انشودة النسر المنتصر
بقلم : عبد اللطيف برادة
رفعَ الفجرُ الشمس عاليا الى السماء فانطلق المحارب يشدو بالغناءِ
ومن دون تردد بدا النسر يردد ككل صباح عبارته المفضلة
'ها قد حانت الساعة كي اتذوقْ نشوة الانتصار'ِ
تغنى النسر ورقص زهوا من اعلى القمم ثم تغنى والصدى يتردد بين سفوح الجبال فملا الجو صداح
فانا الانتصار يقول ثم يعاود وانأ الاعصار
فمن منكم سيتحداني اليوم قد يواجه من وافته السماء ببشرى الانتصار
هكذا افرد المحارب ذراعيه وحلق النسر الى ابعد ما يكون من وراء السحاب
فلماذا يا ترى استفاق المحارب بعد كل هذا العناء
اتراه علم بإشارة من ملاكه الصديق عن شيء افزعه فراح يبحث عن مبتغاه
ومن يدري فربما قد ادرك بعد طول الانتظار انه قد حانَ وقتُ الانعتاق
او ربما قد استشعر في غفلة من الزمن دنو ساعة الانبلاج
ها ولقد عزم المحارب بعد كل الصراع على طيِّ صفحات الماضي اللئيم
فاليوم ادن قد حان موعد التغني بالانتصار
اليوم سيتقدم المحارب بخطى عملاقة فيدوس الحفر يلملم كل الجراح
اليوم سيتقدم المحارب ولن يترك من ورائه إلا سديم الظلام
يحمل المحارب معه حلمه الجميل
فلقد اقسم الرجل المغوار بان يمحو بجرة قلم كل الألأم
يتكلم فيوجه سهام حروفه المولعة نحوى القدر
وفي جو من البهجة والمرح ركب على صهوة الشعر المحترق
اليوم اضحى له ما يكفي من القوة كي يتسلق قمم الجبال
وان يجوب الهضاب والسهول وغابات النخيل
عليه اليوم ان يتجاوز بقفزة او قفزتين واقعه المرير
او ان يطوي على الارجح كل المسافة التي تفرقه عن امل كاد يندتر
اليس هو الدي كان يريد ان يضع حدًّا لكل الماسي يرغب الان اكثر من أي وقت مضى في ان يزيح بلمسه من كفه الخشن حجاب الظلام
فكيف له الان ان يشبع رغبته في بهجة الحياة وهو لا ينعم بنسمة سلام
يتقدم يخطو وقد سطرت على جبينه كلماتِ السر لماض اليم
فها هو يتقدم مثقلا بماسي الإنسانية
وها هو الظلم الجبان يستعد ليلوذُ بالفرارِ برفقة الضلال
يتقدم ويضل السؤال المحير يؤرقه في كل لحظة
فمتى سينبلجُ الفجر ومتى ينقشع السحاب فتتخلص السماء من تلبد السحاب
ها هو يتساءل عن المصير فيجيبه الصدى بصمت قاتل لا يعفيه من اعادة السؤال
فهل يا ترى كان يعلم ان الامل سينبعث من رماد وان القدر سيحدو حدوا رغبته الجامحة فيزيح حجاب الظلام
وهل لازالت لديه الجرأة الكافية كي يواجه بما بقي له من الصلابة عناد القدر
ها هو يقف رافعا يديه كما يفعل شجر النخيل باسقا عروشه للسماء
ابدا لن يخاف من جواب يفاجئه بما لم يكن ينتظر
الهدا قد نجده دوما يتساءل
ولما لا يفعل والماسي لا زالت تطارده
فها هي الرياح العاتية تتقدم فتستعد لإقلاع جذوره التي توغلت في اعماق السؤال
فمن سيحدّدَ له الان المسار سوى ايمانه المطلق في رحمة الرحمان
لقد تحمل الان أكثرَ ممّا ينبغي حتى أضحتْ جروحه لا تحتمل
اه كم هي تقيله ذكرياته الاليمة
اه كم هي بشعة الايام الئيمة
يخطو الان وهو يجرُّ من ورائه ماسي القدر كسلاسل سجين حكم عليه بالمؤبد
لقد فرض عليه وقعِ السّنينَ أن يعيشَ بعيدا عن الوطن فأضحى هكذا أسيرا للغزه المحير
ولما يتراجع ولقد ملئ عليه قدره ان يواصلُ إلى غايته حيث موعد النصر ينتظر
يتأهب لكي ينطلق الى حيث سيتنفّسَ رائحة الفجر الزكيّةَ ونسيم القبل
هناك حيث قمم جبال وندى الغاباتِ السّاحرة قد تنسيه شيء من الاسى والألم َ
هناك حيث ينتظره لقاء الحبُّ في سماء حبلى بالوعود
ها وقد خارتْ قوى الظلام وها وقد انّ للمصير ان يتغيّرُ فيستجيب له القدر
ها وقد بدا الظلم الفظيعِ يقضي نحبَهُ
وعلى صوتِ الرعد يُلقي الالم سلاحَهُ ويستسلمُ
ها وقد آنَ الأوانُ ليستريحَ المحارب استراحةً المنتصر
فها و قد اضحى بعد كل الماسي شعلةَ تلّقي بنور الأمل فيتحدى العواصف ويطارد من حوله خفافيش الظلام
يعلم الان ان الرياح لن تطفئ شمعته التي رافقته طوال اللّيالي في صمتها الرهيب
ويعلم الان ان عشيقته ستعود يوما ما الى حديقته الغراء تؤنس وحدته
وهي التي ستزرع الفرحة في قلب كاد ينفجر
وهكذا لن يعدو حزنه الاليم سوى ذكرى لجرح طواه الزمن فاندمل