محمد الحطاب
ضبط قواعد ممارسة الصحافة وحمايتها من الدخلاء ومن الارتزاق الاعلامي، هو ما تنتظر أسرة الاعلام صياغتها في مشروع إصلاح قطاع الصحافة والنشر، كونها ممارسة الصحافة باتت تعرف تجاوزات أفقدتها المصداقية والنزاهة والعفة. كما أن أخلاقيات المهنة، التي باتت في اصطدام دائم مع صحافة الإرتزاق والانتهازية، لم تعد قادرة على الحفاظ على المكتسبات التي حققتها "صحافة المقاومة"، والتي راكمتها على مدى سنوات بعد الاستقلال، حيث كانت تعكس هموم وانشغالات المواطن بكل مصداقية وموضوعية ونزاهة، بعيدة عن أسلوب الابتزاز والتملق والارتزاق، لأن الصحافة وبكل بساطة كانت دوماً "مهنة شريفة" جعلتها تتحول إلى سلطة، قبل أن تمتد إليها أيادي الفساد والمفسدين في المجال. هذا الوضع المخجل للصحافة بالمغرب جعلها تعرف أزمة على مستوى الخطاب وعلى مستوى الممارسة، أزمة ربما يواجهها بكل حزم مشروع قانون الصحافة والنشر، الذي يحاول إعطاء ميدان الصحافة والاعلام أدواراً جديدة وهامة، في إطار التحول الذي تعرفه بلادنا على مستوى النشر وعلى مستوى التشريع، الذي جاء به دستور 2011 .
فلما رحل محمد دردوري إلى ولاية فاس بولمان، رحلت صحافة الارتزاق والتملق هي أيضاً عن مقر ولاية جهة تادلة أزيلال، كما أن البعض هذه "الكائنات" الصحفية حاولت ملاحقة السيد محمد دردوري بمدينة فاس، لعلها تحصل معه على بعض الامتيازات، لكنها رجعت إلى ديارها بخفى حنين وبصمت بعدما تيقنت وسلمت بأنه لم يعد لها مكان في جهة فاس بولمان بالتقرب من والي نعمتها كما كان الشأن بجهة تادلة أزيلال، وأنه ضاعت عليها كل الامتيازات وضاع عليها عطف الوالي، لكن البعض منها رغم ذلك لم يفقدوا الأمل، وسيراً على أساليبهم الانتفاعية رموا بشباكهم في مكان آخر بعيداً عن مقر ولاية جهة تادلة أزيلال، بعدما تيقنوا أنه لم يعد لهم مكان مع الوالي الجديد محمد فنيد، فحاولوا التقرب من مسؤولين ترابيين جدد، وبالفعل نجحوا في خطتهم ونالوا ما أرادوا، وانغمسزا من جديد في مهنة النفاق والتملق والارتزاق.
فعندما رحل الوالي دردوري عن جهة تادلة أزيلال، رحلت معه أحلامهم الانتفاعية، ولم يكن في اعتقادهم أبداً أن الوالي محمد دردوري سيعود مرة ثانية إلى مدينة بني ملال كوالي على جهة بني ملال خنيفرة، وأن الحظ سيبتم لهم مرة أخرى ويسترجعوا ما ضاع منهم خلال السنوات الماضية+. وما إن سمعوا بخبر التعيين حتى تحركت عناصر التملق والاستبداد ومعها أقلام المتملقين والمنافقين، المغلفة بشعارات الحب والاحترام المشبوهة، وبدات بنشر مقالات كلها مدح وتمجيد في الوالي دردوري، كما كان يفعل الشعراء في قديم الزمان مع الملوك والأمراء والحكام، وبدأت الصحافة المأجورة وعناصر الفساد تتحرك من جديد لكي تسترجع مكانتها بجانب الوالي القديم - الجديد، من أجل تحقيق مصالحها الذاتية، التي ضاعت عليهم إبان ولاية السيد محمد فنيد، الوالي الذي احترم الجميع ولم يغلق الباب أبداً لا في وجه الصحافة و لا في وجه أعداء الصحافيين ، حيث أن أول لقاء عقده السيد فنيد بمقر الولاية بعد تنصيبه على رأس الولاية كان مع ممثلي الصحافة بالجهة. وفي ظرف ثلاث سنوات التقى الوالي بالصحافيين والمراسلين أكثر من مرة، لكنه كان دائماً يرفض أن يخضع لصحافة الابتزاز ولعناصرالتملق، كما كان يتفادى شراء سكوت الأقلام المأجورة، التي حاولت الإساءة إليه أكثر من مرة، لأن تجربته الطويلة في السلطة، علمته كيف يحترم الصحافة النزيهة والموضوعية، لأنه كان يعتبرها ركيزة أساسية في كل تنمية.
أكيد أن هذه المجموعة سنجدها في ديوان السيد دردوري يوم تنصيبه، تنتظر مقابلته بفارغ الصبر لتقديم الولاء وكسب العطف من جديد ، لكنه يخطئ من يعتقد أن الأمور ستبقى على ما كانت عليه، خصوصاً بعد التغيير الذي جاء به دستور 2011، والذي أعطى للمواطن وللمجتمع المدني بعض الاختصاصات الهامة، وأعطى للصحافة دوراً جديداً. ثم إن المدة التي قضاها السيد دردوري بجهة تادلة أزيلال، كانت كافية لمعرفة من يصدقه القول و من ينافقه ويتملق إليه ... ؟
بدورنا نهنئ الوالي الجديد السيد محمد دردوري على الثقة المولية. ونحن على يقين أنه ملم بأوضاع هذه الجهة، و يعرف مشاكلها جيداً، لذا فدور السيد الوالي هو السهر والمساهمة في إحداث و إخراج المزيد من المشاريع التنموية إلى حيز التنفيذ في إطار السلطات المخولة له وفي إطار الجهة المتقدمة، خصوصاً أن مدة تواجد الولاة الجدد، لن تكون طويلة كسابقتها، وستنتهي في غالب الأحيان بعد الانتخابات التشريعية، و قبل نهاية 2016 ، لأن أغلبهم سيغادر كرسي السلطة بعد إحالتهم على التقاعــد.
كل ما نريده نحن صحافيو هذه الجهة هو احترام هذه المهنة الشريفة، التي ضحى في سبيلها إعلاميون بأرواحهم ودمائهم، والاستمرار في المطالبة بحقوقنا، التي يخولها لنا القانون بكل شرف وموضوعية وعفة، ولكننالا في نفس الوقت سنظل نرفض كل المساومات ونحارب الأتاوات التي تنمح من تحت الطاولة، و التي بدون شك تسيء كثيراً إلى الصحافيين بهذه الجهة، وإلى مهنة الصحافة عامة . وكما قال أحد الفلاسفة : " أحياناً لا يريد الناس سماع الحقيقة، لأنهم لا يريدوا رؤية أوهامهم تتحطم" .