قبل أن تقوم الساعة
عبدالقادر الهلالي
إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها
ثقافة السياسة وثقافة المحاسبة خطان لا يلتقيان ،
1- السياسة عندنا ليست من العلوم الدقيقة بل إن ثقافة السياسة وثقافة الدقة والمحاسبة مِثْلُ خطين
متوازيين، إذا التقيا فلا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا حدث ذلك بإذن الله ، فاعلم انك والحمد لله تتمتع براحة خارج البلد، هذا البلد الذي نتنفس هوائه ونشرب مائه ونأكل غلته ولا ينقصنا فيه إلا راحة البال والسلام.
بعدما هاجرت من (صحافة المتاعب) إلى (الصحافة من غير متاعب) أو هذا ما هُيِّأَ لي على الأقل عندما كنت مْتْعْلّمْ مبتدأ، في مهنتي الجديدة التي أبعدتني عن مهنة المتاعب (من الصحافة نفسها) إلى متاعب المهنة (مع الصحافة أيضا)، وهي تبدأ من متاعب التوزيع إلى متاعب التسيير المالي وتنتهي إلى متاعب المؤسسة نفسها، قبل أن ينشر "المْعْلّْمْ " أوراقه بتمامها. ثقافة النشر هي أيضا من ثقافة المؤسسة[[1]].
2- أنا الآن في نهاية هذا المشور المهني الذي أذلني ولم يعلمني أي شيء. وجدت نفسي عامل نشر، ينشر فحولة الوطن على الجهات وينشر خصوبة الجهات على الوطن. خدمة وطنية تمام التمام.
قلت أنني كنت معلم مبتدأ، ماذا أخذت من المعلم؟ عشرين سنة خدمة، أجد نفسي في نهاية المشور، منشورا مثل الأوراق التي كنت أنشرها "كعون نشر" في خدمة الناشر"الوطني". نتحدث الآن عن تدبير المارد البشرية. كيف تم تدبيري بصفة شخصية من طرف المعلم الذي "خدمني" كما كنت اخدمه وأكثر،
اتحدى الفساد قبل أن يفسدني،
2- ... والخدمة فيها وفيها كما تعلمون. أنا الآن أقصد المعنى الذي اخترعه د امحمد بوستة، وهو معلم شاطر في السياسة، عندما كانت السياسة مهنة بائرة عند الناس، أقصد مهنة لا تجزي العطاء، ولكن المعلم كان يبيع كل شيء إلا نفسه ، من كان يستطيع أن يدفع ثمن بوستة، عندما كانوا يراودونه ليقبل أن يشتري حكومة، مثل جحا الذي باع دارا رخيصة لمغفل يقبل أن يشتري الدار ، وجحا يحتفظ بملكية المسمار داخل الدار، و بوستة يرفض أن يشتري الدار بمسمارها، مسمار جحا كان هو ادريس البصري، مسمار النظام البائد،كما نعرف.
أخدم والفساد يخدم(ني) عبارة ذ بوستة[2] عن "الخدمة" في الديمقراطية "المخدومة"، أستعملها بنفس المعنى، حيثما يكون تزييف، خدعة، فساد، فثمة علاقة مخدومة، مالاعبينش، لم نسمع هذه الكلمة منذ بوستة حتى جاء شباط ، شباط قالها أيضا وقلب الطاولة على رئيس الحكومة، الله يعطيك الصحة، قلبت علينا المواجع في هذا الزمن الذي ...ماتت السياسة فيه، لنتحدث اذن عن الحكامة. (نعتذر للسيد وزير الحكامة لأننا نتدخل في مهامه وهو الحْكَّام الأول في زمن الحَكاَمة الرديئة.
الحكامة وعلاقة الشغل وما بينهما
3- في الحقيقة ، ليست هناك علاقة صحيحة بينهما، اما العلاقة الفاسدة ، فهي الفساد نفسه، الفساد الذي قد يفسد العلاقة بين المشغل والعامل، أنا فيلسوف الحالات، كما شرحت لكم الفلسفة كحالة انسانية، وأطنبت في الحالة التي سميتها بضيغة المؤنث، الحالة النسوية، أنا الآن احدثكم عن حالة مهنية، تعيدنا الى حالة العبودية التي يظن الجميع اننا انتهينا منا مند قرون.
اذا لم تتشبع علاقة العمل بقيمة الحرية، هنا عبودية بشكل آخر
4- انتهينا من الحالة الفلسفية ومن الحالة النسوية،ومن حالة فقدان الحرية(العبودية)، كلها حالات، علاقات وقيم، حرية الانسان عندما تكون في الميزان، الحرية التي توجد في صلب الوعي الانساني، عندما تنتج علاقة العمل شكلا جديدا من اشكال العبودية، تلك التي نظن ان الانسانية دفنتها منذ قرون،
نتوقف هنا لنتساءل: هل انتهت العبودية أم أن الذي انتهى هو شكل تاريخي لهذه العبودية و4 دجنبر اليوم العالمي للقضاء على العبودية، يصبح يوما من أيام الله الأخرى (يوم حر بشكل مخدوم أيضا)
سوق العمل الذي سوق النوادر(اقلب شقلب في تطوان)، ليس سوقا للخردوات، سوقا للقيم المتلاشية بالاستعمال. العمل الجيد يجب أن يكون خدمة يستفيد منها المشغّْل الذي يستهلك قيمة العمل، و استثمار يستفيد منه العامل أيضا، اذا أردنا أن تبقى علاقة العمل علاقة انسانية بين الناس، الخبرة هي القيمة المضافة التي تفضل لي ويمكن أن أستغلها لتحسين وضعيتي وكذلك لأشعر بالاستقلال عن المشغل.
قبل أن أتحدث عن العمل، هناك الاستعداد للعمل، يسمى التكوين المهني، وهناك التكوين الذي يمنح للعامل أثناء حياته النشطة: اعادة التكوين، التداريب، الخبرة التي تتحسن بمرور الوقت، ما يسمح أن نقول: المعمل أو فضاء الشغل، ليس ورشة للإنتاج، لفائدة المشغل فقط، العمل هو أكثر من ذلك فرصة الانسان، ليكون انسانا افضل، العمل هو هذه القيمة الاضافية، تدبير الموارد البشرية RH، لا يمكن ان يدبر خارج هذا الفهم اذا تكلمنا عن حكامة جيدة في هذا المجال من التدبير.
العامل ليس آلة حددنا قيمتها مرة واحدة، كما حددنا مدة الحياة المهنية durée de vie التي تنتهي، سنوات فقط قبل نهاية الحياة البيولوجية، فيحال العامل على المعاش، ليموت في بيته، حتى لا نقول: العمل يقتل،الحالة الميؤوس، لا تعد حالة طبية، عوض أن يعتذر الطبيب عن هذا الفشل العلاجي،جثت المرضى يرمى بها خارج المصحات، حتى تموت كما ينبغي، من غير ان تحسب على الفشل الطبي.
قلت أنني كنت معلم مبتدأ، المعلم (السيد) أرادها علاقة عبودية بكل المقاييس ! المْعْلّْمْ(السيد) استعمل "تخليطة " كيميائية عجيبة، فيها بهارات الحسابات وبخور الاعلام، صنع مني العبد الذي أراده، كما اخترع فرانكشتاين الوحش المشهور أدبيا، أنا وأمثالي المهنيين، زومبييات zombis، أجساد بلا روح، أو على الأصح وحوش بروح عبيد"مشرطين الحناك"، لا أستطيع أن أحرر رقبتي(من قال لكم أنني أرغب في ذلك؟)،
من قال لكم أن العبد يريد الحرية؟ اسألوه اذا كان يتحملها.
5- الحرية هي أن تكون مستقلا عن السيد، شرطها الأول هو الكفاءة، والكفاءة المهنية ليست فقط قيمة يختارها المشغل، حق من الحقوق التي يشتريها بأرخص ثمن، الكفاءة المهنية هي ايضا حق من حقوق العامل الحر، يمكن أن يبيعها بأغلى ثمن، العمل ليس هو استهلاك ، يستهلك العامل عمله مقابل ان يعيش، ويعيش حتى يستهلك مدة الفائدة التي ننتظرها منه، وهي مدة محدودة، تكاد تقترن بمدة الحياةdurée de vie ، المعاش فترة قصيرة نتأقلم فيها مع الموت الذي سيأتي عما قريب، العامل الذي ينتظر فقط أن يحال على المعاش، عامل مكبل بسلاسل العبودية المهنية.