رفيق المقاوم زايد أوحماد الأعمى والأعرج الذي قاتل الفرنسيين لساعات بقلم د.: مصطفى ملو
أضيف في 05 غشت 2022 الساعة 34 : 17
رفيق المقاوم زايد أوحماد الأعمى والأعرج الذي قاتل الفرنسيين لساعات
بقلم د.: مصطفى ملو
لا يكاد ينتهي فصل من فصول الإثارة والتشويق في مقاومة زايد أوحماد للفرنسيين وخاصة في أيامها الأخيرة بجنوب شرق المغرب حتى يبدأ فصل آخر.
فصول من صفحات مجيدة تحفظها الروايات الشفوية التي يتناقلها الأبناء عن الآباء ويتوارثها الأحفاد عن الأجداد، بينما لم تُعط حقها من الاهتمام في التاريخ الرسمي المكتوب.
من هذه الروايات المشوقة التي يُجمع أهالي بلدة تدفالت من المسنين وحتى الشباب الذين سمعوها عن آبائهم على صحتها، تلك التي تقول بأن أحد رفاق زايد أوحماد أثناء اصطدامه المباشر في يومه الأخير مع الفرنسيين كان أعمى، ومع ذلك فقد قاومهم هم وعملاءهم بشدة وبسالة لا توصف في لحظة هجومهم الغادر والمباغت على البيت الذي كانوا يقيمون فيه، والأكثر من ذلك أنه تمكن من قتل اثنين منهم(في روايات أخرى ثلاثة).
ستتساءل أيها القارئ الكريم؛ وكيف لأعمى أن يصيب هدفه بدقة؟
الروايات المتداولة تورد بأن هذا الضرير الذي لم يكن سوى باسو وعلي نايت حسو كان حاد السمع، حيث إن أذنيه كانتا تلتقطان أي صوت مهما كان خافتا، وهو ما مكنه من تحديد مكان انطلاق الرصاص بدقة متناهية ومن تم النجاح في تفاديه، بل وقتل المهاجمين كل واحد برصاصة.
الغريب في أمر هذا المقاتل الشرس أنه لم يكن فقط أعمى، بل إنه فضلا عن ذلك كان أعرجا بعدما أصيب بشظايا قنبلة في معركة بوكافر الشهيرة التي خاضتها قبائل أيت عطا ضد الجيش الفرنسي وعملائه سنة 1933، وهي التي أكسبته على ما يبدو التجربة والبراعة في التصويب وعلمته "الاقتصاد في الرصاص"، إذ كان لسان حال مقاومي بوكافر سنة 1933 يقول؛ "ليس لدينا رصاص نضيعه، لذا يجب أن يكون كل عدو برصاصة". والأغرب في قصة باسو وعلي، أن هذا المقاوم الأعمى والأعرج كان آخر من قُتل في ذلك اليوم الحزين الذي أجلى عن مقتل زايد أوحماد ورفاقه الثلاثة إضافة إلى عدد من المجندين لدى فرنسا تحصرهم الروايات بين ثلاثة وسبعة.
نظرا لشراسته رغم إصابته بالعمى ورغم إعطائه" الأمان" من طرف الفرنسيين إن هو استسلم، إلا أن باسو أصر على القتال وحراسة أمه وعيشة حدو زوجة حمو وعلي الرفيق الآخر لزايد أوحماد حتى آخر رمق.
أمام هذا العناد والتحدي، وبعد ساعات من تبادل الرصاص امتدت من الساعات الأولى للفجر حتى العصر، لجأت فرنسا إلى طريقة بشعة للسيطرة على هذا الأسد الثائر بأن قامت بإشعال النيران في محيط البيت الذي كان يقيم فيه هو وأمه وعيشة حدو جنبا إلى جنب مع جثة زايد أوحماد الملطخة بالدماء إذ كان أول القتلى في تلك المواجهة المباشرة. هذه الطريقة الوحشية أصابت باسو وعلي بالاختناق فلم يعد يقوى على الحركة والدفاع عن نفسه وأمه لتخترق رصاصة أحد القناصة جسده كما اخترقت أجساد رفاقه الآخرين في ذلك اليوم 5 مارس 1936.
استشهد باسو وعلي ومن معه لينضافوا إلى لائحة "أبطال بلا مجد"، ممن لا أحد من الكتاب والمؤرخين كتب عنهم ولا أحد من المسؤولين يعرفهم، فأنى أن يبحثوا عن أبنائهم وأحفادهم لإنصافهم؟