أوراق من الذاكرة: يوم مشهود من ذاكرة دمنات 3 مارس 1984
بقلم :عصام صولجاني
لم تمض سوى أسابيع قليلة، على الانتفاضة الشعبية التي عاشتها مدينة دمنات، وبعض المدن المغربية الأخرى، شهر ينايرعام ألف وتسعمائة وأربعة وثمانون (1984) والتي كان من نتائجها اعتقال وتعذيب وسجن العشرات من الشباب الدمناتيين .حتى حل يوم الثالث (3) من شهر مارس الذي يحتفل فيه المغاربة بعيد العرش. وهكذا تزينت مدينة دمنات بالأعلام الوطنية ،واللافتات المكتوبة بألوان الطيف التي تمجد بالمناسبة الوطنية.وفي ظهيرة ذلك اليوم المشمس كان المشهد في الداوسوق مشهدا احتفاليا كرنافاليا، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فقد طليت جدران الشارع الرئيسي، وأبواب المحلات التجارية بالصباغة الخضراء. وفي أركان المدينة نصب الحرفيون من مختلف المهن والخدمات خيامهم . أما المنصة الرئيسية المثبتة على درج البلدية الدائري فقد بدت مثل سرادق سلطاني. تم تزيينها بالأشرطة الملونة والديكورات اللامعة. وكانت غاصة بالمسئولين الإقليميين والمحليين، من مختلف المصالح الإدارية والعسكرية. على رأسهم عامل الإقليم وقتذاك السيد محمد الماعوني، الذي حل بلباس عسكري مميز. يتابعون باهتمام فقرات البرنامج الاحتفالي ،على خشبة مغطاة بالزرابي وضعت أمام المنصة . مزيج من الأصوات والأهازيج تخترقها زغاريد النسوة...إيقاعات فرقة الدقة الدمناتية تهز المشاعر... والناي الأمازيغي لفرقة أحواش منطقة إيواريضن يشدو مثل بلبل فرحان، في تناغم تام مع ضربات البندير الرباعية التي يتبعها قرع الطبل...أما الجمهور الذي يعد بالمئات فقد طوق مسرح الحفل كما يطوق السوار المعصم...يتابع بشغف مفاجئات الاحتفال بعيد العرش وكان تدافع الجمهور نحو الأمام يواجه بالضرب بالأحزمة الجلدية السميكة من طرف أفراد من القوات المساعدة....وبينما شرعت فرقة من شيخات واد زم في استهلال العيطة المرساوية بنغمات الكمنجة. انفتحت شهية الجمهور بعبارات الشكر والفرح والتصفيق والصفير.
وكنت بدورى أتفرج من زاوية ضيقة وسط الزحام قرب مقر البنك الشعبي .أنظر إلى الجوائز الموضوعة على طاولة أمام عامل الإقليم. وانتظر لحظة توزيعها على المتفوقين.فجأة سمع دوي صوت فرقعة ، وفى لمح البصر رأيت العامل محمد الماعوني يقفز من المنصة نحو الشارع مترين في الهواء. وكأنه لاعب القفز بالزانة الأسطوري سيرجي بوبكا . تبعه كل الجالسين من الدركيين ورجال السلطة ورؤساء المصالح والضيوف . وتفرق الجمهور أمواجا متشظية في جميع الاتجاهات. الكل في حالة هروب. دب الرعب بشكل فظيع في قلوب الناس.. بعض الجمهور هرب نحو الأشجار وراء سور دمنات العتيق .والبعض الآخر صار يجري بلا هدف. وقد شاهدت جماعة من الرجال بشوارب معقوفة يصرخون: البوليزاريو هجم على دمنات... وهم يحاولون فتح باب القيسارية الجديدة للاختباء. نساء في حالة إغماء قرب المنصة. وقيل حينذاك أن منهن من تعرض للإجهاض .أطفال يبكون وهم يبحثون عن أمهاتهم وآبائهم ...مئات من الأحذية الرجالية والنسائية وبعض الأغراض الشخصية منتشرة في مسرح الحفل. الكل هرب لينجو بجلده من مصيبة مبهمة.ماذا حدث بالفعل ذلك اليوم؟ هل كان هنالك بالفعل مايستدعي الهروب؟ هل هو خوف السلطة من تهديد مسبق جعل رجالها يهربون بهستيرية لمجرد سماعهم لصوت قوي، ربما كان مصدره تماس في خيوط الكهرباء ،أوصوت انكسار جذع شجرة ليمون لم تستحمل ثقل جسم من صعد إليها من المتفرجين أم هو شيء عرضي مبهم ؟