قلم : طالع السعود الأطلسي
تمكّن المغرب، خلال العقديْن الأخيريْن، من تفعيل ديبلوماسيته وحَقْنِها بحيويّةٍ تَموْقعت بها في الفضاء الديبلوماسي الدولي بمكانةٍ مُمَيَّزةٍ وفاعلةٍ إيجابيا... يعود ذلك إلى المشروع النهضوي، الإصلاحي والتحديثي، الذي بلْوَره ويقوده جلالة الملك محمد السادس... مشروعٌ من أهم خصائصه أن مرافقه، متفاعلة ومتضامنة، بحيث أن روافعه، وهي مُنْفردة في حركيتها، مُتداخلة ومُتعاضدة في إخصابها، بلْ وفي صِحّة مَفاعيلها...وهي حالة التوجيه الديبلوماسي للمغرب الذي خططه جلالة الملك... والذي نسجَه على روافع التطورات الهامّة والنوْعية للنجاعة الاقتصادية، والحكامة الاجتماعية الجيِّدة (وتتناسل منها الفعالية الأمنية) ... ما أدّى إلى محصولٍ ديبلوماسي ثري، ضخَّ في النسيج الوطني "مُنشِّطات" صِحِّية تغذي الروافع الاقتصادية، الاجتماعية والديمقراطية والأمنية نفسها التي حملت الديبلوماسية المغربية...
اقتضى الأمر، سنوات من الكدّ ومن الإنْجاز، لكي يُنتج المغرب مقومات صلبة لحاجياته التنموية، ضمنها الأساسات الاقتصادية والاجتماعية... بما أمكن جلالة الملك، في السنوات الأخيرة، من الإعلان على أن المغرب يجعل من قضيته الوطنية المدخل الرئيس لصداقاته، ولتعاونه، في علاقاته الديبلوماسية... للمغرب ما يُعطيه في آليات المُبادلات في علاقاته الخارجية... وله أن يأخذ منها ما يُفيده، وفي الآن نفسه يكون مُفيدا لأصدقائه وفاعلا في الوضع الدولي... ذلك الاشتراط الملكي، بالدافع الوطني، أثمر تحوُّلات نوْعية في المُنْجز الوطني لتمنيع قضيتنا الوطنية، وفتح مسار جديد في العلاقات الديبلوماسية المغربية... للقضية الوطنية المغربية فيه موقعها، ولكنه مُنْفتح على مجالات حيوية أخرى... مسارٌ مُثمر من التعاون بين الإخوة والأصدقاء وعلى قاعدة الوضوح والتنافُع... للمغرب فيه مَكاسب ولإخوته ولأصدقائه فيه فوَائد... ولعل الزيارة الملكية لدولة الإمارات العربية وما أسفرت عنه من اتفاقيات التعاون والتفاعل، أكبر مثال على واقعية المقاربات الديبلوماسية التي ينهجها المغرب، قاعدتُها الفائدة المتبادلة لتدعيم الأخوَّة المتأصلة... والواقعية السياسية التي تُعقلن الحَمَاسة العاطفية...
مثال آخر من رومانيا... في الأسبوع الماضي وَشَّح الرئيس الروماني السيد محمد ياسين المنصوري بوسام "نجمة رومانيا". وهو أرفع وسام يختص بتسليمه الرئيس الروماني نفسه... اعترافًا بالتدخُّل الناجح لعناصر المديرية العامة للدراسات والمُستندات لتحرير رهينة روماني من الأسْر في بوركينافاسو... الدولة الرومانية نوَّهت بفاعلية الإدارة الأمنية المغربية، وقد تلمَّست فائدة علاقاتها مع المغرب، والتي سمَحت بهذا التدخل المغربي الناجح... وهي علاقات تَعِدُ بالمزيد من التطوُّرات في المجال الاقتصادي خاصة، بعد لقاء السيد ناصر بوريطة، وزير الخارجية المغربي بنظيره الروماني في مراكش، ماي 2022. والذي نوَّه فيه الوزير الروماني بالجهود الجادة التي يقوم بها المغرب من أجل حل سياسي عادل ودائم ومتوافق عليه ومقبول من كل أطراف قضية الصحراء، مُبرزا صِدقية مُقترح الحكم الذاتي الذي تقدّم به المغرب، في أفق الحل السياسي"... وقد كان اللّقاء مُناسبة للتباحُث في مجالات التعاوُن بين البلدين، وضمها المجال الأمني... ما يعني أن العلاقات المغربية الرومانية سرَت فيها ذبْذَبات التفاهُم وانْفتحت على مُمكنات التعاون، وقد أعلنت رومانيا عن البُعد الأمني فيه... والذي وفرته الجاهزية العَمَلِيَاتيَة "للجهاز" المغربي، وهو الذي طالته أنْفاسُ وديناميكية الحكامة الجديدة والجيدة خلال العقدين الأخيرين، مستلهما فيها موَجّهات المشروع النهضوي الملكي، ومُنخرطا فيه.