نصائح الشيطان
بقلم : أسعد طه
(1)
لا تجلدوا أنفسكم، وإنما أشعِروها بالعجز.
أنتم عاجزون تمامًا عن فعل أي شيء.
ليس كحكومات وأنظمة، وإنما كشعوب وأفراد.
لا حول لكم ولا قوة.
«نحن عاجزون».. «نحن عاجزون».. «نحن عاجزون».
ضعوا ذلك في أذهانكم، وردِّدوه ليل نهار.
تذكروا أن الفعل همُّ المخلصين.
وأن المخلصين لا ينتظرون أن يُؤذَن لهم ليفعلوا.
ولأنكم تعشقون البكائيات، فاستمروا إذن في النحيب.
إياكم ومن يقول لكم: إن النار تأتي من مستصغر الشرر، وإن الجبال من الحصى، وإن كل ثورة بدأت بصرخة، وإن التاريخ لا يخضع للخانعين.
(2)
أقول لكم:
إن اليأس سيمنحكم راحة البال.
إذا تملَّككم لن يصيبكم القلق، ولا التوتر، ولن تحتاروا حينها فيما عليكم فعله.
فلا فعل بعد اليأس.
اليأس يعني أن تشعروا شعور الميت.
تقلِّبه يمنة ويسرة، ترفعه.. تخفضه، تضربه.. تربت عليه، فلن يشعر بشيء.
وأنتم من قال: لا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها.
لا تنصتوا لمن يقول لكم: وفِّروا جهدكم المبذول في الحزن واليأس
واستعدوا لليوم الثاني بعد النصر.
أتريدون أن يفتح أهل غزة عيونهم بعد الحرب
فيجدوكم أقوياء أسوياء جاهزين لمعركة ما بعد المعركة؟
(3)
لا تسمعوا لمن يقول لكم: استمروا في المقاطعة.
ما جدوى المقاطعة؟
لقد فعلتم ما في وسعكم وانتهى الأمر.
لن تفعل المقاطعة شيئًا، ولن تحرِّر شبرًا.
والشركات التي تقاطعونها هي من أفضل الشركات جودة في منتجاتها.
والذين يديرونها قادرون على التغلب على آثار المقاطعة.
هم أذكياء جدًّا، حتى إنهم يقتلونكم بأموالكم.
هل تتخيلون أن منتجاتكم المحلية يمكن أن تكون بديلاً؟
أنسيتم أن شعوبكم تهوى المستورد، حتى لو كان قهوة؟
(4)
لا تجعلوا أمر غزَّة ينسيكم خلافاتكم المذهبية والطائفية والقومية.
لا تثقوا إلا فيمن هو مثلكم تمامًا.
يقول ما تقولون، ويفعل ما تفعلون.
نفس المعتقد، بل نفس المذهب، بل نفس القومية، بل نفس الحركة، بل نفس المدينة، بل نفس البناية!
لا بأس أن تتشرذم قواكم، فهذا أفضل من أن تتحدوا على عدوكم.
دعوكم ممن يقول: فلنلتقِ في غزَّة ولنفترق في غيرها، أصروا أن من يتفق معكم في غزَّة يجب أن يتفق معكم في كل شيء، صحيح أن هذا أمر مستحيل، وليس من طبيعة الأشياء، لكن لا بأس، هكذا هي الحياة.
(5)
لا تسمعوا لمن يقول لكم: قد انتصرت غزَّة، يحدثكم عن اعترافات قيادات عدوكم بأن هدفًا واحدًا من أهداف عدوانه لم يحققها، يخبركم أن العالم قد تغير، وأن الطوفان قد وصل إلى أبواب البيت الأبيض وكل بيوت الغرب، وأن العداوة التقليدية للإسلام ها هي تتلاشى، وأن الناس يدخلون في الإسلام، وأن النساء اللائي كنَّ في الثقافة الغربية هن نقطة ضعف الإسلام أصبحن أكثر من يدخل في الإسلام، وأن الحرب قد أيقظت قضية فلسطين برمتها لدى الشباب الذي كاد ينساها، وأن أبناءكم المبتعثين في الغرب لم ينحرفوا، بل وضعهم الطوفان على الطريق المستقيم، وأن الحركة الطلابية في العالم تنهض من جديد، ليس فقط من أجل فلسطين، بل من أجل التحرر من قبضة الصهاينة الذين يتحكمون في السياسة والمال، وأن الحرية والكرامة لا ثمن لهما، وأن العبيد لا يعرفون هذا المعنى.
لا تسمعوا لمن يقول لكم: قد انتصرت غزَّة، وكلما حدثكم أحد في هذا الشأن، أغمضوا عيونكم عن كل ما حققه رجال الأنفاق، وتذكروا عدد الذين ماتوا، وعدد البنايات التي دُمرت.
ولتقنعوا أنفسكم بذلك، حاولوا أن تتخيلوا أن الناس قبل السابع من أكتوبر كما لو أنهم لم يكونوا في حصار، وأنهم كان بوسعهم السفر والتنقل، ولم يعانوا، ولم يسقط لهم شهيد، ولا وقع منهم أسير، وأن غزَّة كما لو كانت مثل باريس حتى وقع الطوفان.
(6)
الآن ماذا عليكم فعله إذا سمعتم أن وقفًا لإطلاق النار قد بدأ؟
انسوا القضية تمامًا، اكذبوا على أنفسكم وانصرفوا إلى شؤونكم الخاصة، فما من سبيل لأن يقف عدوكم على أقدامه من جديد بعد ما لحق به من عار سوى أن تنسوا، انسوا وكأن شيئًا لم يكن، وحذار من الذين يستعدون لطوفان يغرق كل المستبدين والطغاة من كل لون ومن كل صنف.