نباح في المرآة.
المسلك سعيد
1 – تذكير بالسياق العام لغطرسة الحكومة
إن الاستفزاز الحكومي للطبقة العاملة و ممثليها - كما يعلم ذلك الجميع – ليس وليد اليوم . فالساحة الوطنية على عدة أصعدة ، عرفت تراجع العديد من المكتسبات مع وصول الحكومة الحالية إلى تسيير الشأن العام بالمغرب . فقد ارتكست المكاسب الاجتماعية على الأعقاب ، و تزايد عدد المعطلين و كثر الضغط على المرفق العمومي ، و تراجعت الخدمات الاجتماعية في مقابل تصاعد رهيب لأسعار المواد الأساسية مع إيقاف دعمها من طرف الدولة بشكل نهائي .
وقد لاحظ الجميع رفض هذه الحكومة للتفاوض الجدي حول الزيادة في الأجور في مقابل الزيادات الصاروخية المذكورة ، كما لوحظ اتساع دائرة الفقر و الهشاشة الاجتماعية و بالتالي ارتفاع درجة التوتر الاجتماعي مع ترشح الوضع لمزيد من التدهور و الاحتقان .
و مع الحكومة البنكيرانية ، ازدادت حدة ضرب الحريات من خلال اعتقالات المناضلين ( أكادير ، ورززات ، الرباط...) و بالتالي ازدياد تشديد الخناق على المواطن من طرف هذه الحكومة المتغطرسة ، بدل الانكباب على معالجة مشاكل المجتمع بالاتجاه نحو مصادرها الحقيقية و المتمثلة في تكديس الثروات بطرق غير شرعية ، الفساد الإداري ، تهريب الأموال ، ارتفاع الأجور العليا ، الرشوة و غيرها ...
إن غطرسة هذه الحكومة العجيبة التي بات يعرفها الصغير و الكبير ، تتجاوز كل الحدود ، خصوصا عندما تحدت النقابات في اتخاذ العديد من القرارات و غض النظر عن الكثير من الخروقات ، في ضرب واضح لمقتضيات الدستور ، خصوصا الفصل الثامن الذي وضع الأسس الكفيلة لقيام النقابة بمهامها كمؤسسة دستورية تدافع عن حقوق المأجورين بجميع القطاعات لتضمن لهم مقومات العيش الكريم . ولعل أبرز ما نتذكره باستمرار ، تماطلها في إصلاح و دمقرطة النظام التعاضدي و الحد من الفساد المستشري داخل التعاضدية من تبذير لأموال المنخرطين بالفنادق الفاخرة ، و بالجموعات العامة الفاقدة للشرعية . زد على ذلك فرض هذه الحكومة و من جانب واحد ، لزيادات على المحروقات باعتماد نظام المقايسة ، ترتبت عنها زيادة ملتهبة في أسعار النقل و المواد الأساسية ، أثرت و تؤثر على قدرة المواطن الشرائية .
يحدث هذا كله أمام نقابات حائرة من أمرها في ظل الغطرسة الجنونية لحكومة تريد أن تأتي على الأخضر و اليابس من مكتسبات الشغيلة التي سقتها بدماء شهداء أحرار ظلوا أوفياء للنضال حتى الموت .
إذن ، فالاستفزاز ، كما قلت آنفا ، ليس وليد اليوم . بل هو امتداد لمسلسل رعب طويل بحلقات مختلفة ، تجلى عبرها تراجع دور النقابات بشكل ملحوظ . هذا الفتور النقابي فتح تدريجيا شهية هذه الحكومة السادية للالتفاف على مزيد من الحقوق و المكاسب ، إلى أن وصلت إلى الاقتراحات و القرارات الجنونية حول " إصلاح صندوق التقاعد " في أبشع سيناريو يمكن أن تتخيله الطبقة العاملة !
في هذا الصدد ، لا بد من التذكير أيضا بأن حكومة العدالة و التنمية كانت قد مهدت لهذا التطاول على مكتسبات الأجراء بأن تطاولت على اختصاصات أعضاء المجلس الإداري للصندوق المغربي للتقاعد ، و همشت دورهم في النقاشات الأولى حول "الإصلاح" في خرق سافر للميثاق المغربي لحكامة المؤسسات العمومية ، كما كان التمهيد لهذا الالتواء و التطاول من خلال رفضها القاطع لكل مقترحات هيئات الحكامة بالانفتاح على تجارب الدول الرائدة في مجال أنظمة التقاعد . و هذا - لعمري – ضرب من ضروب النفاق الذي اتسم به عمل هذه الحكومة التي جعلت في يوم من الأيام من " محاربة الفساد و التنمية الاجتماعية .." شعارا لها ! ! .
اليوم ، و مع هذه القرارات المجحفة في حق الشغيلة التي لا زالت ، رغم ذلك ، تستغيث بنقاباتها التي مرر أمامها رئيس الحكومة ما أراد في تجسيد واضح لمقولة " نطح راسك مع الحيط" ، مع هذه القرارات المجحفة من قبيل الرفع من نسب الاقتطاعات الإضافية الشهرية و السنوية ، و تحميل الأجير مسؤولية الفراغ الذي تعرفه صناديق التقاعد ، بات الخطر المهول الذي يقض مضاجع المتقاعدين المستقبليين هو أن يستطيع بن كيران بتنويمه المغناطيسي للنقابات أن يمرر أيضا اقتراحه الخطير جدا بالتخفيض من قيمة المعاشات بصيغة معدل عشر سنوات الأخيرة . و هذا سيكون الضربة القاضية للنقابة و الأجير على السواء .
2- لا للصيغ النضالية المخجلة في هذا الملف بالذات
كما يتضح مما سبق ذكره ، غابت المقاربة التشاركية في مسار إصلاح أنظمة التقاعد بالمغرب مع تشبت الحكومة بالإسقاط العمودي للقرارات المجحفة في هذا الصدد . الشيء الذي يجعلنا جميعا نطرح أسئلة مقلقة بشأن إشكالية توفير الحماية الاجتماعية للمواطن ، و توفير العيش الكريم للمتقاعدين و الأرامل و ذوي الحقوق ، و الحفاظ على المكتسبات للمنخرطين النشيطين .
إن مجرد التفكير في المس بالحقوق المكتسبة و القدرة الشرائية للمنخرط النشيط و المتقاعد و ذوي الحقوق ، يفرض على النقابة أن تتحمل مسؤوليتها التاريخية في إرغام الحكومة على تحمل مسؤوليتها أيضا في الحفاظ على التوازنات المالية لصندوق التقاعد كمؤسسة ذات طابع اجتماعي . و لن يتأتى هذا الإرغام إلا عن طريق النضال المستميت و الرفع من وثيرة الاحتجاج التصعيدي ، بعيدا عن الصيغ النضالية القزمية ( نصف ساعة ...) ، و الأشكال التنديدية المحبطة كما حصل في النداء الأخير للمكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الك د ش ليوم الأربعاء 15 – 10 – 2014 .
عندما أستحضر هذا النداء الخجول في مقابل ما أبدته الحكومة المتغطرسة من وقاحة كبرى بدأتها بتكريس مبدأ التحلل من المرفق العمومي وأنهتها بتحميل الأجير مسؤولية صندوق نهبه غيره ، مرورا بتسليع الخدمة العمومية و ضرب القدرة الشرائية .. عندما أستحضر هذا النداء المخجل في مقابل ما قام به النقابيون مثلا ، في أحد أيام الثمانينات عندما أخذ المعلمون الكراسي من الأقسام و جلسوا عليها قرب المحكمة في الشارع لمؤازرة أحد زملائهم تعرض للشطط في استعمال السلطة و اتهمه القضاء بضرب شرطي خلال شجار بينهما.
كلما أستحضر الإضرابات الإقليمية الشرسة أمام النيابات عندما تتلكأ المكاتب الوطنية و الأجهزة المركزية في معالجة بعض الخروقات المتكررة . عندما أستحضر كل هذه الأشياء ، أخجل حتى من قراءة هذه النداءات التي تدعو إلى و قفات جد قصيرة داخل مؤسسات علا فيها صوت التلاميذ فوق أصوات المدرسين إبان ترديد الشعارات التنديدية ...
3 – الواقع السيزيفي المؤلم و خيار التصعيد
أهم ما نستنتجه مما ذكرته آنفا هو أن السواد الأعظم من الشعب المغربي بات مستنكرا لهذا النوع الجديد من التسيير و التدبير في عمل حكومة أضرت كثيرا بدولة الحق و القانون المعلنة . و بات الجميع يقتنع بشكل من الأشكال بأن هذا التسيير هو منتوج حكومة لم تصل إلى السلطة إلا "لتتوسل رضى النظام" كما عبر عن ذلك أحد الرفاق . و تجندت بذلك هذه الحكومة لتمرير كل القوانين الضاربة للمكاسب الاجتماعية و الديمقراطية . و يبقى الاستنتاج الأهم هو أن النقابة ، التي لعبت دوما دورا رياديا في تحصين مكاسب الشغيلة على جميع الأصعدة ، لا يجب أن تقف اليوم عند حد الاستنكار و إصدار بيانات تنديدية قزمية لا تغدو أن تكون مجرد نباح في المرآة . فالجميع يتساءل اليوم عن تفعيل قرارات مسيرتي الرباط و البيضاء ، و أهمية تفعيل قرار " توسيع جبهة المواجهة " المتفق عليها في إطار التنسيق الثلاثي ، و كذا أهمية تصعيد النضال خصوصا بملف التقاعد .
نتمنى أن يكون الإضراب العام ليوم 29 أكتوبر 2014 ، بداية حلقة جديدة لبناء سلسلة قوية من النضال الجماهيري و الوحدوي التصعيدي ، الكفيل بردع جنون وزير يخاف دوما من أن " تخاصمه المعارضة مع الملك" ، و الإطاحة بغطرسة حكومة ميكالومانية تريد أن تجعل مستقبل الأجير في كف عفريت . هذا التصعيد من شأنه إحياء الثقة في العمل النقابي ، و القطع مع هذا العزوف النقابي الرهيب لجماهير نال منها الإحباط بسبب تحول النقابة مؤخرا من معول للاحتجاج و الإزعاج إلى مشعل لليأس و الانتظارية المفرطة .