي لا يسيطر على الجو العام للاحتفال ، فلاحظ ان الجمهور الجالس فوق السطح للمنزل كله نساء وفتيات يانعات ، وكلهن ينظرن الي متسائلات وحائرات : من هو هذا الغريب بدوارهم وسالت مضيافي الهاشمي ، ما هي مناسبة الحفل ؟ وقال لي جىت في مناسبة : الزواج . تزوج شاب منا بشابة من قريتنا وهي فرصة لكي تطلع على عاداتنا وتقاليدنا في مراسيم الزواج وعقد القران ...
ولكن المشكل الذي احسست به هو اني جالس بالقرب من الطبل الكبير الذي اصمني حتى احسست اني لا اثيق المكوث بهذا المكان المضني . ولما احس الهاشمي ان راسي بدا يتثاقل بالكرى ، امرني بان اتبعه ونخرج من مكان الاحتفال بالعريسين ، وقد حمل بيده فانوسا وانا اتبعه من زنقة الى زنقة فتارة نصعد وتارة ننزل بزنقة غير مستوية ، الى ان وصلنا الى منزله فادار المفتاح بباب منزله ودخلنا وهو امامي يمشي وانا خلفه انتظر ماذا سيفعل ، حتى ادخلني غرفة واسعة من الطراز التقليدي للبناء والفراش والاغطية الجميلة... وقال لي مرة ثانية : مرحبا بك في دوارنا ، وغدا عندما تسترح سنقوم بزيارة لأهلنا وساكنة دوارنا ... ستتعرف على الساكنة ومن بعد يومين او ثلاثة ، سنبدأ في تسجيل التلميذات والتلاميذ للشروع في دراسته ، ولكنني تداركت رايه ، وقلت له غدا ان شاء الله سنشرع في تسجيل المتعلمات والمتعلمين الجدد بفرعيتكم ، زاوية ايناس وقبل ان يخرج وقد هيأ لي فراشي وغطائي الذي قد احتاجه اثناء نومي بمنزله الجميل .
(يتبع ).