جبل راث Rat الدمناتي وجبل أراراث Ararat التركي اية علاقة
قلم : نصر الله البوعيشي
قبل الحديث عن جبل راث لا بد من إشارة لظروف تسميتها بجبال “دَرَن” منذ زمن سحيق من طرف ساكنتها الأصلية وبعدها باسم جبال “الأطلس” من طرف الغزاة من الإغريق والرومان والبيزنطيين والبرتغال ثمّ الفرنسيين.
اسم ” أدرار ن درن” عبارة أمازيغية تُطْلَقُ على كلّ الأطلس الكبير وتعني “جبل الحياة” ، أو “أدرار ءيدْرْنْ” أي “الجبل الحيّ” و” أدرارْ نْدرْنينْ”، وهناك من قدّم تفسيرات أخرى لهذا الاسم، حيث جعلت أصله “أدْرارْ نْ ءيدْرارْنْ” أو “جبل الجبال”. .
أما اسم " أطلس" فمن المعروف أنّه ينتمي إلى عالم الآلهة في الأساطير الإغريقية القديمة (الميثولوجيا)، فـ”أطلس” هو ابن “بوسيدون” إله البحر في الأسطورة الإغريقية، وأخ لـ”بروميثوس” و”أيبيميثيوس”، وهو “نبتون” في الأسطورة الرومانية. فأطلس مخلوق عظيم الارتفاع، مما يحول دون رؤية جزءه العلوي، ففي إطار الحرب الضّارية بين الجبابرة من آلهة الإغريق، انهزم “أطلس” في حربه على آلهة جبل الألمب وضدّ كبير آلهة الإغريق على الإطلاق “زيوس”، فحكم هذا الأخير على ” أطلس” بحمل قبّة السماء على كتفيه إلى الأبد في جبال شمال إفريقيا عقابا له على هجومه على آلهة جبل الألمب. هكذا أطلق الإغريق اسم “أطلس” على جبال شمال إفريقيا، حيث يعتقدون أنّها منفى الإله “أطلس”، لكونها جبالا شاهقة لا تُرى قممها من شدة علوها وكونها مغطاة بشكل دائم بالسحب والضباب، وبشكل تجسّد صورة الإله “أطلس” وهو يحمل قبّة السماء على كثفيه.
واسم “أطلس” (Atlas) هذا الذي أطلقه الإغريق مند بطليموس على جبال شمال إفريقيا يختلف عن اسم “أطلنتيس” (Atlantis) الذي بدوره اسم أسطوري يعني في اللغة الإغريقية أرض العمالقة والجبابرة، كان أفلاطون أول من تحدث عن هذه الجزيرة الأسطورية، التي تسمى بأطلنتيس كأنّها جزيرة حقيقية موجودة في المحيط الأطلسي (أو الاطلنتيكي نسبة لاسم هذه الجزيرة) قبالة أعمدة هرقل( مضيق جبل طارق(
وهناك تفسيرات اخرى يعتبر اصحابها أن كلمة “أطلس” مشتقّة من عبارة “ءِينْتْلْءاسْ”، على اعتبار كلمة “ءِينْتْلْ” تعني حَجَبَ و َطَّى أو أخفى ، وكلمة “ءَاسْ” تعني النهار والشمس، كما أنّ لفظة “تِيلّاس” تعني الظلام، وبالتالي فهؤلاء يعتبرون أنه تم اختصار عبارة”ءِينْتْلْءاسْ” لغويا لتُنْطَقَ في الأخير “أطلس”، مما يفيد نفس المعنى الذي يُوصَفُ به الإله “أطلس” من كونه عملاق يُحْجُبُ ارتفاعُه العالي جدا رؤيةَ قمّته،
وبالعودة الى موضوع تعليقنا اليوم " جبل راث " فإن أعلى قمة جبيلة في تركيا تسمى " أغري Ağrı " وهو نفس اسم الجبل الذي تربض دمنات عند سفحه " أغري " يوجد في ولاية تحمل نفس الاسم "آغري" (Ağrı) التاريخية مهد حضارات كثيرة وبالأخص حضارات بلاد الرافدين. ويعتبر جبل " آغري" من أهم مناطق الولاية السياحية التي لا تخلو من المعالم التاريخية، أعلى قمة في جبل " أغري" هي قمة " أراراث ARARAT " بعلو 5165م ، و طبقا للأبحاث التي قام بها ) فريدريتش بارو ( فإن جبل " أراراث" ARARAT مهد لعدة ديانات منذ عصور ما قبل الميلاد ، بل إن بعض الروايات تقول :" أنه على الهضبة القريبة من هذا الجبل ، استقرت سفينة النبي نوح عليه السلام بعد الطوفان العظيم الذي أغرق الدنيا إلا نوحًا و قومه وزوجين من كل أنواع الكائنات الحية كما ورد في القرآن الكريم، وحتى في التوراة في سفر التكوين.." كما يحظى جبل " أراراث" ARARAT بمكانة رفيعة لدى الأرمن، حيث يرتبط بالقومية الأرمنية منذ عصور ما قبل الميلاد. ويعد جبل أرارات الرمز الوطني الرئيسي لأرمينيا وقد اعتبره الأرمن جبلاً مقدساً. وظهر بشكل بارز في الأدب والفن الأرمني، وهي أيقونة لفكرة أرمينية العظمى. جنبا إلى جنب مع سفينة نوح، يصور على شعار أرمينيا.
فهل هناك علاقة بين اسم " أراراث Ararat " وهي كلمة أرمينية او كردية واسم جبل " راث الدمناتي " المشهور- أكثر من 3790 م - و الذي يعتبر من ضمن أعلى قمم الأطلس الكبير الأوسط . وإذا كان " أراراثArarat " التركي مهدا لعدة ديانات ، فان الابحاث والدراسات حول " الكتابات والنقوش والرسوم الآدمية والحيوانية الصخرية والرموز المبهمة المكتشفة بتيزي نترغيست عند قدم جبل "راث الدمناتي" تعتبر سجلا مفتوحا دَون فيه الإنسان الذي استوطن تلك المنطقة معتقداته و أفكاره وهواجسه واهتماماته . و قد نسب بعض المهتمين هذه النقوش إلى رعاة محاربين من الصحراء التجأوا إلى الجبال عند اشتداد الجفاف ونضوب مصادر المياه في الصحراء في الفترة ما بين 2500 و1200 قبل الميلاد. ودليلهم في ذلك وجود رسوم للجمل والنعامة ، كما أن طبيعة المنطقة عرفت أنشطة رعوية لا زالت مستمرة حتى الراهن بدليل أن تسمية القبيلة التي توجد هذه النقوش في أراضيها ب" آيت بو ولي " وتعني أصحاب الأغنام.نقوش وكتابات ورسوم تيزي نتيرغيست بجبل راث ،بعض المؤرخين نسبوا هذه الرسوم، إلى الأمازيغ الذين استقروا في " تيزي نترغيست" الواقعة على ارتفاع 2500م وهي ممر استراتيجي يصل بين الصحراء و والسهول الداخلية ، والذين وثقوا بواسطة هذه الرسوم و النقوش للمعارك التي خاضوها من أجل السيطرة على المراعي و التحكم في الممرات الجبلية الرابطة بين الشمال والجنوب.
ورآى الباحثان A. Glory en 1953 و (Simoneau, 1967 أن هذه الرسوم ترجع إلى العصر الحجري الحديث بالمغرب وهي من آثار الإنسان الذي قدس الطبيعة. وذلك لكون جميع هذه الرسوم عبارة عن أشكال ودوائر وأقراص توجد على صخور مائلة إلى الجهة المقابلة للشمس شرقا وغربا . من الأكيد والثابت أن الامازيغي كان إنسانا طقسيا، و قد عبد العناصر الطبيعية ، مثل: السماء، والشمس، والقمر، والنار، والبحر، والجبال، والكهوف، والغابات، والأحراش، والوديان، والأنهار، والأحجار، والأصنام، وكل الآثار المقدسة، كما جاء وصف ليون الأفريقي في كتابه (وصف أفريقيا) للأمازيغ الأفارقة، في الزمن القديم، بأنهم كانوا " وثنيين على غرار الفرس الذين يعبدون النار والشمس، ........" وبناء عليه فلا يستعبد أن تكون تلك الرسوم إشارة الى الشمس كمعبود للإنسان الذي مر من هنا. وقد كان جبل اغري التركي موضوع رواية حول قصة الصراع بين العشق والسلطة والغضب والجشع تحت عنوان: " أسطورة جبل أغري" للكاتب التركي/الكردي يشار كمال.
إذا كان جبل "أغري التركي" وقمة" أرارث Ararat " من ذهب لان الأتراك عرفوا كيف يستغلوهما كوجهة سياحية تنعش المنطقة اقتصاديا. وحولت الدولة التركية جبل " آغري Ağrı " الذي يعني باللغة التركية " الجبل " كما يعني " الألم " الى أمل يحقق تطلعات سكان تلك المنطقة في العيش الكريم والرقي والأزدهار .فإن " أغري الدمناتي" الذي يعني بالامازيغية " الجبل" كما يعني " أكوراي/ العصا" كما قد يعني اشياء أخرى ،
لم أقف على الأصل في تسمية هذا الجبل ب "أغري" نظرا لندرة الوثيقة التاريخية المكتوبة وانعدام بحوث في هذا الباب. و كلمة " أغري" على غرار أسماء مجمل الأماكن في مجال دمنات تحفه صعوبات جمة رغم بعض الإشارات التاريخية المشكوكة في مصداقيتها . ونظرا لأن لكل منطقة جغرافية أسماء خاصة ترتبط بشكل وثيق وأساس بالمجتمع و الإنسان الذي يسكن تلك المنطقة, بلغتة و ثقافته, و تعبر عن كينونته. فان البحث في اصل الكلمة " أغري" و " راث" وغيرها من أسماء الأماكن متروك للطوبونيميين ( الطوبونيميا La Toponymie علم يهتم أساسا بالأصل اللغوي الانتروبولوجي لأسماء ألاماكن والمناطق الجغرافية في كل منطقة من مناطق العالم,)
و حسب بعض الروايات فان "أغري" كان موطنا لسكان أيت أمغار الحاليين ، هاجروا منه بسبب الهجمات والغارات التي تشنها عليهم العصابات والقبائل الأخرى ) أنيس مغري مجلة الايكونوميست عدد 887 بتاريخ 2نونبر2000 ( ،
توجد بدمنات عائلة كبيرة ومشهورة تحمل أسم " أغري" وهم أحفاد سكان جبل " أغري " قبل انتقالهم منه الى دمنات أو " إغير" أو "أيت أمغار" وقصة استيطان هذا الجبل والهجرة منه تروى شفهيا وتتوارثها الأجيال .
وتعليقا على لوحة الطوبوغرافي فإن سحر جبل" رات" قلب تيوفيل جان دولاي (1896 ـــــ 1970). »، وهو ضابط فرنسي زار المغرب بصفته ملازماً أولا، لكنّه سرعان ما تحول إلى أبرز طوبوغرافي في تاريخ المغرب و أحد رواد رسم الخرائط ، كلفته فرنسا في اطار عملياتها الاستكشافية الاستعمارية برسم خارطة للمغرب فجاب جباله وسهوله شرقا وغربا وشمالا بين عامي 1924 و 1960 وخلّف العديد من الرسوم الفنية، التي تظهر الحياة المغربية اليومية و العادات المحليّة، والقرى والمساجد والأبواب والأسوار والجبال والمجالات السياحية، كانت تلك الجولات وراء إنتاج فني غزير في مجال الرسم والتشكيل. قبل دولاي، كانت العديد من المناطق المغربية لا تزال من دون تخطيط طوبوغرافي، بسبب وعورتها. ، هكذا، وحالما حلّت سنة 1930، أصبح للمغرب -بفضله - خارطة شبه متكاملة. و لم يكتف تيوفيل جان دولاي Delaye Théophile-Jean بالتقاط الصور فقط، بل أسهم أيضاً عبر «مجلة الجغرافيا المغربية»، وخصوصاً زاويته «خارطة المغرب»، في تكوين تصور خرائطي مهم للبلاد، وله كتاب مشترك مع جاك فيلز Jacques de Felze تحت عنوان المغرب المجهول صدر سنة 1935 :
Au Maroc Inconnu, dans le haut-Atlas et le sud marocain Cartonné – 1935
(Auteur), Delaye Théophile-Jean (Illustrations
خصص فيه حيزا مهما تحت عنوان طلس دمنات L’Atlas de DEMNATE صور فيه جل معالم المدينة والمنطقة مع نبذة تاريخية
ولا شك في أنّ أعماله حُقّقت أساساً في خدمة المستعمر، لكن علينا الاعتراف أيضاً بأنّها مثّلت، بالنسبة إلى المغرب والعالم، إنجازاً معرفياً كبيراً.
-----------------------------------
المراجع
1- المجلة الغابوية الفرنسية عدد 1952 العدد 4 لصفحات 246 الى 253 والمقال لكاتبه PRUVOST تحت عنوان . Une circonscription forestière au Maroc en 1951 : Demnate
2- L’atlas de DEMNATE par Jacques de Felze Théophile Jean DELAYE
3- . التقي العلوي – أصول المغاربة: القسم البربري – شعب المصامدة- مجلة البحث العلمي – المركز الجامعي للبحث الرباط – السنة 14 العدد 28 سنة 1977 – ص:210.
4- مارمولكربخال– وصف إفريقيا- الجزء الأول - ترجمة: محمد حجي و محمد زنيبر و محمد الأخضر و أحمد التوفيق و أحمد بجلّون– منشورات الجمعية المغربية للتأليف و الترجمة و النّشر – مكتبة المعارف الرباط – الطبعة 1 سنة 1984 – ص:19.
5- خالد حامد العرفي- قارة أطلانطس المفقودة، حلم البشرية الضائع– الطبعة 1 سنة 1998



