صورة اليوم السبت 11 يونيو 2022
تحت عنوان : السوليما
نصر الله البوعيشي
نزولا عند رغبة بعض الاخوات والاخوة الافاضل الذين يحنون الى الماضي الجميل لدمنات تعود صفحة صورة وتعليق للنبش في التاريخ القريب لهذه المدينة التي كانت في ما مضى من الايام حاضرة بمواصفاات المدينة ( كانت دمنات تعرف باسم المدينة قبل ان تعرف باسم "دمنات" ) و قبل ان تتحول الى مجرد قرية كبيرة .
مما لاشك فيه أن فترة الطفولة والصبا هي الأكثر التصاقاً بالمخيلة وهي تختزن الكثير من الأحداث والمشاهدات، سأحاول في تعليق اليوم أن أسترجع شذرات من تلكم الذكريات عن السوليما السينما في دمنات في أيام الزمن الجميل .
لم يكن جهاز التلفزيون قد اكتسح البيوت ، لذلك فإن الوسيلة الوحيدة المتوفرة لذى الشركات التجارية للتعريف بمنتوجاتها هي الطواف بالمدن والقرى لإشهار موادها وتقديم وصلاتها الإشهارية ، وذلك على هامش الأفلام السينمائية الشائعة في تلك الفترة و التي تعرضها بالمجان .
يقدم العرض السينمائي بعد غروب شمس اليوم الموعود في' السوق ن برا" ، و يذهب الأطفال للمساعدة في نصب ' الزيف" وهي "الشاشة البيضاء الكبيرة" والتسابق لحجز الأماكن الأمامية ، كان الجلوس على الأرض مباشرة ، ولم يكن الجمهور يحتاج لمن ينظم صفوفه ، فالصغار في الأمام والكبار وراءهم ، فيما النساء والفتيات بعيدات في الخلف ، وغالبا ما تنسحبن قبل انتهاء الفيلم ، خوفا من الفوضى والتحرش التي تعقب انتهاء عرض الشريط السينمائي .
كانت الأفلام الهندية هي أغلب ما كان يقدم في هذه الحفلات السينمائية المجانية ، وكانت هذه الأفلام تبهر الكبار والصغار بأغانيها المطولة التي كان الاطفال يتمتعون بموسيقاها ،وأغانيها ،ورقصاتها وسط المروج، وبقصصها المشوقة ، التي كانت تتوزع بين صراع الخير و الشر ، في قالب من الإثارة والرومانسية والفكاهة ، وكنا نسبح في العوالم الأسطورية والخيالية،التي تدور فيها أحداث تلك الأفلام. فمَن من مواليد الخمسينات من لا يذكر أفلام "منكلا البدوية" و"ساقي ومصباح علاء الدين" و "ساحر جهنم" و"الوردة السحرية " و"رستم سهراب" و "الهاربون من جهنم" و "السبيل الوحيد" والفيلم الشهير ' دوستي/ الصداقة" واغانيه الشجية التي تبعث على البكاء تضامنا مع الشاب الضرير " رمانت موهنات" و تلك العلاقة التي جمعت بينه وبين صديقه الاعرج الذي فقد أسرته ومسكنه ، بالأعمى الذي اعتاد على حياة التشرد لسنوات طويلة، ومكافحتهما من أجل العيش ومن أجل أن يصل الأعرج لأخته . ولا زالت حاضرة في وجداننا صورة بطلة فيلم "أمنا الأرض"، تلك المرأة المكافحة البدوية التي تعمل طوال ساعات النهار دون كلل ولا ملل والتي تعاني ظلم وجبروت وطغيان الإقطاعيين في سبيل تنشئة طفليها .
كنا مفتونين ومولعين بالأفلام الهندية ، اذ بالإضافة إلى ما تزخر بها من مناظر، وموسيقى ومغامرات، فقد كانت تتطرق لمواضيع اجتماعية قريبة من واقعنا، في قوالب مسلية وحزينة وشيقة، فيها تشابه من حيث العادات والتقاليد الاجتماعية وأساليب العيش، وحتى مشاكلها وتطلعاتها، مما يجعلنا نعيش ونسبح معها ، في عالم الخيال ونحلم مع أبطال الفيلم، وذلك خلافا للسينما الأمريكية التي كانت تتمحور حول العنف والحرب والرعب.
كنا دائما واثقين بان هذا الحلم/ الفيلم سينتهي نهاية سعيدة بانتصار البطل الطيب / الولد على المجرم الشرير. و أن نهاية الفيلم ستكون سعيدة ، فقد كنا دائما نشعر بالإثارة ، ونظل نترقب ونتطلع إلى هذه النهاية وننتظرها ، وندعو مع البطل ، ونتوسل إلى الله أن يوفقه ، بل وننفجر أيضا في عاصفة من التصفيق عندما يقوم البطل " الوْلْدْ /الشجيع"، بضرب الشرير والتغلب عليه، أو عندما يتمكن البطل من إنقاذ ابنه الذي اختطفته العصابة، أو تخليص حبيبته من بين أيدي رجال زعيم العصابة، لأن أهم شيء عندنا هو ألا يموت البطل /الْوْلْدْ ، وغالبا ما ينتهي الفيلم بموت الخائن او القبض عليه،أو يكتشف البطل في النهاية أن " الْعْدُو" لم يكن سوى شقيقه الذي فقده عندما كانوا أطفالاً ، فيتعانقون بالأحضان ويبكون ونذرف - نحن - الدموع تعاطفا معهم ، وفرحا بهذه النهاية السعيدة .
و كنا نحفظ عن ظهر قلب أسماء نجوم الأفلام الهندية ، وكان عشقنا الأكثر لممثلين كبار مثل :"شامي كابور" و"راج كابور' و 'درا مندرا" و 'راجندر كومار'، و عشيقتنا الجميلة الفاتنة الممثلة الجميلة " شا باريخ" و 'فيجنتي مالا 'و' سيرا بانو ممتاز" و" رميلا أغور" ومما زاد من روعة تلك الأفلام، دبلجتها إلى الدراجة المغربية التي يرجع الفضل في دبلجتها إلى المرحوم الأستاذ "ابراهيم السايح"، الذي عشنا فترة ذهبية ، بفضل ترجمته هذه الأفلام الى لغة دارجة سلسة . وربما أن هذه الدبلجة هي سبب إقبالنا المنقطع النظير على الأفلام الهندية الشعبية الميلودرامية والأسطورية والاستعراضية وغيرها، حتى بعد أن أصبحنا مراهقين. وحتى الأفلام التي لم تكن مدبلجة كنا نفهم مغزاها ،لبساطة حبكتها القصصية ولتشابه محتواها.
كما كنا نعشق أفلام المغامرات كفليم' طارزان" الذي كنا نقلد صيحاته ، كما كانت تبهرنا العضلات المفتولة في أفلام مثل فيلم : "ماشستي وهرقل" و"المصارعون العشرة" وأفلام "ستيف ريفز" و"جيما "و"غوردون سكوت "، "دان فاديس "، "مارك فورس "، "غوردون ميتشل"... ، وغيرهم من الممثلين الذين كنا مبهورين بهم للغاية و وكانت تستهوينا أيضا أفلام الكاوبوي كفيلم:"الدولار الفضي" لجوليانو جيما" ، و 'ديجانغو ضد رينغو' والبطل المغوار الذي لايقهر ' دجون واين' JOHN WAYNالذي يبيد "لْعْدُو / الهنود الحمر، وكنا نفرح عندما يقضي المغامرون وجيشهم على الهنود الحمر الذيتن كانت تظهرهم لنا اليسنما كمتخلفين ومتحوشين وعراة ولم نكن نعي ان العملية تتعلق بابادة شعب اصيل والقضاء على ثقافته واحتلال ارضه وتحوسله الى سيجن في محميات كالحيوانات ، لم نكن نفهم ذلك في حينه.
وكان "زورو/ZORRO "بطلنا المفضل وحلم كل واحد منا أن يكون مثل ذلك البطل ، الذي يدافع عن الفقراء ضد الجبروت والطغيان ، وكنا نصفق بحرارة ونفرح عندما ينتصر الخير على الشر. و كان تأثير السينما وأبطالها كبيرا في نفوسنا وفي عاداتنا ، وكان بعض الأطفال يقلدون الأبطال في حركاتهم وفي لباسهم وفي تسريحة شعرهم ولا بد ان اذكر هنا الاخ العزيز محمد بن الجرجاف الذي كان يحفظ الاغاني الهندية عن ظهر قلب ويرددها بحركاتها و يقلد الممثلين في قصة شعر الممثلين ، و تحول عشق بعضهم الكبير للأغاني والأفلام السينمائية الهندية إلى هوس كبير جعلهم محط استغراب أفراد عائلاتهم .بل إن بعض الأطفال يذهبون أبعد من ذلك، فكانوا يتمرنون على رفع الأثقال لعل عضلاتهم تصبح مثل عضلات 'ستيف ريفز' أو'دارسان'أو غيره من الأبطال الذين كانوا لا يقهرون . ، ينتهي الشريط عمليا بظهور إحدى هذه الكلمات :
النهاية - FIN - THE END
هذه الكلمة التي كنا كنا نكرهها بشدة لانها توقظنها من حلم جميل ورائع لنعود الى واقعنا ، ولكن تبقى صور الأبطال ومغامراتهم وصولاتهم وجولاتهم ،ويبقى انتصار البطل وفوزه بمعشوقته " البنت' واندحار العدو وهزيمته ، ذكرى راسخة في أذهان الأطفال ، تثير في نفوسهم الإعجاب الممزوج بالفرح .
في اليوم الموالي لعرض الفيلم ، يقوم الأطفال بتمثيل مشاهد منه ، حيث تقوم مجموعة من الأطفال بلعب أدوار المجموعة الخيرة،بتعقب المجموعة التي تقوم بدور "الاشرار /العدو' ، واعتقالهم واقتيادهم إلى السجن، مستعينين بمسدسات ، وبنادق من الورق أو البلاستيك ، وممتطين أحصنتهم القصبية .
وكان بعض العباقرة من الأطفال ، بارعين في الصناعة السينمائية-إذا صح التعبير- فيعمدون إلى الإستعانة بالصور الفوطوغرافية السلبية ، التي يجدونها في القمامة، أو يعمدون إلى استغلال صور ذويهم ، أو الصويرات الشفافة التي كانت تدس داخل بعض أنواع العلكة/المسكة ، وبتقنية بسيطة، مستعينين بعلبة كرطونية من الحجم المتوسط ، وبكرة خشبية ، ومصباح يدوي، وفي ركن مظلم من البيت أو الزقاق، يتم تحريك البكرة ، التي يلف حولها الفيلم بسرعة ، ويسلط عليها ضوء المصباح ، من خلال ثقب صغير، فتظهر الصورة كبيرة في جدار البيت ، أو على إحدى صفحات العلبة الكرطونية ، التي تقوم مقام الشاشة . وقد برع من هؤلاء الاطفال بوعو بحي الملاح وباحسيس بحي تاخناشت .
في فترة السبعينيات من القرن الماضي ، عرفت بلدتي ، دورا للسينما ، بفضل بعض صغار رجال الأعمال آنذاك ، الذين كان لهم بحق، الفضل بوصول صالات السينما الى دمنات .
كنا نذهب ونحن أطفال الى سينما " التاج " في مقر الخزانة البلدية حاليا، أو ” السوليما ن حسن" كما يحلو للبعض أن يسميها نسبة إلى صاحبها ، التي كانت تغري بالصور الكبيرة Les grandes affiches والصور المعلقة les petites affiches التي تظهر صور مقاطع الأفلام مع لقطات للإثارة، كان بعض الأطفال ينتظرون خروج الناس من السينما في الاستراحة entre-actes لعل احدهم يسمح لهم بالدخول مكانهم ، كما كنا في غالب الأحيان نكتفي باستراق السمع أو سرقة بعض المشاهد من الفيلم من خلال النظر من شقوق الأبواب.
وبعد سينما" التاج" وغير بعيد منها فتحت سينما"الأطلس/سينما كوزوز" أبوابها، و لأن قاعة العرض غير مغطاة، فإنها لم تكن تشتغل إلا في فصل الصيف .وكانت هذه السينما تعرض الأفلام العربية / المصرية وخصوصا أفلام فريد الأطرش الذي حفظنا أغانيه عن ظهر قلب ، وتعلقنا بالراقصة المشهورة سامية جمال ، وكانت تعرض أيضا أفلام الخيال والتاريخ وصراع قوى الشر والخير ، و الأفلام والبوليسية والتجسس، و أفلام الحروب وكانت تعرض أفلام الكارتيه بعد ظهورها كموجة جديدة في السينما .كان كثير من الاطفال وحتى بعض الكبار الذين لا يملكون ثمن تذكرة الدخول، يتابعون الافلام المعروضة من أعلى شجرة " الكالبينوس" التي كانت في المكان الذي بني فيه الدوش وحيث تبنى اليوم دار الثقافة والذي كان ف يالاصل موقفا للحافلات التي تربط بين دمنات والدار البيضاء (كار حمو وكار الدولاج) وكنات فروع تلك الشجرة المعمرة الباسقة تطل مباشرة على الشاشة الكبيرة لسينما كوزوز.
كان الفيلم يتجدد أسبوعياً، وعادة يوم الاثنين، وفي بعض الأحيان، يتجدد عرضه نتيجة الإقبال المتزايد. أستمر هوسنا وحبنا لمشاهدة الأفلام المختارة حتى بعد أن تحولت مقهي " الشنوي"جياب رحمه المعروفة ب " الْكَافِي / CAFI " الكائن ب"الداو السوق" في فترة من الفترات إلى قاعة للسينما، تعرض فيها الأفلام ، على طول السنة. بعدها في الثمانينيات ظهرت سينما"بن الطاهر" بحي الفلاح التي كانت في الأصل " فندق الناظر "ثم اسطبلا للحمير والبغال ، ولكنها كسابقاتها لم تعمر طويلا . وحكى لي من هو اكبر سنا ان المنزل حيث تقطن عائلة البصري كان كانت به قاعة سينمائية خاصة باليهود .
سينما اخرى سبق لي تناولها بتفصيل في حلقة " تكمي انتضبيبن " وهي سينما الاربعاء حيث يعرض مسيو مالكم ومسيو ويلسون افلام شارلي شابلان والثنائي الانجليزي المرح لوري و هاردي
اختفت كل هذه القاعات السينمائية ، بعد أن كانت تعبر عن ماض هام وجميل من تاريخ دمنات، وتحولت إلى محلات تجارية، و أصبحت دمنات من دون سينما بسبب تغير نمط حياة الناس، و كثرة القنوات الفضائية، التي تعرض الأفلام السينمائية على مدار اليوم ، وأجهزة الفيديو، وما تتيحه من فرصة مشاهدة الفيلم في أجواء مريحة ، وفي الوقت المرغوب ، يضاف إلى ذلك كله، الصعود الصاروخي لأسعار العقار وارتفاع ثمن القاعات السينمائية لوجودها في مواقع مهمة.
ولا يمكن الحديث عن السينما بدمنات دون الحديث عن واحد من اكبر اليسنمائيين المغاربة ويتعلق الامر بالمخرج والسناريست والرسام والشاعر الكبير
الدمناتي أحمد البوعناني وهو أحد الأوجه الفنية المغاربية الأكثر إثارة للاهتمام البحثي والنقدي في الآونة الأخيرة.

ولد البوعناني بالدار البيضاء سنة 1938 وتوفي بدوار أيت امغار سنة 2011 وأحمد البوعناني، الحكواتي والشّاعر والسينمائي والرسام، الرّجل القلق والشّجن الكئيب ،وقد تكون الكآبة العلامة البارزة لأعماله ومسيرته، عند من عاصروه أو تعرفوا عليه لاحقا، من خلال كتاباته وعبر الإنتاجات السينمائية التي أنجزها كمخرج أو ساهم فيها كسيناريست وموضّب مونتاج. نحافته وأناقته وسورياليته المربكة، الموزعة بين التصوير والرسم والشّعر، كلها ملامح تذكّرنا بالفنان الفرنسي جون كوكتو صاحب رائعتي "دمُ شاعرٍ" (1930) و"وصيّة أورفيوس" (1960).
ولد البوعناني بين الحربين في كازا. كازا الهندسة المعمارية والسينما الأمريكية وهوس الناس بالحداثة والموضة، عن الدار البيضاء سيُخرج البوعناني فيلمه القصير "كازابلانكا 6/12" (1968) عرض فيه، بشعرية حزينة وصامتة، تتخلّلها موسيقى الجاز، نظرته إلى المعمار والناس وإيقاع الحياة هناك، من السّادسة صباحاً وحتّى الظّهيرة. بين عامي 1961 و1963، ولم يكن يخفي إعجابه بويلز وسبيلبرغ وبازوليني، وببرخوس كأديب تشارك معه تعقّب السّراب وقرأ رفقته الذاكرة في "كتاب الرّمل".
البوعناني طاقة شعرية وحكائية هائلة ، من المغاربة الأوائل الذين درسوا السينما بفرنسا ، ومن فرنسا إلى قلب الصّحراء لتصوير "طرفاية أو مسيرة شاعر" (1966) و"المنابع الأربعة" (1977)،
لقد تميز البوعناني "شاعر الكلمة والصورة" منذ بداياته في السينما ، بحسه الرهيف وقوة تعبيره البلاغي ، و بهوسه بالنهل من تاريخ المغرب والاشتغال على على الثقافة الشعبية لتقديم أعمال فنية تخدم حاضر الذاكرة الجماعية ومستقبلها، فبصم البوعناني زمنه وزمن الأجيال القادمة التي عليها «حمل مشعل السينما كما تصورها البوعناني».
فعلاوة على فيلمه القصير "سيدي أحمد أو موسى" (1972)، الذي يقصّ حكاية الزجال والمقاوم سيدي عبد الرحمن المجذوب، رصّع البوعناني محكيّا عالميا، يمزج التخييل الذاتي بالوقائع الحياتية لشخصيات مريضة، وينهل من قصص الطفولة المطبوعة بصراع الجسد والدين وخرافات الأسطورة.
كان البوعناني قد آثر العزلة في بيته القروي، ببلدة آيت أومغار/دمنات ، عندما بلغه خبر اشتعال النّار داخل شقّته في العاصمة الرّباط. على السّاعة الثالثة صباحا، من يوم 23 تموّز 2006، أتى حريق مهول على جزء كبير من أرشيف الفنان: ملفّات أسطوانية ومخطوطات وكتب ، لم يبق إلاّ الرماد، مصيبة أخرى،بعد مصيبة وفاة ابنته الباتول.
منذ رحيله عام 2011، قامت مجموعة من الفاعلين الثقافيين والفنانين، من بينهم عمر برّادة (مدير مكتبة دار المأمون) وعلي الصّافي (مخرج مغربي)، وكذلك ابنته تودة بلملمة بقايا البيت المحروق لتصليحها وتحقيقها وإعدادها للنّشر.
تمّ عرض أفلامه بين نيويورك (MaMo) ولندن (متحف Τate Modern) وباريس (قصر طوكيو) وطنجة (الخزانة السينمائية). عن الاحتفاء الأخير الذي خصّصته تظاهرة "مغرب الأفلام" بباريس لأحمد البوعناني، في ذكرى وفاته، تقول ابنته تودة ": "تمكننا هذه البرمجة من وضع مشوار أحمد البوعناني بين أولئك الذين تأثّر بهم، مثل محمد عفيفي "لحم وفولاذ" (1959) و"عودة إلى أغادير" (1967)، وأولئك الذين احتفى بهم هو مثل محمد عصفور، وأيضا أولئك الذين أثّر فيهم مثل داود أولاد السيد في فيلمه
"السراب"…
أو صراع مع الظلم والفقر والقهر
"ذاكرة مُغرة" و"مطلوب" لعلي الصافي."

للبوعناني أربعة أفلام قصيرة وفيلم مطوّل وحيد، وثلاث مجاميع شعرية ورواية "المستشفى" الصادرة بالفرنسية لأوّل مرة عام 1990، ومقالات منشورة في المجلة الطليعية "أنفاس" بين 1966 و1967، بالإضافة إلى وثائقيات ومساهمات مختلفة مع مخرجين مثل أحمد بناني، ودراسة حول السينما في المغرب تحت عنوان "تاريخ للسينما المغربية من الاستعمار إلى الثمانينات" ورواية "سارق الذاكرة" التي لم تصدر بعد، وربما تحف إبداعية أخرى، هذا ما خلّفه البوعناني زيادة على قوة الحرف وحدّة التعبير ومرارة العيش .

ما من شك أن بصمة الراحل البوعناني على تاريخ السينما المغربية ظاهرة، سواء على مستوى الإخراج أو كتابة السيناريو والتوضيب، وسيظل الكثيرون يعترفون بفضله عليهم في ممارسة فنون الشاشة الفضية،
كما ستحتفظ الخزانة السينمائية الوطنية للبوعناني، بفيلمه الطويل «السراب» من إنتاج المركز السينمائي المغربي سنة 1979، والذي يعتبره النقاد تحفة سينمائية مغربية بالأبيض والأسود، اجتمعت فيها جمالية الصورة وقوة المعالجة السينمائية لموضوع الفقر والاستغلال والقهر خلال فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب.
وسيظل الراحل البوعناني واحدا من المثقفين الذي أثروا الساحة الفكرية والفنية الوطنية، بأشعاره وأفلامه التي أخرجها أو ساهم فيها أو في مناقشتها، قبل أن ينسحب من الساحة السينمائية وينعزل بقرية :
ايت امغار بدمنات للتأمل والكتابة، تاركا وراءه مجموعة من السيناريوهات بحبكتها الرصينة وقوة
مع تحياتي الصادقة
اخوكم نصر الله البوعيشي