التعليم ما بين الاحتضار و التحضر
بقلم :منصف الإدريسي الخمليشي
من المتعارف دوليا على أن التعليم هو منطلق و بداية كل المنعطفات التاريخية ، كيف ما كانت ، أينما كانت ، كما قيل : " اطلبوا العلم و لو في الصين " .
فالتعليم هو القطاع الحيوي في كل بقاع العالم بإستثناء بقعتنا السعيدة التي طالها النسيان ، أو ربما منعدمة التفكير في المدى البعيد أو تنمية الأدمغة .
لعل أبرز ما يدلنا على أننا أمام قطاع راكد كليا ، قاعدة و إرتفاعا هو بعض ما يتعرض إليه التلاميذ و التلميذات ، يوميا من ظلم و ميز عنصري و أحيانا تحرش جنسي أو إغتصاب ، لكن كل هذا من دون جدوى و يظلون من دون عقاب ، أقصى عقاب يمكن أن يمنح لرجل التعليم هو سبه و شتمه لبضع أسابيع أو ربما بدون عقاب ، بحجة أنه مربي الأجيال ، لكن هذا لا يهمنا في موضوعنا ، قضيتنا الكبرى ، أصبحت ظاهرة بل كارثة .
على سبيل المثال : نجد تلميذين ، أحدهما إستعد كامل الإستعداد لإجتياز إمتحانات البكالوريا أو ما شابهها ، و الآخر لم يطلع و لو على نص واحد ، في الاختبارات ، يظن التلميذ الذي استعد أنه سيحصل على نقط عالية ، على عكس التلميذ الذي يعتمد أو يتواكل على الأصدقاء ، يحصل على نقط مرضية نسبيا .
تلاعبات في التصحيح ، تصدم التلاميذ كل سنة ، ربما خطأ ، ربما مقصودة من أجل الإحتجاج ، يظلمون التلميذ صباحا في رمضان و يصلون مساءا و ينامون بضمير و بدون تأنيب للأسف ، أليس هذا ظلم و عامل يشجع على الهدر المدرسي ، أين التفتيش ؟ أين المراقبة ؟ بكالوريا المغرب غير نزيهة ، هناك أمثلة لتلاميذ حصلوا على نقط عالية و لا يملكون القدرة على كتابة إسمهم الشخصي ، الإعتماد و التواكل على الأصدقاء يسمى غشا و الغش حرام " من غشنا ليس منا " ، و مؤخرا صادقت الحكومة عن مرسوم يمنع و يجرم الغش ، يمدون الرأي العام بمعطيات مزيفة غير صحيحة ، ما هذه المهزلة التي صرنا فيها و نعايشها ؟ ؟ .
تلميذ أصبح مرتعب من الأستاذ ، و الأستاذ كذلك ، كيف لدولة أن ترتقي بهذا التصرف ، الدراسة في المدرسة ليس فيلم هوليودي درامي .
الدولة إتخذت إجراءات لإصلاح المنظومة و على ما نظن سنزداد فشلا ، أكيد الفشل ، إذا كان الأستاذ يهدد فتاة إما أن تمارس معه رذيلةأو ترسب و يطلب من تلميذ خدمة ، و يحاول أن يفرغ الفصل و يجعل التلميذ يكره المدرسة و يبتعد ، بالطبع لم ننجح في رهان تنمية المنظومة . ( أتكلم بالتجربة )
الأستاذ فرض عليه الهندام و الإهتمام به و الإغتسال و التطيب ، على أساس أنه كان متسخ و مقزز ، إن أردتم هذا يمكنكم أن تضيفوا للأستاذ مربي الأجيال في راتبه الشهري ، و هو ما عليه إلا أن يخدمكم ، قال صاحب حقيبة التعليم أنه سيقوم بغربلة القطاع ، من هذا المنبر أقول لكم يا معالي : أول ما يمكنه أن يلغى هو التعليم الخاص ، لأنه أضحى كارثة بشرية تشبه مشكل اللاجئين بالعالم العربي ، يمكنكم زيارة إحدى المدارس و ستطلعون على جودة النقط لمن لا يستحق ، يمكنكم محاربة المسترزقين و كل من هو لقيط و متطاول على القطاع ، يمكنكم محاربة من حصل على منصب أستاذ أو مفتش أو مدير عن طريق المحسوبية و الزبونية ، الذين إن أرادوا كتابة جملة مفيدة يشغلون التلميذ بحجة عليه أن يحضر درسه ، يا من يدعون الإصلاح في بلد الديمكتاتورية أنتم حقا تدفعون العجلة ، لكن هناك أصحاب العصي كثر ، و لا ننسى الرشاوي المقدمة و المداخلات في المدارس العليا و المعاهد و إختبارات ضباط الصف و الشرطة و القوات المساعدة ، نحن نعرف من حصل على أقل من المعدل في البكالوريا بفضل المعارف و ليس الكفاءة ، أصبح ربان و أصبح عميد .
لا أهاجم الأساتذة ، لكن ما دفعني لكتابة هذه الأسطر هو الظلم الذي يتعرض إليه التلاميذ و الطلبة في كل يوم و كل سنة .
منذ سنوات أطلق جلالة الملك مبادرة مليون محفظة ليستفيد منها التلاميذ و الأسر في حالة هشة و من أجل ضمان مستقبل راقي للمغرب ، لكن المتطفلين يحتكرون الأموال المخصصة لذلك يستخدمون البروتوكول أمام الإعلام الوطني فقط ، مبادرة مليون محفظة تخص جميع الأقسام الإبتدائية إلا أنهم يمنحون الكتب و المحفظة فقط للمستوى الأول و الباقي نادرا ما يستفيدون من المبادرة ، في حالة الإستفادة يجبرون التلاميذ برد الكتب للإدارة و التهديد بعدم أخذ نتيجة نهاية السنة في حالة عدم رد الكتب ، التساؤل المطروح هنا هو أين المراقبة ؟، أين التفتيش ؟ للأسف هزلت ! .
أما بالنسبة للعالم القروي لا يتمتعون بأبسط الحقوق الإجتماعية من أجل مواصلة المسار الدراسي ، من المفروض أن تكون مدارس و إعداديات و ثانويات في البادية ، لكن للأسف قليلة ، لا يستطيع البدوي الفقير أن يلج المدرسة بحكم ضعفه المادي ، في فصل الشتاء يتعرضون للإنهماك و للموت أحيانا ، التعليم هو مجرد إشاعة بالمغرب للأسف الشديد .
الجامعة للتوضيح لم تعد كما في القرن الماضي ، أصبحت فقط للحصول على المنحة و مركز للدعارة و تقولون في الأخير ، الكفاءات غير موجودة ، الجواب بكل سهولة ، إن كنتم تحتضنون أبناء وطنكم كما يحتضنهم الغرب الغرباء لكنتم خير أمة أخرجت للناس ، همكم الجيوب و نسيتم الخلل و العيوب ، شبابنا في تيه يخرجون للشوارع تضعون مخططات لإدماج السجناء ، لما لم تفكرون في إدماج الطالب في سوق الشغل ، درس أزيد من 20 سنة للحصول على الإجازة أو الماجستير أو الدكتوراه ، الدمج في سوق الشغل ، قبل أن يتحول إلى قاتل و مغتصب حمارة و معاقة أو لص ، سياسة الإقصاء طالت أبناء وطننا العزيز الذي رحبنا به و لم يرحب بنا ، نريد أن نقوده نحو التنمية و هو يقودنا نحو التهوية و يعدنا بالتسوية ، لكن حبر على ورق !! .
لماذا لم تضيفوا مواد تنمي مواهب و قدرات و مكتسبات الأطفال و الشباب ، مثل : ( التربية المسرحية ، الموسيقية ، التشكيلية ، الجنسية أو الكوريغرافيا . ) بهذا ستحدون من الجريمة و ربما ستلغى لأن الطفل أو الشاب يحتاج لفضاء للتعبير عن ما بداخله ، الوطن يقاس بثقافته و أدبه و فنه و لا يقاس بالإنتهازية و البلطجية و البروتوكولات ...
أحيانا أحس باليؤس ، لكن أريد أن أواصل إلى آخر رمق ، لكن لصوص الملايير يظنون أننا نحن أجسام بغال و عقول عصافير .
الجامعة المغربية بها مواقف و مواقف نذكر منها على سبيل المثال : طالب سنة ثانية علوم رياضية تطبيقية ، من المفروض أن يحصل على الشهادة الجامعية في موسم 2015/2016 ، لكن الذين يمتلكون المناصب بعقول فارغة ، أخبروه بأن الشهادة يمكنه الحصول عليها هذه السنة أي موسم 2016/2017 ، ماذا جرى ؟ درس سنة فارغة ، خطأ المسيرين بالجامعة ، إذن أين هي مستحقات الطالب ؟ ؟
في ثانويات العالم الغربي نجد مكتبات و مسارح و قاعات مخصصة لجلسات الإستماع من أجل الحد من الإدمان و الهدر المدرسي و الإنتحار ، لكن هنا في المغرب واقعنا المؤلم يفرض علينا رؤية أستاذ يدخن و يلف الحشيش ، بل و يشرب الخمر حتى الثمالة في الفصل ، ما هي إنتظارات الوطن ؟، أين رجال المستقبل و نسائه ، شاب يدخن و شارب حتى الثمالة ، و أنثى وجهها ممتلئ بمساحيق التجميل و أحمر الشفاه . إنه مجرم المستقبل و عاهرة المستقبل ( لا أعمم )
الذي زاد من توتري هو الوزارة في ظل إصلاح التعليم و الوسائل البيداغوجية و كثرة القول إبتكروا مبراة على شكل سيجارة و أخرى على شكل أحمر شفاه ، يا للغرابة ، يا أسفاه على وطننا الحبيب الذي أصبح يروج للعهر و الإجرام .
إن كان إعلام إسرائيلي مغربي و دولة مغربية تروج للعهر عن طريق المقررات أو اللوازم الدراسية ، إذن ما عسى الوالدين أن يقولوا عوض التفكير في المصلحة العامة ، يفكرون في التكفير و التطرف و التشدد.
التعليم موضوع أعمق من ما كنت أتخيل ، حاولت إدراج شيء إيجابي في هذا المجال الحيوي لإعلاء نفسية الشباب المغربي ، لكن للأسف لم أجد نهائيا سوى الأساتذة و الأطر الذين يستحقون وسام الشرف و التقدير و التقديس ، أقول لهم بفضلكم تعلمت فن الرد ، أما القراءة و الكتابة تعلمتها لنفسي و كنت عصاميا منذ البداية و أنا لا أرجو وظيفة في هذا الوطن ، أريد أن أحصل على رصيد معرفي فائض .
هناك من ساعد في تكوين شخصية التلميذ ، كلكم أقدركم و أقدسكم و أحترمكم لنبل عواطفكم و قيمكم النبيلة ، و أقول للتلاميذ الجدد هنيئا لكم بأطر محنكة بكل القيم الانسانية .