على هامش الذكرى العشرون لصدور مدونة الشغل
فلم : التوقيع : مولاي علي الوديع الغفيري
إن مرور عشرون عاما غلى صدور مدونة الشغل يعتبر في حد داته حدثا وطنيا بارزا ، يستأثر باهتمام جميع مكونات وشرائح المجتمع المغربي نظرا لمكانة هدا التشريع في أوساط فئات عريضة من الشعب المغربي خاصة الساكنة النشيطة التي تشكل نسبة هامة في النسيج الإقتصادي والإجتماعي . ومعلوم أ ن الجميع يتذكر الإرهاصات والصعوبات التي رافقت إخراج هده المدونة لحيز الوجود مند ما يربو عن ربع قرن بسبب المواقف المتباينة لأطراف العلاقة الشغلية ، إلى أن جاء الفرج بفضل الإرادة الملكية السامية التي عجلت بأن يرى هدا المولود النور ودلك بمناسبة انعقاد اللقاء الثلاثي الأطراف بميناء الجرف الأصفر سنة 2003 تحت الرئاسة الفعلية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله والتي دعا من خلالها جلالته الأطراف المعنية "_الحكومة والنقابات وأرباب العمل"_ بضرورة الإسراع بسن قانون شغل منتج ومحفز ومشجع للإستثمارمن جهة وضامنا للحقوق الثابتة للأجراء من جهة أخرى ، وبالفعل وبعد مخاض عسير و جلسات ماراطونية عديدة ضمت مختلف الفاعلين الإقتصاديين والإجتماعيين ، تم التوافق في الأخير على مدونة للشغل بشكلها الحالي استقبلت من طرف جميع المهتمين والمتدخلين بارتياح كبيرحيث دخلت حيز التطبيق في ثامن يونيو من سنة 2004. وقد كانت لحظة تاريخية مفصلية حيث لأول مرة في تاريخ بلادنا أصبح بإمكان المهتمين بالمادة الإجتماعية الاستفادة من مرجع قانوني موحد وجامع لمختلف النصوص التشريعية وهوا لأمر الذي كان من انعكاساته المباشرة زرع مناخ الثقة في أوساط المستثمرين المغاربة منهم و الأجانب الدين كانوا يثوقون لمدونة للشغل تحدد الحقوق والواجبات بكيفية واضحة وتساهم في إرساء أسس التنمية الإقتصادية وكدا العمل على ترسيخ مناخ اجتماعي سليم يستفيد الجميع من تبعاته .
وبالرجوع لمواد المدونة البالغ تعدادها 586 مادة ، يلاحظ أنها اتسمت بنهج أسلوب المرونة كعنوان بارز لعلاقات الشغل بكل أنواعها مع تكريس أسس الحوار الاجتماعي وتدبير نزاعات الشغل الجماعية وغيرها مما أنتج لنا تشريعا متوافق عليه وبطبيعة الحال فإن كل قانون يخضع لمنطق التوافق فإنه يخلف ورائه ثغرات كثيرة سنحاول الوقوف عندها لاحقا ، كدلك من المبادئ الأساسية الواردة في أبواب المدونة نجد تكريس ثقافة الحوار الإجتماعي كوسيلة حضارية لفض النزاعات وتقليص الهوة بين متطلبات الإستثمار واستتباب السلم الإجتماعي، وقد جاءت مدونة الشغل حافلة بمقتضيات جد متقدمة وعصرية من خلال إقرار العديد من الآليات المجسدة للحوار الإجتماعي نذكر على رأسها مفهوم المفاوضة الجماعية –المادة 92- التي قفزت بالتشريع الإجتماعي المغربي لمصاف الريادة أسوة بالتشريعات الدولية الأخرى .
-2 -
إضافة طبعا لآليات أخرى كلجان المقاولة والصحة والسلامة المهنية ، مجلس طب الشغل ، النظام الداخلي للمقاولات وغيرها من المقتضيات التي لازالت لم تفعل بالشكل المطلوب لارتباطها الوثيق بالتمثيلية العمالية التي لازالت غير معممة على العديد من المقاولات المغربية .
إن الملاحظة الأساسية التي تبدو في غاية الأهمية و نحن نحتفل بالذكرى العشرون لدخول المدونة حيز التطبيق تتمثل في التفاوت الصارخ بين المقتضيات الهامة والمتطورة المنصوص عليها وواقع النسيج الإقتصادي الوطني الذي لا زال لم يتفاعل بالشكل المطلوب مع ما تضمنته من تدابير، بالرغم من المواكبة المستمرة والفاعلة لأجهزة المراقبة التابعة لوزارة التشغيل عبر العديد من البرامج والأوراش التي أطلقتها الوزارة في السنوات الأخيرة لتوفير أنجع السبل من أجل تطبيق أمثل للتشريع الإجتماعي .
إن الحقوق الإقتصادية والإجتماعية أصبحت مكفولة بمقتضى الدستور الجديد ، وهو الأمر الدي يستدعي تنزيلا للأحكام القانونية والتنظيمية التي لازال العديد منها يراوح مكانه لأسباب داتية وموضوعية ترتبط أساسا بالإرادة المعلنة ، دلك أنه بالرغم من الطفرة النوعية التي عرفها الإقتصاد المغربي في السنوات الأخيرة ، فإن إقرار أسس حوار اجتماعي داخل المقاولات الإنتاجية ظل دون المستوى المرجو ، ويظهر دلك جليا في عدم النهوض بالمفاوضة الجماعية التي من شأنها ترسيخ ثقافة التعاقد كأرضية ملائمة لتشجيع إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية بدل التركيز على بروتوكولات الاتفاق التي يتم اللجوء إليها لحل نزاعات طارئة دون التقيد بالتزامات محدودة في الزمان والمكان ، تروم تعزيز تنافسية المقاولة وتضمن حدا أدنى من الإمتيازات للأجراء ..
مع العلم أن التجارب السابقة على قلتها أظهرت أن الاتفاقيات الجماعية للشغل لا يتم اللجوء إليها إلا حينما تكون العلاقة الشغلية متوترة في حين أن المنطق التعاقدي يقتضي توفير شروط الرخاء والإستقرار والإنسجام داخل المقاولات لإنتاج علاقات مهنية مبنية على الحوار والتفاوض المفضي إلى التزامات واضحة تخدم مصالح جميع الأطراف . وفي هدا الصدد يجدر التنويه بالمبادرة الايجابية التي أقدمت عليها الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب بتعاون مع بعض المركزيات النقابية من أجل خلق لجان للتنسيق والتشاور للنظر في القضايا المطروحة قبل إحالتها على أنظار الجهات المسؤولة.
إن أي تشريع كيفما كان لا يمكن أن يجد له صدى على أرض الواقع إلا إدا كان مصحوبا بآليات لتنفيده والسهر على احترام مقتضياته ، وهي مناسبة للتنويه بالجهود الكبيرة والجبارة
-3
لجهاز تفتيش الشغل بكل مكوناته الدي يعمل في صمت من أجل المساهمة في إحلال السلم الإجتماعي والحفاظ على استمرارية الوحدات الإنتاجية ولا أدل على دلك أن طيلة هده
السنوات الماضية استطاع أطرهدا الجهاز العمل على تسوية أكثر من ثلثي نزاعات الشغل الجماعية قبل أن تتحول إلى إضرابات كما ساهم بفعالية ومهنية كبيرة في تسوية نزاعات الشغل الفردية بصفة نهائية من دون أن يتم إحالتها على المحاكم المختصة تطبيقا لمقتضيات المادة 41 من مدونة الشغل ، إضافة طبعا لقيامه بزيارات المراقبة لأماكن العمل على الرغم من محدودية الإمكانات المادية والتحفيزية التي يتم رصدها للجهاز .
يبقى انصرام عقدين من الزمن في نظري لإخراج مدونة الشغل لحيز الوجود, مناسبة سانحة لتقييم الحصيلة و استخلاص الدروس للوقوف على مكامن الخلل و عناصر الضوء ، علما أن تشريع الشغل بطبيعته يبقى خاضعا في كل حين للتغيير و التعديل تماشيا مع التحديات و الاكراهات التي يعرفها النسيج الاجتماعي و الاقتصادي المتحول و المتطور .
مفتش الشغل ومدير إقليمي سابق