تقنيات الكتابة السردية في الرواية المكتوبة باللغة العربية المغربية
محمد الادريسي(*)
I. عتبات نصية/نصوص موازية:
1ـ العنوان:
ذهبت العديد من الدراسات النقدية الغربية و العربية التي اهتمت بالنصوص الموازية للأعمال الإبداعية[1]، إلى أن مؤشرات كالعنوان و لوحة الغلاف و التجنيس و واسم المؤلف و كل النصوص التي قد ترد أثناء عملية التصدير في بداية العمل، تعتبر نصوصا بالمعنى النصي، إذ تختزل رؤية المؤلف لعمله، تساهم في تحديد مسار القراءة للمنجز النصي…الخ
بناء على هذه الوظائف التي يحققها العنوان وغيره من النصوص الموازية، يكن تناول عنوان الرواية المغربية المكتوبة العربية المغربية للشاعر و الروائي إدريس المسناوي من وجهتين الأولى معجمية و الثانية دلالية، حيث يشير العنوان “تاعروروت“[2] معجميا إلى اسم أما زيغي يطلق على زهرة قصيرة الساق، ودلاليا استعمل لدلالة على اسم بنت من قبائل الأطلس المغربية، وهي الشخصية التي يدور رحى النص حولها في المنجز النصي لإدريس المسناوي .
2ـ تصميم الغلاف و مسألة التجنيس:
يحتفل الروائي بغلاف لوحته بلوحة تشكيلية للفنان التشكيلي “فؤاد شرد ودي”، التي تقدم بطبيعيتها صورة تجريدية لفتاة أمازيغية جميلة، ومما يعزز أن هذه الفتاة أنها أمازيغية هو الحلي و نوعية اللباس الذي ترتديه، حيث يمكن اعتبار مثل هذه المؤشرات بمثابة علامات سيميائية خاصة بالمرأة الأمازيغية المغربية، وبذلك تأخذ هذه الصورة التشكيلية شرعيتها في تصدرها للرواية انطلاقا من اعتبارها علامات سيميائية ترمز للشخصية الرئيسية بمحددات الجمال و الأنوثة. بالرجوع إلى الغلاف نجد أن هذه المعطيات تتماشى و خصوصية النص الإبداعي . لكن هناك معطى في غاية الأهمية و هو مسألة التجنيس، حيث عمد المؤلف إلى إثبات انطلاقا من مغامرة الكتابة السردية التي هو بصددها، إذ كتب في آخر الغلاف تعاويد(رواية)، كأن جنس يتطابق مع تعاويد معجميا، لأن النص الإبداعي هنا مكتوب باللغة العربية المغربية، و هذه المسألة تطرح أمامنا العديد من الأسئلة من قبيل: هل في هذا الترادف المعجمي من تأثير على تصنيف نص تاعروروت؟ وهل يمكن اعتبار مصطلح “تعاويد” مغامرة من المؤلف ؟ و هل هذا المصطلح نابع من خصوصيات النص الإبداعي الانثربولوجي؟ و إلى أي حد يمكن أن يؤثر هذا المعطى على قراءة النص لدى المتلقي؟.
II. الانشطار النصي وشعرية الانفتاح النوعي:
تعددت الترجمات و المفهوم واحد، فمفهوم الانشطار اتخذ مند ظهوره في الدراسات النقدية عدة تسميات من قبيل: “التقعير”، “الانشطار”، “المصغرات النصية” ….الخ. ويعني في تمظهره النصي إدخال نصوص قصصية صغيرة أو قصيرة داخل النسيج الروائي العام قبل نهايته. ولعل هذا الملمح هو الذي قادنا إلى اتخاذه شكلا من الأشكال التشريحية لنص “تاعروروت” لروائي و الشاعر المغربي “إدريس أمغار المسناوي “، حيث يتجلى الانشطار في العديد من الحكايات الغرائبية و العجائبية التي تغذي عوالم النص الروائي بشكل أدبي ينعكس على لغته و باقي المكونات السردية، وبذلك يمكن رصد تمظهرات النص الحكائي في رواية “تاعروروت” من خلال نموذجين :
1ـ حكاية الجرادة[3]:
يعطي توظيف مثل هذه الحكايات دينامية للنص السردي، بالإضافة إلى مساهمته في تكسير رتابة الحكي، يسمى هذا النوع من الحكايات بالعربية المغربية (حجايات)، و تشبه كثرا صيغ الحكي الموجودة بنصوص قديمة كنص “ألف ليلة و ليلة” و”كليلة و دمنة”….الخ.
يلعب الراوي هنا و هي “للاهمه” دور شهرزاد التي تروي للملك شهريار، وذلك بغية تنويمه على إيقاع العوالم السردية الشيقة و الأحداث الغرائبية، وهذا ما تقوم به الجدة هنا مع أحفادها، فإذا ما انتهت حكاية (حجاية) طلبوا المزيد، و هو بالفعل ما كانت تتخذه شهرزاد في إطار اللعب السردي من أجل الإبقاء على حياتها. و من بين صيغ الحكي الموظفة نجد “كان يا مكان حتى كان لحبق وسوسان في حجر عروش وعيوش و تاعروروت و يلان “[4]، وتسمى هذه الصيغة بصيغة “الاستهلال” وهناك أيضا تفيد الختام أو النهاية من قبيل: “حكايتنا مشات مع الواد و حنا بقينا مع الجواد“، وبعبر كل هذا عن تشاكل النص الحكائي الصغير بنصوص خارجية تراثية، لكن السؤال الذي يفرض نفسه علينا هو: ما علاقة هذا النص السردي الذي ينتمي إلى الثقافة المغربية بالنص الروائي ككل؟
وهل يمكن القول: إن مثل هذا النص وغيره يمثل مصدر الهام لمغامرة الكتابة الروائية، خصوصا أن القاسم المشترك هو اللغة السردية؟
يمكن أن نذهب بتأويلنا إلى القول: إن علاقة مثل هذا النص الحكائي “الجرادة” بالنص الروائي : تاعروروت” يتمثل في نظرة الروائي للعالم المحيط به، حيث يغدو الصراع بين الإنسان و ما يحيط به من كائنات وغيرها بؤرة الحكي بالنسبة للنصين معا، فالحديث عن صراع الجرادة مع الإنسان يعلوه صراع آخر هو صراع الروائي مع مجتمعه. وبذلك تندمج لذة الحكي بالأثر الغرائبي و العجائبي، بمرارة و مأساوية العلاقة التي تربط البدع بالواقع.
2ـ حكاية جحا و عوده البرقي[5]:
توظيف هذه الحكاية هي الأخرى في نفس الوظائف النصية التي كشفتها حكاية الجرادة، الا أنها تختلف عنها في التصنيف الاجناسي، حيث تصنف حكاية الجرادة بناء على عوالمها و شخصياتها و زمنها و باقي مكوناتها على أنها حكاية عجيبة، في حين أن حكاية جحا حكاية شعبية استنادا للخصائص المميزة لها. لكن تبقى فكرة الصراع الدائر بين الإنسان هي الخيط الناظم بين هاتين الحكايتين من جهة و بين النصين و النص الروائي العام من جهة ثانية، حيث يصبح الانشطار وسيلة من وسائل الكتابة الروائية التي تساهم في تشييد أدبية النص الروائي “تاعروروت”.
- III. الكتابة بالتعالق:
نتحدث في هذا المستوى عن مرجعية اللغة في رواية تاعروروت، و نقصد بالمرجعية تلك الوشائج التي ينسجها النص الروائي مع باقي النصوص الخارجية، و الذي يتولد عن طريق العديد من المستويات اللغوية، منها ما هو مباشر ويكون بوعي من الروائي، و منها ما هو غير مباشر يأتي عن لاوعي البدع و ينقسم حسب درجة تصرف المبدع في النص الأصلي و يمكن رصد هذه الروابط كما يلي:
يقول السارد: ” لدازت على الرأس ماتتعاودش”[6]، يتعالق هذا الملفوظ مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: لا يلذغ المؤمن من نفس الجحر مرتين”. وفي مكان آخر يقول السارد: ” الخير بالخير و البادي أكرم”[7]، وكذلك ” سيد الناس هو خادم الناس”[8]، يتجلى أن هاتين العبارتين تمثلان أمثال عربية تراثية و هي على التوالي : ” السن بالسن و العين بالعين و البادئ أضلم” ، ” سيد الناس خادمهم”، يتبين أن التحوير الذي طال العبارتين ينتمي الى العبارات المسكوكة التي تتخذ من العبارات الأصلية منطلقا لها بتتبع إيقاعها، لمنها تختلف في المعنى.
نستنتج مما سبق، أن النص الروائي”تاعروروت” ينهل من مرجعيتين أساسيتين هما الرجعية الدينية و المرجعية التراثية.
- IV. كتابة المغامرة/ مغامرة الكتابة:
تتخذ هذه الفكرة حيزا في مخيلة السارد في بداية الرواية، حيث تجسدت في حديثه عن المجازفة التي سيقدم عليها ويقصد مجازفة السرد بطريقته الخاصة، يقول السارد: ” هي إذن مغامره غ تدخل فيها، تعيشها ربما كيف عاشوها المعنيين قبلك. والسؤال : واش تقدر تتحمل أخطارها؟.”[9] من خلال هذا المجتزأ النصي تتبين صعوبة السرد و صعوبة الكتابة، حيث يلتجئ الروائي إلى الحفر في نسائم الذاكرة المنسية لكي يتحدى المخاطرة و المسؤولية التي يرى انه بصدد تشييدها، و يطرح سؤال واش أنت واثق من نفسك تخوض المغامرة لآخرها ؟. يظهر هذا السؤال ان البداية انطلقت و لكن ما يشغل بال السارد هل ستنتهي نهاية سعيدة و هل ستكون كباقي النهايات و أين التفرد الذي تنشده الرواية، هذه أسئلة مباشرة لكن السؤال الضمني فيها هو: هل المغامرة الروائية التي تتخذ من العربية المغربية بلغة اللسانيين وسيلة لنسج خيوط سردها تجربة ناجحة. هو السفر عبر الزمان و المكان الذي يشد السارد، بل الحقيقة هي التي تسكن باله، الحقيقة التاريخية ، الحقيقة الأدبية، الحقيقة الفردية ، هو إذا البحث عن الحقيقة بشتى تمظهراتها و تلاوينها، اد يشكل هذا البحث الباعث وراء الكتابة الأدبية عند إدريس المسناوي كروائي و كانسان قبل كل شيء.
رغم ما لهذا الميسم في الكتابة من مغامرة و مجازفة، يمكن القول : إن نص تاعروروت نص روائي بما تحمله الكلمة من معنى حسب التحديد الباختيني للرواية.
(*) باحث في الأدب المغربي الحديث.
[1] ـ انظر ما جاء به جيرارجنيت في العتبات.
[2] ـ رواية ” تاعروروت” ، إدريس المسناوي ، طوب بريس، الرباط، 2011.
[5] ـ الرواية ، ص: 35ـ 37.