سعيد المسلك
قبل الزيارة الملكية لازيلال ، استوقفتني لافتة مكتوبة ، ومعلقة بإحدى المحاور الطرقية بمركز المدينة ، ( انظر الصورة )، حيث كتب عليها ما يلي : " سكان إقليم ازيلال يثمنون انطلاق المشاريع التنموية الكبرى " ؟؟ تبادر إلى ذهني فجأة – كما إلى ذهن جميع المواطنين الذين تمكنوا من قراءة هذه اللافتة الكاذبة، - أن المقصود " بالكبرى " هو انطلاق مشاريع من قبيل " افتتاح متحف الديناصور" ، الذي تجاوز في الحقيقة حدود المعقول فيما يتعلق بانتهاء الأشغال به ، ثم مشروع " القاعة المغطاة " الذي أكد الحاضرون في الاجتماع الذي جمع أعضاء مجلس الجهة بأعضاء المجلس البلدي شهر يناير 2014 ، بان الأشغال قد تأخرت به لأكثر من 18 شهرا ! ، كما تبادر إلى ذهني افتتاح المحطة الكهروبائية 60/22 ومشاريع أخرى لها علاقة بالتنمية الحقيقية بالمنطقة ... لكن ، وللأسف الشديد مرة أخرى ، يكشف من قرأ اللافتة ، أثناء وبعد الزيارة الملكية ، أن كل " المشاريع " التي قدمت للملك ، كانت مجرد " أكذوبة " تحت يافطة " التنمية " ، للضحك على ذقون المواطنين ، والذين فهموا ، هذه المرة بسرعة ، ربما فاقت سرعة" لكوبرا"، وبذكاء فاق ذكاء المسؤولين المحليين الذين حرروا مضمون اللافتة ،، فهموا ،أن الصدمة التي أصيبوا بها مع ملكهم ، أقوى من أن يتحملها الطبع السليم . ففي الوقت الذي قدم المسؤولون في بني ملال والفقيه بن صالح التي لم يتجاوز عمر استحداث مقر للعمالة بها حتى خمس سنوات ، مشاريع ضخمة تقدر بالملايير، اكتفى المسؤولون للمجالس المنتخبة بكل أنواعها في مدينة ازيلال ، بتقديم " مشاريع هزيلة تعمل على تكريس الفقر "، نستحيي – في نظري كما في نظر العديد من المواطنين وفعاليات المجتمع المدني – أن نقوم بتقديمها إلى العامل أو كاتبه العام ، وبالأحرى أن تقدم إلى شخص جلالته !!.
قد تفسر هذه الجرأة السلبية للمسؤولين المحليين ، غضب الملك الذي لم يتجاوز مقامه هذه المرة بمركز المدينة بضع دقائق ، وغضب المواطنين الذين حجوا بالآلاف ، ومنهم من افترش الثرى لأيام ليظفر برؤية ملكه أو لمصافحته ، لكنها تفسر أيضا ، أن " وجوها من القصدير" لازالت تجعل من التخبط والارتجالية والتسرع شعارا مستمرا في التدبير والتسيير" .( لاحظوا معي مثلا ، أن السلطات المحلية لم تتصل برؤساء الجمعيات المحلية إلا يوم الخميس 15 ماي 2014 ، أي قبيل الزيارة بقليل ، للتنسيق والاستشارة !) ، في حين أن سلطات الفقيه بن صالح ،عقدت عدة لقاءات تشاورية بشأن التنظيم ومراسيم الاستقبال ، منذ أواسط شهر فبراير المنصرم !.
هذا يعني –بكل بساطة – أيها الإخوة والأخوات – الفقر الكبير في العقلية التدبيرية للسلطات العمومية والمنتخبة بأزيلال ، والمرتكزة على سياسة الإقصاء والاستفراد بالقرار ،وهي سياسة ولى زمانها..
وفي هذا الصدد ، أليس من العار أن يتم استقبال الملك في ثالث زيارة رسمية ، بساحة مليئة بالحصى ( الكاياس )؟ أين الزرابي ، أين التأثيث اللائق على غرار باقي مدن المملكة .( انظر أرشيف الزيارات الملكية )، أم أن لقسم الميزانية بالعمالة وغيرها رأي آخر ؟؟.
سبق لي أن زرت املشيل إبان الزيارة الملكية للمنطقة سنة 2009، وأقل ما خاطب به الملك المجتمع المدني الذي أشركته السلطة المحلية في الإعداد للاستقبال : " أنا فخور بما فعلتم " جاء هدا الكلام على لسان السيد سعيد أوسيدي رئيس جمعية " أسيف ملولن" الذي كان منسقا للحفل . و أضاف : " كان الملك مبتهجا وهو يطل على ساحة قيادة املشيل من أعلى إقامته الرسمية بالحي الإداري التي مكث بها 8 أيام ، يشاهدها زاهية الألوان ، منمقة بشتى أنواع الزرابي والورود ! أين عمالة ازيلال من دائرة املشيل في هذا الصدد !!.
وبالرجوع إلى المشاريع التي قدمت إلى جلالته على أنها " كبرى" يكتشف بسهولة بالغة ، قصور النظرة الإستراتيجية ، وضعف القدرة الاقتراحية ، وحجم السلبية في طرح الأزمة العميقة المستشرية في كل بنيات الإقليم .إذ لا يكفي أن يتم عرض سبورة " حصيلة المبادرة بين 2011 و2013 " أمام أنظار الملك ، بل كان من اللازم أن يتعدى الأمر جرد الحصيلة إلى سبورة أخرى ، تتضمن تصورا استراتيجيا شاملا للنهوض بإقليم زاخر بالثروات الجغرافية ، آهل بالخيرات الطبيعية والمؤهلات السياحية . إننا على يقين ، انه لو تم الترافع بشكل فعال عن حق الإقليم في تلقي أكبر قدر ممكن من الاستثمارات المستقبلية ، أمام جلالته خلال هذه الزيارة ، لقام الأخير بالترحاب بها أيما ترحيب ، وهو الغيور على التنمية الحقيقية والمشجع الأول للأفكار التواقة للنماء .
إن ما تم تقديمه للملك أثناء زيارته الأخيرة ، عرى بشكل فاضح واقع التنمية البطيئة بالإقليم ، وكذا قصور الفكر التنموي للمسؤول المحلي أيا كان موقعه ، الذي يكتفي بتقديم مطالب يعتقد أنها جوهر النهضة الفعلية ، بإقليم لازال ينتظر بلورة حقيقية لميثاق " رفع الحكرة " بالترافع المستمر عن منطقة زاخرة بثروات لا تستفيد منها بالشكل الفعال ، حتى انطبق عليها قول الشاعر :
كالعيس في البيداء تموت ظمأ
والماء على ظهورها محمول .


