من مستشفى دمنات إلى جامعات المغرب: بين مرافعات النواب وصمت الأساتذة الباحثين

106

أزيلال 24 : عبد الجليل ابو الزهور 

 

 

في الأيام القليلة الماضية، انشغل الرأي العام المحلي بدمنات بنقاشٍ محتدم بين من يرى أن تعيين أطباء جدد بمستشفى القرب كان ثمرةَ مرافعةٍ برلمانيةٍ للنائب المحترم عن حزب الاستقلال، وبين من يعتبر أن التعيين جاء نتيجةَ ضغطٍ ميدانيٍّ من المجتمع المدني ووقفاتٍ احتجاجيةٍ سلمية.
وفي خضم هذا السجال، لم يتردد البعض في التقليل من شأن الصفحات الفايسبوكية المحلية، ووصمها بكونها “صفحات أحياء”، في نوعٍ من التبخيس لدور الإعلام المحلي الذي، وإن أخطأ أحياناً، فإنه يظل عين المواطن وصوته في مواجهة التهميش واللامبالاة.
غير أن هذا الجدل حول “من الأسبق؟” لا يجب أن يحجب السؤال الأعمق: لماذا تُضطر فئاتٌ مجتمعية إلى الشارع كل مرةٍ للمطالبة بحقوقٍ بديهية؟
فنحن اليوم، على مشارف نهاية الولاية الحكومية الحالية، ومع استمرار الاحتقان الاجتماعي، تتضح أكثر ملامح فشل الحكومة في تحويل الوعود إلى إنجازات، خصوصاً في القطاعات الحيوية كالتعليم والصحة والتشغيل.
ورغم محاولات الحكومة تمرير آخر قانون ماليةٍ لها بخطابٍ ورديٍّ يعد بإصلاحاتٍ ملموسة، فإن الواقع يُظهر عجزاً بنيوياً في التعاطي مع مطالب فئاتٍ واسعة من الشعب المغربي. بل إن الأداء الحكومي خلال السنوات الأربع الماضية كشف عن تراجعٍ في العدالة المجالية، وإخفاقٍ في الحكامة، وتغوّلٍ للمصالح الفئوية على حساب المصلحة العامة.
وفي هذا السياق، تتساءل فئاتٌ من الرأي العام:
إذا كان النائب البرلماني الأستاذ الجامعي نفسه، قد وجّه سؤالاً للوزير بشأن أطباء مستشفى دمنات، وتمكّن ـ بحسب ما يُروَّج له ـ من “انتزاع” التعيينات، فهل وجّه سؤالاً موازياً حول أوضاع الأساتذة الباحثين الذين يخوضون هذه الأيام واحدةً من أقوى موجات الإضراب في تاريخ الجامعة المغربية؟
فمنذ يوم الثلاثاء 7 أكتوبر 2025، دخل الأساتذة الباحثون في مختلف الجامعات المغربية في إضراب وطني لمدة 48 ساعة، بدعوةٍ من النقابة الوطنية للتعليم العالي، احتجاجاً على ما وصفته النقابة بـ”المماطلة الحكومية” في تنفيذ الاتفاقات السابقة، وعلى رأسها اتفاق 20 أكتوبر 2022، فضلاً عن تمرير مشروع القانون رقم 59.24 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي، دون إشراك فعلي للشركاء النقابيين.
ويأتي هذا الإضراب، الذي تواصل إلى يوم الأربعاء 8 أكتوبر، في سياق تصاعد التوتر بين النقابة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، بعد سلسلةٍ من الإضرابات التي شملت أيام 17 و30 شتنبر و1 و2 أكتوبر، للتعبير عن رفض ما اعتبرته النقابة “تنصلاً حكومياً من الالتزامات وضرباً لمبدأ التشاركية”.
إن ما يجري في الجامعة المغربية لا يبتعد كثيراً عما يجري في مستشفى القرب بدمنات أو في أي مرفقٍ عمومي آخر. فالأزمة واحدة، وإن اختلفت الواجهات: أزمة حوار، وأزمة ثقة، وأزمة رؤيةٍ سياسيةٍ تضع المواطن ـ أستاذاً كان أو مريضاً أو شاباً عاطلاً ـ في قلب السياسات العمومية.
ولذلك، فإن السؤال الحقيقي ليس من وجّه السؤال البرلماني، ولا من انتزع التعيين، بل:
من سيمتلك الشجاعة اليوم لتوجيه الأسئلة الكبرى عن العدالة الاجتماعية، وعن كرامة الأستاذ والطبيب والمواطن؟
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.