لا لتدمير مستقبل تلاميذ أبرياء!
بقلم : اسماعيل الحلوتي
من باب الإنصاف لا يمكن إنكار ما بذلته الحكومة من جهود في مثل هذه الظروف الصعبة، من أجل إنهاء مسلسل الاحتجاجات والإضرابات التي أشعل فتيلها النظام الأساسي المجحف وغير المنصف، وشلت مدارس التعليم العمومي في جميع جهات المملكة على مدى شهرين متتالين، وفوت على أكثر من سبعة ملايين تلميذا فرص الاستفادة من مئات الحصص الدراسية، وخاصة بالنسبة لمن سيخضعون لامتحانات إشهادية في نهاية السنة الدراسية، مثل تلاميذ السنة السادسة من التعليم الأساسي، الثالثة من التعليم الثانوي الإعدادي والسنتين الأولى والثانية من سلك البكالوريا (الامتحان الجهوي والامتحان الوطني).
إذ أنه وبعد أن استطاعت التنسيقيات التعليمية بفضل نضالاتها المستمرة، وما أصبحت تتوفر عليه من مصداقية وقاعدة جماهيرية واسعة في أوساط الشغيلة التعليمية، سحب البساط من تحت أقدام النقابات التعليمية التي مازالت توصف ب"الأكثر تمثيلية" رغم انسحاب الكثيرين منها، من حيث الاستجابة الواسعة لنساء ورجال التعليم لدعواتها وانخراطهم التلقائي في برنامجها النضالي التصعيدي، كما بدا ذلك واضحا من خلال المشاركة العريضة في الإضراب الوطني ليوم الخميس 5 أكتوبر 2023 بالعاصمة الرباط في تزامن مع اليوم العالمي للمدرس، وكذا "مسيرة الكرامة" يوم الثلاثاء 7 نونبر 2023 بنفس المدينة التي حج إليها هي أيضا عشرات الآلاف من نساء ورجال التعليم المزاولين والمتقاعدين من جميع ربوع الوطن، للتعبير عن رفضهم لما أصبحوا يطلقون عليه "نظام المآسي" الذي أجهض آمالهم وأحلامهم.
وبعد رضوخ الحكومة لضغوطات التنسيقيات التعليمية الثلاث (التنسيق الوطني لقطاع التعليم، التنسيقية الموحدة لهيئة التدريس وأطر الدعم وتنسيقية أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي)، وعقد رئيسها عزيز أخنوش يوم الإثنين 27 نونبر 2023 لقاء مع ممثلي النقابات الموقعة على اتفاق 14 يناير 2023 في حضور كل من وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة شكيب بنموسى، ووزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات يونس السكوري، ووزير الاقتصاد والمالية نادية فتاح العلوي، والوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع عن بعد. الذي أسفر عن أربعة مخرجات وهي: تجميد النظام الأساسي المرفوض إلى حين تعديل مقتضياته، تحسين الدخل لموظفات وموظفي قطاع التربية الوطنية، وقف الاقتطاعات من أجور المضربين عن العمل ابتداء من الشهر المقبل (دجنبر 2023)، فضلا عن برمجة اجتماعات أخرى بين ذات النقابات واللجنة الوزارية الثلاثية ابتداء من يوم الخميس 30 نونبر 2023 على أن يتم الإعلان عن نتائج المفاوضات في أجل أقصاه 15 يناير 2024.
بيد أن التنسيقيات المشار إليها أعلاه التي تقود "الحراك التعليمي"، لم تتأخر في الإعلان عن رفضها للحوار "البيروقراطي" المغشوش ولما جاء به من مخرجات لا تلزمها، باعتبارها لا ترقى إلى الحد الأدنى من مطالب الشغيلة التعليمية سواء منها العامة أو الفئوية المرفوعة للوزارة الوصية والحكومة، مطالبة بضرورة سحب النظام الأساسي المشؤوم وإحداث نظام جديد يلبي كافة المطالب العادلة والمشروعة لعموم العاملات والعامين في القطاع، ومجددة دعوتها لجميع مكونات الشغيلة التعليمية إلى المزيد من التعبئة واليقظة والصمود، والحرص على الحضور بكثافة في الوقفات والمسيرات الاحتجاجية المبرمجة ابتداء من يوم الأربعاء 29 نونبر 2023.
وفي الوقت الذي اعتقد فيه مواطنون مغاربة كثر أن الوزير المكلف بالميزانية فوزي لقجع أنقذ وزير التربية الوطنية شكيب بنموسى من مقصلة الإقالة، واستبشرت آلاف الأسر المغربية خيرا مما انتهت إليه جولات الحوار ليلة نهاية العطلة البينية الثانية يوم الأحد 10 دجنبر 2023، يحذوها الأمل الكبير في إنقاذ الموسم الدراسي من "سنة بيضاء"، واستئناف أبنائها لدراستهم ابتداء من يوم الإثنين 11 دجنبر 2023، إذ تقرر الرفع من أجور الشغيلة التعليمية بزيادة صافية قدرها 1500 درهم موزعة على شطرين، الأول ابتداء من فاتح يناير 2024 والثاني ابتداء من فاتح يناير 2025، بالإضافة إلى حل بعض الملفات الفئوية وغيرها، مقابل الحفاظ على السلم الاجتماعي فيما تبقى من عمر هذه الحكومة...
وفي ظل غياب الحديث عن سحب النظام الأساسي الذي أدى إلى الاحتقان القائم في الساحة التعليمية، وما ترتب عنه من تعطيل الدراسة في مؤسسات التعليم العمومي طوال أزيد من ستة أسابيع، وبناء على إقصاء التنسيقيات القائدة للحراك التعليمي من المشاركة في الحوار مع الحكومة، فإن الإصرار على مواصلة الوقفات الاحتجاجية مازال مستمرا، كما تشهد بذلك معظم المؤسسات التعليمية، مما قد يضرب مبدأ تكافؤ الفرص في مقتل بين أبناء الشعب، ليس فقط بين تلاميذ مؤسسات التعليم الخصوصي وتلاميذ مؤسسات التعليم العمومي وحسب، بل حتى بين تلاميذ المدارس العمومية...
إن لهدر الزمن المدرسي كلفة باهظة على مستقبل البلاد والعباد، لذا يستدعي الواجب الوطني الخروج سريعا من هذا النفق المظلم، من خلال احتكام الأطراف المعنية إلى نور العقل وترجيح كفة الحس التربوي، مراعاة للمصلحة الفضلى لملايين التلاميذ الأبرياء وعائلاتهم التي ظلت تساند الأساتذة في معركتهم النضالية من أجل انتزع حقوقهم ومطالبهم المشروعة. وهي اليوم تناشد التنسيقيات التعليمية التي تصر على الاستمرار في شل المؤسسات التعليمية، باستحضار مستقبل المتعلمات والمتعلمين والعودة إلى فصولهم الدراسية، معتبرة أن الاتفاق الحالي استجاب على الأقل لبعض مطالبها من حيث الزيادة في الأجور ومراجعة التعويضات والترقية وغيرها...