أزيــلال / واويزغــت : في الطريق إلى الأعالي (تابروشت)
ايت عزيزي الحسين
بعد أصيل يوم 27/06/2018 انزلقت حافلة للنقل المزدوج عن الطريق ب (تيفروين) الواقعة بمدخل بلدة )تاباروشت( التابعة لقيادة تيلويكت بإقليم ازيلال، وكان على ظهر الحافلة مرتادو سوق الأربعاء الأسبوعي بواويزغت، وتعتبر هذه الكارثة الأولى من نوعها بالنظر لأعداد الضحايا... لذلك انخرط الجميع في حالة طوارئ قصوى: سلطات إدارية وأمنية وصحية للتعامل الفعال مع هذا المصاب الجلل في إطار المتاح ...لوجيستيا ، تعبأت سيارات الإسعاف التابعة للمجالس القروية في المنطقة: (بين الويدن / ايت مزيغ / تاباروشت / تيلوكيت / واويزغت ) وحتى الحافلات التابعة لخدمة النقل المدرسي انخرطت بحماس في نبل إنساني سام في هذه العملية الإسعافية، فنقلت الضحايا المصابين برضوض غير بليغة ، وتكفلت سيارات الإسعاف بآخرين الذين نقلتهم إلى مشاف بأزيلال وبني ملال بعد أن تلقوا الإسعافات الأولية في مشفى واويزغت ، وبعدها تم نقل حالة حرجة واحدة إلى مراكش حيث خضعت لعملية جراحية ناجحة، ولولا الألطاف الإلهية لتحول ذلك الغروب الحزين في (تاباروشت) إلى مأثم... رهيب .
ولا بأس الإشارة إلى أن الطريق الرابط بين واويزغت والقرى الواقعة شرق بحيرة وادي العبيد (ايت مزيغ / تبروشت/ تارتدارت/ تيلوكيت) ترتبط في ذاكرة الأهالي بسلسلة من حوادث السير المروعة وذلك تقريبا نقيض الطرق الرابطة بين واويزغت والجهات الأخرى جنوبا وغربا وشمالا وهي بالتوالي ازيلال ، بني ملال وتاكلفت ، ومن ضحايا طريق الموت هذا الذي يربط واويزغت وتيلوكيت نذكر (عبيدي / باحلو/ امهاوش/ واخميس/ تيجاني/ الفارس/ القرشي/ الدرقاوي/ ناصر/ الشافعي/ تلعبوشت... وآخرين شبابا وكهولا وشيوخا فقدوا حياتهم في أوقات متقاربة أو متباعدة في منعرجات ومنحدرات طريق الموت الرابط بين واويزغت وتيلوكيت.
إن ما قد يفسر تكرار حوادث السير القاتلة في هذا الطريق بالإضافة إلى ما قد يعود إلى تهور بعض السائقين وخفة ونزق وفجاجة آخرين، وحالات الاهتراء لبعض (البواخر) الهرمة التي تعبر تلك الطرق العرجاء المعلقة في السماء ، نذكر أيضا الغياب التام والمرعب للمعايير التقنية والفنية أثناء إنجاز هذا الطريق ، وفي التفاصيل ...فالمقطع الطويل الذي يمتد بين القنطرة المعلقة بـ (افدانوس) (أول قنطرة معلقة بإفريقيا وهي الآن خارج الخدمة) في أسفل الجبل إلى فج (ألمو) في الأعلى هو عبارة عن شريط اسفلت قد تآكل من زمان...وشاخ ... واهترأ ... وأخطر من (هيك) فإنه يتميز غالبا بمنعرجات حادة لولبية مخنوقة تغيب عنها علامات التشوير، كما أن مسار هذا المقطع من الطريق وخاصة في المجال الترابي لقبيلة (ايت اسيمور) يشبه تماما مسار هروب أرنب مذعور، وهو ما يرهق العربات ذات المحرك من كل الأحجام ، والتي تحتاج بالضرورة إلى منعطفات
انسيابية سلسة ومريحة... لذلك فإن إنجاز هكذا مشروع يقتضي قبل كل شيء، إنجاز دراسة تقنية وفنية من طرف مكاتب أبحاث ودراسات جديرة بالاحترام وذات مصداقية، مع المواكبة الحثيثة أثناء الإنجاز دون محاباة لهذا أو ذاك في انسجام اورثودوكسي تام مع محتويات دفتر التحملات...أما المقطع من هذا الطريق الذي يمر بفج (ألمو) فإن العقل التقني والفني السوي والسليم يقتضي التحويل الجدي والجذري الجزئي لمساره، لأن التشكيلة الجيولوجية لمنطقة (ألمو) بالذات، على ضيقها والتي تمر عبرها هذه الطريق، هي تشكيلة جيولوجية غير مستقرة فهي ترشح ماء طوال العام، خاصة في الدائرة الضيقة لجروف (ايت اشاوي) السوريالية فبعد كل ترميم أو إصلاح لهذا المقطع من الطريق ، كما يجري الآن، فإن الأرض تميد بكل شيء، فينبعج الإسفلت من تلقاء ذاته، وتتشقق صفائح الخرسان، ويصبح هذا الإصلاح في خبر كان... كما أن دائرة هذا الفج مثلوجة وظليلة طوال العام... وهو ما يضاعف مخاطر عبوره، وقد ارتبط هذا الفج الفخ في ذاكرة الأهالي بآلام وآثام... كان آخرها احتراق حافلة للنقل المزدوج أيضا بعد انزلاقها إلى قعر الوادي الصخري.
أما المقطع الذي يبدأ من فج (ألمو) إلى أن يصل إلى ما بعد مشارف (تار..تدارت) والذي يقطع أفقيا وبشكل مستقيم، جبال (بووالام) نصفين ، فإن بيع الجزء الغابوي الأعلى منه لـ (مافيا) الاتجار بالأخشاب في سلوك تدبيري تدميري للغطاء الغابوي، يؤدي منذ أعوام طوال كل المواسم المطيرة والمثلوجة لانجرافات أرضية وصخرية مرعبة من أعالي (بووالام) التي تم تجريدها من بهاءها الإلهي، هذه الانجرافات التي لا ولن تحتويها القنوات الجانبية (caniveaux) ولا الجسور المعلقة، ولا حتى الجسور البائسة القابلة للغمر، التي شيدتها هنا عام 2009 شركة (GR) بأسلوب تقني بائس يتعارض مع ما هو متعارف عنه عن الأداء التقني للشركة الأم (GTR)...شيدتها فوق أودية وأخاديد عميقة عمودية شديدة الانحدار تتشكل منذ أعوام والتي قد تتحول في القادم من العقود إلى أغوار، كما هو الحال في شعاب (اشرحيل / تغدوين / واقا – ن – سبعا / واقا – ن – م – اغنجاون / و اقا ن- علي ويشوا / واقا – ن – امكورن...) وشعاب أخرى لم يتم التعامل مع تجسيرها جديا، تقنيا وفنيا وجماليا وفق المقتضيات المعمول بها في هكذا شأن، كما هو الحال لشعاب تم (تجهيزها) بجسور بائسة قابلة للغمر (اقا - ن - امكورن) وأخرى مدفونة لتصريف مياه الأمطار ( اقا – ن – اشرحيل)...والتي أصبحت الآن خارج الخدمة بعد أن غمرتها واجتاحتها ركام الحصى التي تنقذف من أعالي جبال (تكندوفت)... الجرداء ذات البنية الجيولوجية الرخوة المشكلة أساسا من طبقات الرصيص (الصخري) وهي التي لها القابلة دائما للإنهدام أثناء المواسم المطيرة والمثلوجة، لذلك يجب استحضار هذه الأبعاد في شق وبناء هكذا طرق في هكذا مناطق وإلا سيتحول كل إنشاء من هذا العيار إلى حروف عرجاء مرسومة ولأيام لا غير فوق ...الرمال قبل أن تتحول إلى ...ذكرى.