درس في السياسة للمبتدئين في الترشح للانتخابات
ذ.نور الدين
صراحة القول إنني أشفق عليكم لمجرد أنكم راهنتم على الترشح للانتخابات ؛ فأول عقبة ستتغلبون عليها بمشقة هي متاهة اختيار الحزب و النخبة السياسية و التزكية ؛ علما أن أغلبية المغاربة ليسوا محتضنين ( بفتح الضاد ) من طرف الأحزاب و الجمعيات ؛ حيث أن الكثيرين لا يعرفون عنها إلا الاسم ؛ هذا إن فطنوا تفسير ذلك الاسم ؛ ذلك ما يدعى بالأمية السياسية ؛ والتي نستغل هذه المحاولة المتواضعة ؛ للتعريف بها للشباب المبتدأ بالحقل السياسي أو تقريب بعض المفاهيم و الإجراءات من إدراكا ته .
لعلنا بذلك نتوافق جميعا على بعض الأهداف الجادة و الديمقراطية للعمل السياسي و المساهمة في بناء دولة الحق و القانون ؛ إن خلصت النيات ؛ فإن لم تخلص فالانتخابات و السياسة فاسدتان و ستنتجان نخبا أفسد منها لتسيير المجالس ( الجهوي- الإقليمي – البلدي و الجماعي و مجلس الغرف ......) التي تعول عليها الدولة لتسيير مغرب الغد .
فالسياسة لغة و اصطلاحا ؛هي من فعل ساس يسوس أي أدار و برمج و رعى مصالح الأمة داخليا و خارجيا ؛ حيث أنها فن إدارة المجتمعات الإنسانية حسب معجم روبير .
السياسة إذن شان يخص المجتمع ويؤثر فيه ، فالتعليم والإعلام والاجتماع والقانون والحرب والسلام والاقتصاد أمور تخص الناس جميعاً وتتأثر مباشرة بقرارات الحكومة وممارستها. وكل من يهتم بمناقشة هذه الجوانب ويتعامل معها فهو شاء أم لا يتعامل مع السياسة .
من هنا لا بد من الإشارة لبعض التأثيرات التاريخية المحيطة بفعل السياسة كالتيوقراتية التي تستند للافكار اللاهوتية و الدينية و ظهرت في العصور الوسطى بأوربا ؛ ثم الديكتاتورية و هي حكم الأقلية المستبدة ؛ ثم الديماغوجية ( ديغوس : الشعب ؛ و غوجية : العمل ) ؛ و هي أساليب خداع الشعب ؛ و الديمقراطية و هي كلمة يونانية تتكون من ديموس أي الشعب و كراتوس أي سيادة ؛ وهي حكم الشعب نفسه بنفسه ؛ أو بواسطة ممثلين منتخبين بحرية كاملة ، فأما تكون الديمقراطية اجتماعية أي أنها أسلوب حياة يقوم على المساواة وحرية الرأي والتفكير، أو تكون اقتصادية تنظم الإنتاج وتصون حقوق العمال، وتحقق العدالة الاجتماعية .
وضع ملك البلاد الإطار العام للانتخابات الجهوبة و الجماعية بالمغرب اليوم بقوله في خطاب 20 غشت الأخير :
" إذا كان عدد من المواطنين لا يهتمون كثيرا بالانتخابات ....فلأن بعض المنتخبين لا يقومون بواجبهم على الوجه المطلوب ؛ بل أن من بينهم من لا يعرف حتى منتخبيه ؛ و هنا يجب التشديد على أن المنتخب كالطبيب و المحامي و المعلم و الموظف ؛ و غيرهم ؛ يجب أن يشتغل كل يوم بل عليه أن يعمل أكثر منهم لأنه مسئول على مصالح الناس و لا يعمل لحسابه الخاص " .
واجب المنتخب على الناخب إذن حسب القانون و الدستور المغربي هو سياسة القرب و التعرف على المواطن و مشاكله اليومية ؛ مسئولية تتسم بالتضحية وخدمة المصلحة العامة للعباد و البلاد اجتماعيا و بيئيا و ثقافيا .....
وإذا كان العديد من متتبعي الشأن السياسي المغربي ، سواء كانوا مغاربة أو أجانب، يشهدون بأن شروط الممارسة السياسية الديموقراطية أصبحت أكثر توافرا: خفض سن التصويت إلى 18 سنة ، اتساع مجال الحريات العامة، فسحة أكبر لحرية التعبير، مناخ يوفر أكثر فأكثر حظوظا متساوية لجميع الأطياف السياسية لتحمل مسؤوليات الشأن العام .... إلخ ، إلا أن نسبة التصويت الضعيفة تطرح على الفاعلين السياسيين، وعلى كل مهتم بشؤون الوطن أكثر من علامة استفهام عن أسباب النفور من عملية التصويت .
المغرب و شبابه مطالبان بالتصالح عبر أحزاب ديمقراطية ووطنية تضمن للمؤسسات شرعيتها و خدمة الوطن و للطبقات الشعبية و عموم المواطنين حقوقهم و مصالحهم فوق أرض و تحت سماء للجميع .
أيها الشاب الذي يزعم أو يصبو ليصبح فاعلا سياسيا بالبلاد و تسيير دواليب مجلس من مجالسها ؛ إن أول شيء يجب أن تتحلى به هو يقظة الضمير و إلا فلا تقترب ..... ثم مستوى علميا و ثقافيا متميزا إن لم يكن جامعيا أو عاليا ؛ لكي يسهل عليك فك رموز و شفرات البيانات و البرامج و القرارات المؤسساتية و الإدارية ..... ثم الإنصات لنبض الشارع و المجتمع ؛ بالمقاهي و الأسواق و المناسبات و المجالس العائلية و داخل الأسرة ؛ نبض يجب عليك فهم خلفياته و مقاصده للتواصل مع المواطنين و فهم مطالبهم أباء و أمهات ؛ تلاميذ و طلبة ؛ عمالا و موظفين .....ثم الإنصات للمنخرطين المجدين منهم على الخصوص ممن سبقك داخل الحزب الذي اخترته واخترت برنامجه لتسيير دائرتك و حيك و جماعتك الترابية أو مجلسا أخر ....
و عن الجانب المظلم في اللعبة السياسية ؛ من فساد و زبونية و محسوبية و استغلال للنفوذ داخل المجالس ؛ فستخصص له موضوعا موازيا في حينه .
إذن فالتواضع و الإنصات للآخرين و الإيثار من أسباب النجاح في أي عمل إنساني و مجتمعي عبر التاريخ ؛ فلتكن من هؤلاء لإنجاح تجربتك في تسيير دواليب الشأن المحلي و الجهوي و بالغرف ببلدك المغرب .
أولاد زمام في : 28 غشت 2015 م .