مذكرات جندي
الحلقــــــ( 8 )ــــة
كتبها : لحسن كوجلي
الموت، لا يخشاه الجندي ابان الحرب. مايخشاه كان هو المعانات المرافقة للاحداث.
الموت ياتي فجاة وينتهي الامر، اما المعانات فلا تنتهي وتعتبر موت يتاجل كل مرة. سلاح الهاون من الاسلحة ذات الرمي الغير المباشر، هذا النوع من الرمي خطير جدا ليس في فعاليته فحسب، بل على مستوى النفسي. حين كانت تاتينا قدائفه اللواتي لا تصد ولا ترد، ولا يحميك منها حزام ولا خندق، كانت ارواحنا اثناء كل قديفة تنتظر ان ترفع الى بارئها. لا نتفس الصعداء الا حين تسقط ولا تحصد ضحايا.
قد لايفهم الكثيرون هذه اللغة التي اتكلمها، لكن ربما قد يستشعر كل من يتابع الاحدات اللواتي تقع هنا وهناك على شاشات التلفاز خطورة ما اود قوله. الحرب اللبنانية الاسرائلية الاخيرة التي جرت على الصهانية الذل والعار، كان للمشاهد فرصة ليقف امام نمودج من المعانات النفسية التي يعيشها الشخص او المقاتل حين كانت صفارات الانذار تدوي في مدن اسرائيل. كان الكل يجري
ويهرول الى المخابئ، هذه اللحظة التي كنت اتكلم عنها، اي قبل سقوط القديفة، الوضع النفسي يكون كارثي، خلايا الدماغ تتحطم مع كل سقطة. الجيش لا يقبل الجبناء، لامكان لهم بيننا، كل من يملك هذا الحس لن يطول به الطريق، اما ان يغادر او يجني على نفسه متاعب مؤلمة. كان بيننا ضابط صف كثير الخوف، معروف بهذا السلوك، كلما اراد ان يتنقل من السرية الى "سونيط"
(سرية صغيرة) كان زملاءه يحدرونه من طلقات العدو وكان ذلك مجرد اللعب على مشاعره. كان المسكين يقطع مسافة طويلة مشيا على يديه وركبتية وتارة على بطنه رغم ان الوضع لا يتطلب ذلك. هذا الخوف المرضي كان له وقع سلبي في نفسية الشاب. ذات ليلة كان في خندقه كالعادة ينتظر من يسلم له ورقة المداومة ليقوم بعمله المتعلق بمراقبة الحراس طيلة ساعتين متتاليتين. العريف الاول (إكس) الذي كان قد انهى مداومته، اتجه نحو الضابط الصف ليسلمه الورقة، حين وقف امام باب الخندق ليعلمه الامر جابهه بوابل من الرصاص ليسقطه جثة في الحين.
خلال التحقيقات قال الضابط الصف انه كان يعاني من وساوس جراء الاحداث المحيطة بالوضع، فكان كل من يتحرك ليلا يخاله عدوا.