تَـبّاً لنا من (خيـــرأمّـــة)
سالم الدليمي
الأيزيدية أول ديانه عرفها الشرق إن لم نقل العالم ، فعمرها أكثر من سبعة آلاف سنه و لا يفرّقها عن الديانات السماويه في التوحيد من شيء ، فهم يعبدون الله دون غيره و لكنهم يُقدسون ما يدعونه بطاووس الملائكه الذي كان يعلّم الملائكه و هو أستاذهم وأقربهم الى الله ، وهنا نجد تشابها كبيراً في بقية القصه مع رأي المسلمين من أن إبليس كان معلماً للملائكه و أكثرهم طاعه و كان قد علّمه الرب أن السجود لا يكون لغيره.. فالتشابه بين الرواية الأسلامية في وصف أبليس أنه معلّم الملائكه و أنه عصى ربه في أمر السجود لآدم ، لكن الفارق أننا كمسلمين نرى أن إبليس ملعوناً يوسوس للشر و هو المسؤول عن كل فعل قبيح نفعله نحن ، بينما تكتفي الديانه الأيزيديه في إعتبار (طاووس الملائكه في ديانتها وما سميناه نحن شيطاناً لتحقير ديانتهم) نفّذ تعاليم ربهِ في عدم السجود لغيرهِ .. و نحن جميعاً نعرف أن أي حضاره تحاول طمس و تشويه ما قبلها فتصفهم بأقذر الأوصاف و أقذعها .. نحن كفّرناهم و إستبحنا أعراضهم و دمهم و حصرناهم في شعاب الجبال ، حتى جاءت المدنية فمنعتنا قوانينها عن إبادة ما تبقى منهم حتى بُعِثَت فينا الروح الأسلامية من جديد عام 2014 فبعد غياب القانون و تسهيل حزب البعث لداعش الدخول الى الموصل عُدنا لأغتصاب بناتهم و قتل شبابهم ذبحاً على أصوات التكبير ، و تشريد الأطفال و العُزَّل منهم لشعاب الجبال بلا طعام و لا ماء . اليوم يموت أطفالهم عطشاً و لا يجدون ما يحفرون بهِ الأرض لطمر رفاة فلذات أكبادهم ..
هل تعرفون أن الأيزيدي يغتسل صباحاً متوجهاً الى الخالق متضرّعاً له في صلاته أن يرعى كل البشر !! فهم يعتبرون أن كل الناس سواسيه دون تفريق بين دين أو مذهب شأنهم في ذلك شأن البهائيين ،
هل أنتم بحاجة لتذكيركم بتفنن شيوخنا في الدعاء المُسَجَّع على غير المسلمين " ربّنا إحرق زرعهم و شتت شملهم و أقطع نسلهم ...الخ " مَن عرف الشعور الإنساني سيعرف حتماً الفرق بين نظرة المسلم لغيره و بين دُعاء هذا الآخر لهُ دون أن يلتفت لمعاملة أسلافنا لهم .
لكننا بأجرامنا جعلناهم يغيرون دعائهم الى ربهم قائلين :"اللهمَّ إنّا نعوذُ بِكَ من شَرِّ (خير أمّةٍ) أخرجَت الناس من ديارِها .
نعم نحن هكذا و يجب علينا ان نخجل من بقاء حقيقتنا بهذا الشكل المُخزي ، علينا مراجعة نصوصنا الدينيه و نبذ ما لا يصلح منها للتعايش السلمي مع بقية أبناء الوطن في أقل تقدير .
وأنا اكتب تلك السطور ينتابني (كعراقي) شعور بالخزي و العار مما سمعته من رفيق السلاح في حرب الثمان سنوات مع إيران ، صديقي الإيزيدي ( سليم كريم ) ، إتصلت أسال عن أحوالهم و فيما لو كان بأمكاني مساعدته فقال و الغصه و الحشرجه تخنق صوته : يا سالم يا صديقي ما يحزُّ بنفسي أن سكّان سنجار الأيزيديين فتحوا قلوبهم قبل جيوبهم و بيوتهم وحتى غرف نومهم التي تقاسموها مع النازحين من نكبة منطقة تلَعفَر المختلطة بين أكثريه شيعيه و أقلية سُنيه ، هل تصدّق يا سالم أن أهل تلّعفَر والموصل والأنبار هم الذين إغتصبوا بناتنا و قتلوا أطفالنا بالفؤوس ..
قلتُ و الخيبة في بعض أبناء عمومتي الدليم المنخرطين مع داعش والبعث في تلك الجرائم : و أنت يا عزيزي ماذا حلَّ بعائلتكَ و أقاربك؟؟
قال : أنا في قرية (بحزاني) تحت سيطرة الأكراد وأرسلنا الأناث من القريه حتى الأطفال منهنَّ الى محافظة دهوك الكرديه و بقي رجالنا و كهولنا هنا، وما أدرانا أنهم سيسلمونا لداعش كما سلّموا أبناء جلدتنا في سنجار بلا مقاومه و لا حتى أطلاقه واحده و كأننا ثمناً لصفقه بينهم ..
نعم ... إنهم الأيزيديون أخوتي و أحبتي ، عشتُ معهم ثمان سنين حرباً ضروساً جنباً الى جنب ضد الفرس ، كانو نبلاء أبطال ، طيبون بلا حدود ، حصل أن حوصِرَ بعض سريتنا على الراقم 101 (مرتفع جبلي) في العمق الأيراني ، كانوا خمسة في ملجأ ، أحدهم كان إيزيدياً ، رفض أن يهرب قبل الأربعه و بقي يشاغل العدو حتى تمكن من تخليص المسلمين الأربعه و لكنه سقط بعدهم برصاص العدو حين لم يبقى أحد يشاغلهم برصاص بندقيه .. بعد أيام جلسنا نتذاكر لحضاتنا العصيبه التي عشناها في ذلك الهجوم ، فقلت " الله يرحمك يا صديقنا جَجّو" وكان هذا إسم رفيقنا الذي خلّص أصدقائه المسلمين قبل نفسه ، فأعترض البعض بأنه لا تَحِل عليه الرحمه فهو غير مسلم ... ومن يومها لعنت تلك التعاليم التي لا تهتم لأنسانية الأنسان و لا لمواقفه التي لا يجود بمثلها غيره .. نعود نحن مسلمي اليوم لنقتلهم بأيدينا و نسبي نسائهم و يكتفي منّا المسلم (المعتدل الذي ترك تعاليم القتل) بأن يتأسّى لتلك المشاهد و يلعن الفاعلين ، فتبّاً لنا من خير أمّة ..