فضيحة جامع غير المعتصم بحبل الله!
بقلم : اسماعيل الحلوتي
موجع للقلب هذا الذي يحدث أحيانا في المشهد السياسي ببلادنا من فضائح أخلاقية وسياسية تهز الرأي العام الوطني ويتجاوز صداها الحدود، والتي يتضح من خلالها إلى أي حد أضحت أحزابنا السياسية عاجزة عن إنتاج نخب قادرة على تدبير الشأن العام بما يلزم من كفاءة واستقامة، حيث صار بعض الفاعلين السياسيين أبعد ما يكونون عن السياسة في أرقى معانيها، من حيث تراجع القيم والمبادئ أمام تزايد المطامح الانتهازية وترجيح المصالح الشخصية والحزبية على المصلحة العليا للوطن وخدمة أبنائه.
ذلك أنه في وسط الصخب الكبير الذي أثاره تصريح الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية فوزي لقجع، يوم الثلاثاء 25 أكتوبر 2022 حول اعتزام الحكومة رفع الدعم عن غاز البوتان في أفق إلغاء صندوق المقاصة، تفجرت فضيحة سياسية وأخلاقية من العيار الثقيل هزت أركان حزب العدالة والتنمية المحسوب على المعارضة. وليس بطل هذه الفضيحة المدوية سوى نائب الأمين العام لذات الحزب جامع المعتصم، الذي يشتغل بموازاة مع ذلك في ديوان رئيس الحكومة عزيز أخنوش.
وتعد هذه الفضيحة من المفارقات الغريبة وغير المسبوقة، ويمكن إدراجها ضمن المعادلات الصعبة التي يقف حائرا أمامها كبار علماء الرياضيات قبل السياسيين. حيث أنه من غير المقبول سياسيا وأخلاقيا الجمع في آن واحد بين موقعين مختلفين في المعارضة والأغلبية، وبين مهمتين لتصريف مواقف سياسية متباينة حد التناقض الصارخ، كما هو الحال بالنسبة للرجل الثاني في حزب "المصباح" جامع غير المعتصم بحبل الله، الذي أجاز لنفسه وبمباركة الأمين العام للحزب أن يمد يده إلى تعويضات خيالية من المال العام، ضاربا عرض الحائط بكل القيم والمبادئ. مما أدى بعدد من قياديي الحزب الذين اكتشفوا فجأة هذه "الكارثة" إلى التنديد بهكذا سلوك انتهازي فادح، ودعوة لجنة الأخلاقيات للانعقاد من أجل مساءلة الأمين العام للحزب ونائبه عن دواعي هذا الخلط "الشاذ" وترتيب الجزاءات القانونية، لاسيما أن الفضيحة تمس في العمق بجوهر العمل السياسي الهادف وتسيء إلى الساحة السياسية بالمغرب...
والأدهى من ذلك أن ابن كيران رئيس الحكومة الأسبق الذي يتظاهر من حين لآخر بمهاجمة غريمه عزيز أخنوش، هو من انبرى للدفاع عن نائبه "المعتصم" وتبرير فعلته الشنيعة، إذ أوضح أن نائبه ظل يشغل منصب مدير ديوان رئيس الحكومة على مدى عقد من الزمن في حكومته وحكومة خلفه سعد الدين العثماني، مما أكسبه خبرة واسعة وجعل رئيس الحكومة الحالي أخنوش يرفض طلب إعفائه والعودة إلى منصبه الأصلي في وزارة التربية الوطنية، ويظل متمسكا به وتكليفه بمهمة اعترافا له بكفاءته المهنية. وكأنه بذلك يقول لنا جميعا بأن لا أحد قادر على القيام بما كلف به "المعتصم" من مهمة سواه، ثم أين نحن من حزب الكفاءات الذي ظل أخنوش يردد عن حزبه، إذا لم يكن يتوفر على من يعوض "المعتصم"؟
وبدون أدنى خجل زاد قائلا "بأن نائبه المعتصم هو في الأصل موظف عمومي، ولا يرى عيبا في أن يساعد رئيس الحكومة في أي أمر فيه مصلحة الوطن، متباهيا بقدرته على القيام بدوره كنائب له شخصيا في الحزب، وبكون "التكليف بمهمة" في ديوان رئيس الحكومة لا يمنعه من المساهمة في معارضة الحزب للحكومة بكل وضوح وصراحة. وهي تبريرات واهية لم تقنع أحدا من أعضاء ومناضلي الحزب، الذين هدد بعضهم علانية وعبر منصات التواصل الاجتماعي بالانسحاب من الحزب ما لم يسارع "المعتصم" إلى تقديم استقالته من تلك المهمة العجيبة، مشددين على أن الحزب في المرحلة الحالية مطالب بمعارضة رئيس الحكومة ومشروعه وليس مساعدته.
فالفضيحة تؤكد للمرة الألف أن ما يدعيه ابن كيران وما تبقى من إخوانه من طهرانية وزهد في المناصب والامتيازات ليس في الواقع سوى كلاما للاستهلاك السياسي، ودغدغة العواطف والتلاعب بعقول المواطنين البسطاء، إذ لا حدود لعشقهم الجارف لمراكمة الأموال الطائلة في الجمع بين المناصب والمهام، وإلا ما كان لعمدة فاس السابق ادريس الأزمي أن يقيم تلك الجذبة الشهيرة ب"البيليكي والديبخشي" في مجلس النواب، عندما طالب مجموعة من "المؤثرين الاجتماعيين" في حملة رقمية واسعة بإلغاء معاشات البرلمانيين، ولا أن يقبل كبيرهم بمعاش استثنائي بقيمة سبعة ملايين سنتيم شهريا، مقابل قضائه خمس سنوات فقط رئيسا لحكومة بئيسة وفاشلة.
ولا غرو في أن يستمر بطل الفضيحة غير المعتصم بالله متشبثا بتلك التعويضات المغرية، حيث أنه لم يتأخر في الرد على منتقديه، عبر تقديم استقالته من الأمانة العامة للحزب في مراسلة خاصة للأمين العام، معلنا من خلالها عن تحمل كامل المسؤولية فيما حصل، ومتوخيا منها رفع الحرج عن الحزب، إذ برر ذلك بما وصفه ب"التداعيات التي خلفها النشر المغرض لخبر شغلي مهمة "مكلف بمهمة" بمصالح رئاسة الحكومة، واختلاف تأويلات وتقديرات عدد من أعضاء الحزب"
إن فضيحة جامع غير المعتصم بالله التي تمت في جنح الظلام بتواطؤ مع عبد الإله ابن كيران، ستظل لعنة سياسية تلاحقهما في حلهما وارتحالهما ووصمة عار في تاريخ المغرب، وعلى رئيس الحكومة أخنوش الخروج لتنوير الرأي العام حول قبوله بمثل هذه الممارسة السياسية التي تتعارض من الناحية الأخلاقية مع نبل العمل السياسي الصادق، والتعجيل بإقالة المعني بالأمر حتى بعد استقالته من حزبه...