الطموحات الإيرانية في المنطقة العربية
ذ.رضوان قطبي
-باحث في التواصل السياسي-
-
لا تخفى الأحلام الاستعمارية لدى النظام الإيراني على أي محلل سياسي منذ الحكم الملكي. إذ إنّ إيران تحاول استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية الغابرة٬ فتوظف ورقة النفوذ والزعامة في منطقة الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط لتحقيق مكاسب استراتيجية و جيوسياسية إقليميا ودوليا على المديين المتوسط والبعيد. قطعا فالتوجّهات الإمبراطورية التوسعية التي تتبناها دوائر صنع القرار بطهران لا تتغير بتغير الحكومات والرؤساء٬ بل تعد مشروعا قوميا يتجاوز كل اختلاف أو مزايدة سياسية.
ولتحقيق هذا الهدف القومي تعمل إيران جاهدة على استمالة الطوائف الشيعية العربية بربط الغالبية منهم بولاية الفقيه كمرجعية دينية وسياسية كبرى، واستخدام القضية الفلسطينية ذريعة لإعلان العداء المطلق لكل من «أميركا وإسرائيل» رغبة في الحصول على مساندة وتعاطف الشارع العربي، وتأسيس ودعم ميليشيا «حزب الله» وتسليحه وتمويله حتى أصبح دولة داخل دولة لبنان ( فهو يمتلك الجيش والمخابرات والموارد المالية ومراكز التدريب)٬ والتحكم في النظام السوري الطائفي الذي خرب البلاد وأكثر فيها الفساد٬ دون أن ننسى تغلغلها القوي في العراق وسيطرتها على أوراق العملية السياسية فيه.
فقد لعبت طهران دوراً محورياً ومؤثراً في إسقاط نظام البعث في العراق من خلال عملائها في المعارضة العراقية الموالية لنظام الملالي حتى أصبحت اليوم الحاكم الفعلي للعراق والمتحكم في شؤونه كلها. وفي الوقت الذي اعتقد أغلب المحللين السياسين أن الوجود العسكري الأمريكي على الحدود الإيرانية من جهة العراق وأفغانستان والخليج يشكل تهديدا استراتيجيا مباشرا على النظام الإيراني، يكبح جماحه التوسعية ويقوض جهوده الاستحواذية، فإن مجريات الأحداث أثبتت عكس ذلك تماما، حيث أن كل الأدلة والشواهد تؤكد أن احتلال أمريكا للعراق وأفغانستان أصبح عامل قوة لإيران مكنها من الإيغال في نهج السياسات الاستفزازية والتوسعية الواضحة في المنطقة العربية ، والاستمرار في حصد المكاسب والمغانم الكبيرة إقليميا ودوليا بسبب أدوات القوة التي راكمها الفاعل الإيراني٬ حتى أصبحت إيران اليوم لاعبا أساسيا في السياسة الدولية على الأقل في رقعة الخليج العربي والشرق الأوسط. إذن٬ من الواضح أن المطامح الاستحواذية الإيرانية تتجاوز المنطقة العربية٬ إنها ترغب في تشييد ما يسمى ٭بالإمبراطورية الفارسية٭ والتي تضم كلا من تركيا وبلاد القوقاز علاوة على المنطقة العربية٬ تحت إمرة آية الله كذا.
مرحليا إيران تسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي:
الهدف الأول: يتمثل في نيل الاعتراف من القوى الغربية كدولة محورية في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط. أكيد أن الاتفاق النووي بين إيران والقوى الغربية٬ هو مقدمة لمكافأتها عمليا واعتبارها قوة إقليمية فاعلة لها تأثيرها و مصالحها وامتداداتها في المنطقة العربية. لقد لعبت إيران على وتر المصالح الاستراتيجية لواشنطن٬ فما يهم الولايات المتحدة هو الحفاظ على مصالحا النفطية في العراق ودول الخليج العربي الأخرى، ولهذا كان الصراع حادا بين إسرائيل والولايات المتحدة بشأن الاتفاق مع إيران لأن التقديرات والاعتبارات والمصالح الأمريكية تختلف عن نظيرتها الإسرائيلية.
الهدف الثاني: كبح جماح رياح التغيير التي تهب على المنطقة في ظل تزايد الاستبداد والتسلط داخل النظام الإيراني٬ حيث يخشى النظام الحاكم في طهران فتح ملفات حقوق الإثنيات غير الفارسية المتواجدة بإيران كالبلوش والأحوازيين و الأتراك والأكراد و غيرهم٬ والذين يعانون من سياسة عنصرية ممنهجة تعمل على إقصائهم وتهميشهم اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. لهذا تستعمل إيران سياسة تصدير الأزمات٬ فسوريا تعاني من عدوان ظالم تشنه قوات الأسد وميليشيات حزب الله على شعب أعزل٬ ولبنان قنبلة موقوتة تخيرها بعض الأطراف بين خيارين جائرين أحلاهما مر: إما الخضوع لسلطة نظام الملالي المتمثل في حزب الله٬ أو الاستعداد لحرب أهلية جديدة٬ لكن الشعب اللبناني لن يستسلم للغة الابتزاز والتهديد.
الهدف الثالث: إلهاء الشعب عن قضاياه الحقيقية والزج به فكريا ووجدانيا في صراعات لا علاقة له بها. فالشعب الإيراني يعاني من تنامي الفقر وغياب التنمية وشيوع ظواهر الفساد والرذيلة والسرقة وتجارة واستهلاك المخدرات بجميع أنواعها. حيث احتلت إيران مراتب متقدمة عالميا في تعاطي و تجارة المخدرات٬ في ظل اتباع النظام الإيراني لسياسة قمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان وإهدار أموال الشعب على النشاطات والمخططات التوسعية.
لاريب أن إيران استطاعت قراءة المشهد الإقليمي باستراتيجية براغماتية مكنتها من تحقيق إنجازات لم تحلم بها قط من قبل. ويبقى العالم العربي أكبر ضحية للعبة التوازنات والمصالح الدولية التي تجمع بين القوى الغربية وطهران. عموما يتوجب على القوى العربية نسج استراتيجية قوية قادرة على تقويض المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة٬ والإنصات لقول الشاعر العربي إبراهيم اليازجي:
تَنَبَّهُـوا وَاسْتَفِيقُـوا أيُّهَا العَـرَبُ٭٭٭ فقد طَمَى الخَطْبُ حَتَّى غَاصَتِ الرُّكَبُ
فِيمَ التَّعَلُّـلُ بِالآمَـال تَخْدَعُـكُم ٭٭٭ وَأَنْتُـمُ بَيْنَ رَاحَاتِ القَنَـا سُلـبُ
اللهُ أَكْبَـرُ مَا هَـذَا المَنَـامُ فَقَـدْ ٭٭٭ شَكَاكُمُ المَهْدُ وَاشْتَاقَتْـكُمُ التُّـرَبُ