جداول الحصص واستعمالات الزمن بين المساطير القانونية و واقع الحال
بقلم : د.نصر الله البوعيشي
مع بدابة كل سنة دراسية تطفو على السطح وخصوصا في مواقع التواصل الاجتماعي خلافات بين بعض المدرسين والادارة التربوية حول جداول الحصص والجدول الدراسي . هذه الخلافات تأخذ احيانا طابع الصراعات التي تتحول بدورها الى احتجاجات فردية و جماعية تتدخل على اثرها بعض النقابات التعليمية . وهذا مرده في اعتقادي الى ثلاثة اسباب اولها الجهل باللوائح و التشريعات القانونية المنظمة للعملية او تجاهلها عمدا ، ثانيا غياب التواصل بين مختلف المتدخلين في العملية وإغلاق باب الحوار واخيرا الارتجال والارتباك الذي تتسم به الخريطة المدرسية على المستوى الاقليمي و الجهوي . ( البنيات التربوية – البناءات المدرسية –الموارد البشرية ..) .
وتجدر الاشارة باديء ذي بدء الى أن إعداد التنظيم التربوي من اختصاص الادرة التربوية :المدير بالمدارس الابتدائية ، المدير والحراس العامون بالثانوي الاعدادي و المدير والنظار بالثانوي التأهيلي . كما إن إسناد جداول الحصص(الثانوي) والجدول الدراسي (الابتدائي ) من اختصاص المدير دون غيره ويخضع الإسناد للسلطة التقديرية للمدير باعتباره المشرف العام على التدبير التربوي والاداري والمالي للمؤسسة ومراقبة العاملين بها ، والمسؤول على ضمان حسن سير الدراسة والنظام في المؤسسة كما تنص على ذلك النصوص التشريعية والتنظيمية والمذكرات والمناشير المصلحية الجاري بها العمل؛ (المادة 11 من المرسوم رقم 2.20.23 .الصادر في 2 جمادى الاولى 0.32 ).3 يوليو .33 ).بمثابة النظام الاساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي،كما وقع تغييره وتتميمه). ويسترشد المدير برأي المجلس التربوي الذي اناط به المشرع مهمة:" إبداء الرأي بشأن توزيع التلاميذ على الأقسام وكيفيات استعمال الحجرات الدراسية واستعمالات الزمن. كما يمكن للمدير ان يستشير مجلس التدبير الذي اناط به المشرع هو الاخر مهمة المساعدة وإبداء الرأي في برمجة أنشطة المؤسسة ومواقيت الدراسة واستعمالات الزمن وتوزيع مهام المدرسين. ويعد المجلسان السالفي الذكر المحرك الرئيسي للحياة المَدْرَسِية باعتبارهما هيئتان استشاريتان يتوقف قيامها بمهامها عَلَى قدرة المدير باعتباره القائد التربوي عَلَى تفعيل ادوارهما وتحويلهما إِلَى قوة فاعلة مؤثرة، بدل تهميشهما وعدم استشارتهما والاكتفاء بتزيين السبورة المرجعية بلوائح اعضائها أو الاقتصار على عقد اجتماعات صورية وشكلية وتحرير تقارير كاذبة وتوجيهها الى المصالح المختصة ،مما يتنافى مع الادوار الكبيرة لهذين المجلسين وباقي المجالس في تحسين العملية التعليمية التعلمية ولو تم تفعيل ادوار هذه المجالس لكانت المؤسسات في غنى عن هذه الخلافات التي تبخس المجهودات والتضحيات التي يتجشمها اطر الادرة التربوية في اعداد هذه الجدول ( يبدو لي من خلال بعض التعليقات ان بعض الاساتذة غير ملمين بكيفية اعداد جداول الحصص وبالمراحل التي يمر منها الاعداد وبالمجهودات المبذولة في سبيل ذلك .
اعداد التنظيمات التربوية يتطلب الكثير من الجهد والوقت بالرغم من وجود بعض البرانم المعلوماتية فان الكثير من النظار ( وضع جداول الحصص واستعمالات الزمن من اختصاصهم حسب المادة 13 من المرسوم المذكور اعلاه ). يضطرون الى التضحية بأوقات راحتهم بما فيها العطلة الصيفية والاستعانة ببعض اساتذة المعلوميات والرياضيات المهتمين والمتعاونين والزملاء من ذوي الخبرة لأعداد جداول الحصص واحيانا الاستعانة باشخاص من خارج القطاع بمقابل مادي خصوصا في سلك التأهيلي حيث عدد المستويات والشعب والتفاوت بين حصص المواد وضرورة احترام التوجيهات التربوية الخاصة بكل مادة على حدة و اكراهات البنية التربوية التي لا يستحضر واضعوها في الغالب سوى الطاقة الاستيعابية للمؤسسة ( البنية التحتية) بما في ذلك استغلال فضاءات لا تصلح كقاعات للدرس ، واكراهات الموارد البشرية (المتوفر من الاساتذة ) واللجوء الى سد الخصاص بأساتذة من تخصصات متآخية او من اسلاك اخرى على حساب مؤسسات اخرى ابتدائية بالدرجة الاولى حيث يتم اللجوء في تفييضهم لسد الخصاص بعد ضم الاقسام وإحداث اقسام مشتركة تصل الى 6 مستويات احيانا ، والنتيجة كما يعرف الجميع كثرة الاقسام (50 احيانا ) والاكتظاظ حيث يفوق عدد التلاميذ 50 تلميذا بالقسم وينتج عن هذا جداول حصص غير متوازنة وغير متكافئة تفرز توزيعا لجداول حصص الاساتذة ولاستعمالات زمن الاقسام/الافواج ، يعتبره البعض غير عادل .هذا علما بان جداول الحصص واستعمالات الزمن ببعض المؤسسات لازالت في علم الغيب .
بعد عملية الاعداد الشاقة والمتعبة وبعد كل هذه الاكراهات والصعوبات تبدأ دوامة اسناد جداول الحصص وهي مهمة غاية في الصعوبة ذلك أن الادارة والمدير بصفة خاصة يكون بين عدة نيران : نار إعداد جداول الحصص بصورة فعالة وناجعة في احترام تام للتوجيهات الرسمية المؤطرة بشكل يضمن تيسير استعمال المعينات الديداكتيكية والوسائل التعليمية والقاعات المختصة ، و نار تنظيم الإيقاعات الزمنية و تدبير أنشطة التعلم ، و نار الاستجابة لرغبات الاساتذة ،و نار التطلع الى نتائج مرضية باسناد أقسام بعينها الى بعض الاساتذة بناء على كفاءتهم العلمية : الشواهد العلمية – الاختصاص ... و كفاءتهم البيداغوجية: (تقييم مردود المدرس خلال السنزات الدراسية السابقة بناء على تقارير الزيارات الصفية للمؤطر التربوي وراي المفتش المختص ) و بناء كذلك على جديتهم ومواظبتهم وعلى نتائج السنة الدراسية للأقسام الاشهادية ، ونار ضغوطات بعض لوبيات " السوايع " و العاملين بالمؤسسات الخصوصية الذين يبحثون عن تكييف جداول حصصهم مع مواقيت عملهم بالتعليم الخصوصي ، ونار الاساتذة الراغبين في تجميع حصصهم في بداية الاسبوع او في نهايته حتى يتسنى لهم التفرغ اما للسفر او لممارسة اعمالهم الحرة او متابعة دراساتهم العليا، ونار الحاشية والاصدقاء وابناء العمومة او القبيلة أو المقربين المنتمين لنفس حزب او نقابة المدير أو بعض مساعديه واخيرا نار التعليمات والاملاءات والتدخلات والمحسوبية والزبونية لضرب المرتكزات التي جاءت بها المذكرة الاطار 97 الصادرة بتاريخ 15 یونیـــــــو 2006 .
بعد هذه العملية المضنية يعمد بعض الاساتذة بمباركة من الادارة واحيانا بدون اذن منها واحيانا بدون علمها حتى ، الى تغيير جداول الحصص بما يخدم مصالحهم الشخصية دون اعتبار لعواقب ذلك على التلاميذ بحيث تضطر بعض الافواج الى الدراسة طيلة اليوم من 8 الى 12 ومن 2 الى 6 دون اكتراث بوضعية التلاميذ الذين على بعضهم قطع مسافات طويلة من بيوتهم الى المؤسسة لحضور حصة دراسية واحدة .
واحيانا ينتج عن هذا التعديل المزاجي المصلحي اللا تربوي ساعات فارغة ( مثقوبة) بين الحصص الصباحية او المسائية يقضيها التلاميذ والتلميذات أمام المؤسسات حيث تكون الاناث عرضة لتحرشات واغراءات المتربصين او في أوكار الالعاب ، في غياب قاعات متعددة الوسائط ومكتبات مدرسية و أطر تربوية كافية لمساعدتهم على استغلال هذا الفراغ في انشطة تربوية هادفة . وبين هذا وذلك يتجرع التلاميذ المستهدفون من العملية التعليمية مرارة النتائج التي تفرزها عملية التغييرات التي قد تحصل في جداول الحصص والتي قد تمتد الى وسط الموسم الدراسي .
والملاحظ ان التغييرات التي تطرأ على الجداول المدرسية وعدم سد الخصاص من المدرسين في الوقت المناسب وتأخير اجراء الحركتين الجهوية والمحلية وتعيين الخريجين الجدد الى نهاية شهر شتنبر ،مما يجعل المؤسسات تعيش حالة شلل حيث يصعب وضع تنظيم تربوي نهائي دون الـتأكد من معرفة المنتقلين والوافدين من الاساتذة مما يعد سببا في ارتباك ايقاع الزمن المدرسي ويؤثر علي الأداء المدرسي وعلى الجودة المنشودة .
كل هذا و لا تسمع لمصلحة الشؤون التربوية ولا للمفتشين رِكزا اذ تكتفي المديرية بتكليف لجنة تطوف بمؤسسات الاقليم للوقوف على ظروف الدخول المدرسي و لأنها لا تملك الحلول للمشاكل المتعددة والمركبة التي تعيشها المؤسسات فإنها تكتفي بارتشاف كؤوس الشاي مع اللوز والجوز . من مهام مصلحة الشؤون التربوية مراقبة استعمالات زمن الافواج والتأكد من مطابقتها للوائح القانونية والتدخل لتعديلها – عند الحاجة - قبل المصادقة عليها حفاظا على مصلحة التلاميذ كما أن المفتشين مطالبون بالقيام بزيارات الى المؤسسات في نهاية السنة الدراسية وفي بدايتها والتنسيق مع الادارة التربوية والاجتماع بالأساتذة الجدد منهم بالخصوص لتدليل الصعاب وايجاد الحلول للمشاكل المطروحة سواء تعلق الامر بالمنهاج او بالبرنامج الدراسي او بجداول الحصص كما تنص على ذلك المذكرة الوزارية رقم 121 الصادرة بتاريخ 03/10/1988:"...يتعين على السادة المفتشين ان يتوجهوا الى الثانويات قبل التاريخ المحدد لإرسال جداول الحصص الى المديرية (قبل 15 اكتوبر) ليراقبوا الجداول في عين المكان و ابداء رايهم في الموضوع قبل المصادقة عليها واسنادها والمساعدة في حل الخلافات التي تنشأ جراء عملية الاسناد ، في اطار المهام التي اناطها المشرع بالمفتش وخصوصا المذكرة الوزارية رقم 115 الصادرة بتاريخ 21 شتنبر 2004 التي تنص على مساهمة المفتش :" في تتبع الحياة المدرسية في مختلف تجلياتها داخل المقاطعة التربوية، والمساهمة في إيجاد الحلول لما قد يلاحظ من تعثرات في سيرها." وبالتالي فان مهمة المفتش لا تقتصر فقط على وضع خاتمه على جداول الحصص بعد ان يكون الأسدوس الأول قد شارف على الانتهاء بل ان الامر يتطلب الاشراف والمواكبة والارشاد والتوجيه والتدخل لايجاد الحلول .
لابد من الاشارة الى أن الخلافات لا تقع فقط بين الاساتذة والإدرة بل هناك طرفان اساسيان فيها اولهما التلميذ باعتباره قطب الرحى في العملية التعلمية التعلمية وثانيهما الأسرة وهي الشريك الاول للمدرسة ، فمع بداية كل سنة دراسية وبعد توزيع جداول الحصص واستعمالات الزمن ومعرفة الاقسام المسندة لكل استاذ يبادر الاباء والامهات والاولياء الى البحث بجميع الطرق عن تحويل أبنائهم الى اقسام اخرى غير تلك التي سجلوا بها اما بحثا عن استاذ معين معروف بعدالته و بجديته ومواظبته وتمكنه من مادة تخصصه أو الهروب من قسم أستاذ معروف إما بعدم مواظبته أو بتهاونه أو بعدم قدرته على ضبط التلاميذ او بعدم كفاءته ( علما بان الاباء والتلاميذ غير مؤهلين لاصدار احكام عن كفاءة ومؤهلات الاستاذ ) واحيانا يتعلق الامر بتلاميذ فقراء ليس بإمكانهم حضور الساعات الخصوصية التي يفرضها بعض الاساتذة ويبتزون التلاميذ بتمييزهم في نقط المراقبة المستمرة فالنقط الاعلى للتلاميذ الزبناء . واذا رضخ المدير لضغوطات الاباء والاولياء والتلاميذ فان المؤسسة تتحول الى اقسام تضم النخبة واخرى تضم المتهاونين من الاساتذة والتلاميذ المكررين والمثلثين والذين أعيد تمدرسهم بعد استيفائهم للسنوات الدراسية المسموح بها ( الاستعطاف)
إن تحقيق شعار : ”من اجل مدرسة ذات جودة للجميع” رهين بالإعداد الجيد للدخول المدرسي و بضبط العمليات المرتبطة به من اعداد جيد للخريطة التربوية وتوزيع معقلن ومتكافئ وعادل للأساتذة ولأطر الادارة التربوية وأطر الدعم الاجتماعي والاداري بين المؤسسات ضمانا لحقوق المتعلمين في تمدرس قار وهادف لأن الملاحظ أن هناك تخمة في بعض المناطق وفي بعض المؤسسات وخصاص مهول في مناطق ومؤسسات اخرى . و كل خلل أو تأخير في انجاز احدى حلقات هذه السيرورة تترتب عنه انعكاسات مباشرة تتجلى بعض تمظهراتها فيما نلاحظه من صراعات وخلافات حول جداول الحصص ومن رفض التلاميذ الالتحاق بأقسامهم مما يؤخر انطلاق الدراسة في الموعد المحدد لها ويساهم في الاخلال بالسير العادي الدراسة .
---------------------------------------------------------------------------------------
بعض المراجع للاستئناس :
- مرسوم رقم 2.02.376صادر في 6 جمادى الأولى1423(17 يوليو2002 )
- مرسوم رقم 2.85.742 صادر في 4 اكتوبر 1985 بشان النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية
- مرسوم رقم 2.02.854 صادر في 10 فبراير 2002
- المذكرة 43 الصادرة بتاريخ 22 مارس 2006 تنظيم الدراسة بالتعليم الثانوي
- المذكرة الوزارية رقم 30 الصادرة بتاريخ 09 ابريل 2004 في شان احداث الاكاديميات
- المذكرة الإطار الخاصة بالحركات الانتقالية بوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني عدد 15//056 بتاريخ 06 ماي 2015
- المذكرة رقم 87 بتاريخ 26 يناير 1987 حول تقارير التفتيش والزيارات .
- المذكرة 80 بتاريخ 06 يونيو 1989 في شان تنظيم المراقبة التربوية .
- المذكرة 115 بتاريخ 21 شتنبر 2004 حول تنظيم التفتيش التربوي للتعليم الثانوي
- الوثيقة الإطار لتنظيم التفتيش ( ابريل 2004) .
- المذكرة الاطار 97 الصادرة بتاريخ 15 یونیـــــــو 2006 .
- الميثاق الوطني للتربية والتكوين
- الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015/2030.
- مشروع قانون الإطار رقم 17/51 .