أسود الأطلس والإنجاز البطولي الكبير!
بقلم : اسماعيل الحلوتي
بهمة وعزيمة الرجال الكبار والشرفاء الأحرار، أبى "وليدات الركراكي" إلا أن يبصموا على إنجاز كروي بطولي كبير، ويكتبون صفحة جديدة في تاريخ كرة القدم المغربية، ليس فقط بتجاوزهم دور المجموعات بعد مرور 36 سنة على جيل 1986 بمونديال المكسيك، إذ تمكنوا من التعادل السلبي ضد منتخب كرواتيا وصيف بطل العالم في مونديال 2018 بفرنسا، والإطاحة بكل من منتخب بلجيكا 2/0 ومنتخب كندا 2/1، متصدرين مجموعتهم السادسة برصيد سبع نقط والعبور بكل فخر إلى الدور الثمن.
بل إن أسود الأطلس استطاعوا يوم الثلاثاء 6 دجنبر 2022 في مشاركتهم السادسة بنهائيات كأس العالم في قطر 2022 إرسال "الروخا" الإسبانية الذي يعد من بين أفضل المنتخبات المرشحة للفوز اللقب" إلى ديارهم، في معركة كروية تاريخية جمعت بين المنتخبين المغربي والإسباني بملعب "المدينة التعليمية" بالدوحة دامت أطوارها 120 دقيقة دون تسجيل أهداف بلا غالب ولا مغلوب، ولم تحسمها إلا الضربات الترجيحية التي استبسل فيها الحارس المغربي ياسين بونو وآلت فيها الغلبة للأسود ب"3/0"...
وبقدر ما شكل فوز المنتخب المغرب وبلوغه لأول مرة في تاريخه دور الربع فرحة عارمة بالنسبة للشعب المغربي الذي خرج عن بكرة أبيه للاحتفال في الشوارع بمختلف المدن، حيث شاركهم في ذلك عاهل البلاد محمد السادس من داخل سيارته كما يظهر ذلك مقطع مصور انتشر سريعا على مواقع التواصل الاجتماعي عقب نهاية المباراة، ومعه جميع مغاربة العالم في العواصم الأجنبية وكافة الشعوب العربية والإفريقية. بقدر ما شكل خروج المنتخب الإسباني من دور الثمن على يد الأسود صدمة قوية للشارع الكروي الإسباني والصحف المحلية التي سارعت إلى انتقاد "لاروخا" تحت عناوين عريضة، وفي ذات الوقت الإشادة بالإنجاز البطولي لأسود الأطلس.
ويشار في هذا الصدد إلى أن ملعب "المدينة التعليمية" توشح باللون الأحمر إلى جانب أعلام معظم الدول العربية بما فيها دولة فلسطين، حيث كان هناك إصرار قوي من طرف المواطنين العرب على مؤازرة "أسود الأطلس" باعتبارهم المنتخب العربي الوحيد الذي يمثلهم في هذا العرس الرياضي العالمي، فالجميع كان يصيح "ديما مغرب" معبرين عن ثقتهم في قدرة زملاء حكيمي وزياش وبونو على إلحاق الهزيمة بإسبانيا ومواصلة السير للذهاب بعيدا في مونديال قطر.
وبهذه الملحمة الكروية الرائعة وغير المسبوقة أصبح المنتخب الوطني المنتخب العربي والإفريقي الوحيد المتبقي بمونديال قطر 2022 بعد خروج منتخبات السعودية وتونس وقطر وكذا منتخبات إفريقيا مثل غانا والكاميرون من دور المجموعات ومنتخب السنغال من دور الستة عشر. وسيواجه المنتخب المغربي نظيره البرتغالي، الذي سبق له التأهل إلى دور الثمن إثر تصدره بدوره المجموعة الثامنة بست نقط، حصل عليها من خلال فوزه على كل من منتخب غانا ومنتخب أوروغواي وخسارته أمام منتخب كوريا الجنوبية، وتمكن من العبور إلى دور الربع بعد سحقه لمنتخب سويسرا ب"6/1" في ذات اليوم الثلاثاء 6 دجنبر 2022 بدور الستة عشر.
فالمنتخب الوطني أبان عما يتميز به عناصره من علو كعب وروح وطنية عالية، مما جعله يبهر العالم خلال هذه المنافسات الكروية التي تجرى لأول مرة في التاريخ ببلد عربي، ويعتبر الأحسن من خلال أسلوبه التكتيكي في اللعب والأداء المتميز والتلاحم العائلي، حيث أنه وقف ندا للند في وجه أعتد المنتخبات، وقدم مستوى رفيعا ومذهلا خلف ارتسامات جيدة لدى الجماهير الرياضية الواسعة التي تابعت لقاءاته وكذا جميع الفرق المشاركة، التي تأكد لها بما لا يدع مجالا للشك أنه تحول إلى رقم صعب في المعادلة الكروية، وقادرا على إزاحة أكبر المنتخبات العريقة. ويعود الفضل في ذلك أساسا إلى الناخب الوطني وليد الركراكي الذي فضلا عن تحديه عامل الزمن حيث تسلم مهامه في أواخر شهر غشت على بعد شهرين فقط من انطلاق مونديال قطر 22، استطاع أن ينجح فيما فشل في تحقيقه سلفه البوسني وحيد خاليلوزيتش وغيره ممن تعاقبوا على تدريب "الأسود"...
من هنا لا يسعنا سوى أن نشد بحرارة على أيدي كل من ساهم من قريب أو بعيد في تحقيق هذه الملحمة الكروية التي ستظل خالدة في الأذهان مدى الزمان، ونسأله تعالى أن يلهم أبناءنا "المحاربين" في المنتخب الوطني لتحقيق المزيد من الانتصارات سواء في هذه المنافسات الحالية أو في غيرها من المنافسات القارية القادمة. فهل سيستمر اللاعبون في التألق وتكون الجماهير المغربية والعربية والإفريقية في مستوى الحدث والوقوف خلفهم عند ملاقاة زملاء كريستيان رونالدو في المنتخب البرتغالي، لتتواصل صناعة لحظات الفرح والسعادة؟