كانت مدينة اسا يوم ذخلناها، عبارة عن قرية صغيرة وبسيطة. تعيش في ظلام دامس
لا كهرباء ولا ماء. دخلناها ليلا وسنغادرها باكرا. لذا كان لزاما علينا ان ننسى متاعب
المئات الكيلومترات التي قطعناها، من اجل ان نتبضع من الدكاكين التي لاتزال مفتوحة.
تسللت الى احداها التي كان نورها مستمد من قنديل مركون في زاوية. الاغراض التي كنا نحتاج اليها كانت كثيرة جدا، بحكم اننا مقدمون على مواجهة عالم جديد ومجهول ليس فيه لا غيات ولا مستغيت سوى الله، الا اننا كنا نعاني من ازمات مالية بسبب راتبنا الهزيل ( 320،00 درهم) الراتب الشهري للجندي الذي وكلت له حماية الوطن.
بتنا في ظروف اخجل من قولها، جوار حيطان قديمة ومتآكلة فرشنا الارض وتغطينا بالسماء. في الصباح الباكر غادرنا المكان في اتجاه الزاك، مررنا بواد درعة التي يتجاوز عرضه قرابة كيلومترين. الواد الذي قرانا عنه في المناهج التعليمية وعرفنا انه اطول نهر في المغرب، كان يخفي اسرارا كبرى لا تعلمه الا ارامل الشهداء. واد
كان بالامس القريب مسرحا لعمليات كبرى راح ضحيته جنود شرفاء قدموا ارواحهم
في سبيل وحدة الوطن والاجيال القادمة.
بعد الواد لم نعد نرى سوى ما يوسوس العقل ويؤلم الاحاسيس ويوقض قشعريرة الراس. مخلفات اكواخ الجنود القدامى قبل تحرير الارض. ارض واشجار وجو وجبال
ليس لهم تصور في مخيلتنا. علامات تشوير مكتوبة بخط رديئ تخبرك باسماء اماكن
تزعزع احشائك من شدة الخوف لما كنا نسمع عن خطورتهم. البيرات، خنڭ لبرابر،
واد بلڭمادن، السميرة، تويزڭي ... قبل الزاك عرجنا الى اليسار لنسير قبالة سلسلة جبال امزلوك، كانت الشاحنة التي تقلنا تحوي قرابة 60 جندي، لا تسمع منهم كلمة ولا حديث، كانوا يتاملون وضع عالمنا الجديد الذي لايمكن لاي عقل مهما كان ان يتخيله مسبقا.
عالم غريب ومخيف، اول ما يدركني به هو حياة رعاة البقر الامركيين في افلام الويستيرن. ربما لو ترك لنا الخيار بين التقدم الى الامام او العودة الى منازلنا لتراجع الكل. كنت الاصغر بين اصدقائي سني لا يتجاوز 19 ربيعا، تغير مسار حياتي فجاة، من حجرة الدراسة، الى التكنة، الى الخندق. التويزكي مكان القاعدة الخلفية لوحدتنا. استوقفنا فيها قليلا لناخذ نفسا. كان المكان عبارة عن تكنة عسكرية، عن كتاب لتاريخ منسي كتبه ابطال منسيون منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتضر. كتاب لايستطيع الجبناء قراءته، مكتوب بدماء شهدائنا واسيادنا، نعم اسيادنا، فان لم تعترفون بهم ، انا اعترف وانحني اجلالا واقبل قبورهم. التويزكي المكان الذي لا يعرف الا لغة الرصاص، اللغة التي يتنقها اسيادي الجنود الذين سبقوني الى هنا، اللغة التي حررت الارض بوسائل بسيطة وبمقابل ابسط. تركنا المكان وسرنا في اتجاه تيندوف، كانت
نضرات زملائي لبعضهم البعض تؤلمني، فعيونهم الغائرة ووجوههم الشاحب يكشف عن روحهم المدمرة. اما انا فكان يخيل الي اني في كوكب اخر، اختلط علي الامر
كنت احسب نفسي احد ابطال شريط هوليودي، كنت اتوقع هجوما مباغتا، ارى مساحات شاسعة، اتساءل من حررها، من ياثرى؟ بالطبع لن يكونوا سوى اشاوس
ابطال. كان تفكيري تتسارعه التخيلات والكلمات الصامتة، ابحت من بين اصداقي
عمن يشرح لي ما نحن فيه، لا اسمع منهم، بل ارى عيون جاهضة فقط.
وصلنا الى ڭويرة عورة عصرا، كان في انتضارنا جموع من الجنود، منهم من يود تدوين اسماؤنا، ومنهم من اتى به الفضول ليرى وجوه جديدة، ليتما يجد من بيننا ابن مدينته او قبيلته. في الحين فرقوا علينا السلاح والدخيرة، اصبح لي سلاحا خاصا
انه الكلاشنيكوف و 360 رصاصة. وامصيبتاه ماذا جنيت على نفسي، طفل يحمل الكلاشنيكوف، ماذا يعني ذلك؟ الحقيقة واضحة، الموت ينتضرني بعد يوم او يومين.
يــــــتبــــــع