بالنظر إلى الدور الريادي والحضاري والتنموي لفعل القراءة “Reading action”، اختارت منظمة اليونسكو “UNESCO” تاريخ 19 مارس من كل سنة يوما عالميا للاحتفاء بفعل القراءة، بوصفه أحد الركائز الأساسية، إن لم يكن اللبنة الأولى للحضارة البشرية على كوكب الأرض، وهو أعظم موروث تاريخي ميز عقل الإنسان عبر الحقب والعصور؛ يختزن تدرجه في المعرفة واستكشافاته للمجاهيل، وفي آن يحمل بصماته المعرفية ومناهجه في الفتوحات العلمية والثقافية، لذا كانت الكتابة، ومن ثمة الكتاب أقدم وسيلة اهتدى إليها الإنسان لتدوين أفكاره ومعارفه وقضاياه، فلا يخلو بيت من كتاب، بل أضحى؛ في زماننا الحاضر؛ حقلا أو منتدى للتعريف بحقل معرفي معين، مهما توسعت شعبه وعملياته، حتى سارعت العديد من الحكومات إلى تشييد مكتباتها الوطنية “National libraries” كصروح حضارية؛ تختزن انفتاحها على حقول معرفية عديدة، بل هناك من المكتبات العالمية ما ألحقت بها أجنحة من حجم ملاعب كرة القدم، خصصتها لاستعراض مختلف أدوات البحث والاستكشافات التي عرفها الإنسان، ومن ثمة صار للكتاب دور ديبلوماسي في التلاقح المعرفي والتواصل الإنساني المشترك؛ على ضوئه نظمت معارض للكتاب؛ كانت أحيانا تجوب العالم على مدى سنة كاملة، لكنها لا تحط الرحال سوى على أرضية أهلها تواقون للزاد المعرفي، وكانوا منارة للعلم والعرفان.
علم القراءة “Science of reading”
“هو مجموعة أبحاث؛ تتضمن رؤى ومواقف تخصصات، كما تشمل علم النفس التنموي وعلم النفس التربوي، والعلوم المعرفية، كعلم الأعصاب المعرفي، لقد تم توثيق علم القراءة حول العالم بجميع اللغات والثقافات في دراسات كلفت ملايين الدولارات، وقد أظهر علم القراءة الأساليب التي تساعد الأطفال على تعلم القراءة على أفضل وجه، بدءا من الخطوات الأولى في اللغة المنطوقة، وحتى القدرة على فك رموز الكلمات غير المألوفة بنجاح”.
وقد تمخض عن هذا المجال المعرفي حقول دقيقة تخصصت في قراءة الصم والبكم، فضلا عن قراءة براي “Bray” لكفيفي البصر، وقراءة حركة الشفاه من بعيد “Speechreading” بل إن هناك أبحاثا جارية لتطوير قراءة الشيفرات المعقدة “Complex Code” وفك لغز أصوات فضائية، مازالت طي المجهول؛ منها لغة الطيور والحيوانات والحشرات، وحتى النباتات!
إحصائيات عن معدل القراءة
وفقا لإحصائيات 2023، صدر تقرير عن منظمة اليونسكوUNESCO يكشف عن معدلات متدنية للقراءة بالنسبة للشعوب العربية؛ فالطفل العربي فقط يقرأ بمعدل 7 دق سنويا، وأن ما يقرأه لا يتجاوز 4/1 صفحة، فيما الطفل الأمريكي يقرأ 6 دق يوميا، وأن ما يقرأه الفرد في أوروبا يبلغ نحو 200 ساعة سنويا، وبمعدل 10 إلى 25 صفحة يوميا، وأن العالم العربي يصدر 2 كتابين في السنة، في حين أن أوروبا تصدر 100 كتاب سنويا، أما بالنسبة للميزانية المكرسة للثقافة والبحث فتصل لدى الجانب العربي %5 من الميزانية العامة، منها %1.5 للبحث العلمي، مقارنة مع دول أخرى كأمريكا فتصل ميزانية الكتاب والثقافة بشكل عام معدل %23 من الموازنة العامة، يخصص منها للبحث العلمي ما بين %9 – %10.
لماذا أمة “اقرأ” لا تقرأ؟!
هناك عوامل متضافرة وراء تقاعس العنصر العربي عن فعل القراءة، وانحدار متوسط مقروءاته إلى أرقام مخيفة؛ أصبحت عنوانا لجهالته وأميته، وكهوية ثقافية له “Cultural personality” أبرزها تشييء فعل القراءة وعدم حضوره في أي مشروع ثقافي تنموي، فضلا عن اعتباره مجرد وسيلة قصيرة المدى للتكسب والتوظيف والتشغيل عموما؛ لا تفتأ أن تضمحل وتخبو شعلتها بمجرد الحصول على “خبز”، هذا إلى جانب انتفاء القراءة كعادة متأصلة في المجتمع، طالما بقيت السلطات السياسية والتربوية على الخصوص لا تعير كبير اهتمام للقراءة والثقافة عموما، أو تتوجس منها باعتبارها بوابة لكل انفتاح توعوي، وهو ما تخشاه معظم الحكومات العربية وتعمل على طمسه أو تدجيينه حتى تسود وهي محصنة من كل رياح “التغيير” والتي تنبثق أساسا من وعي ثقافي.
تدني معدلات القراءة وأثرها على التنمية
هناك آثار جانبية عديدة لتدني معدلات القراءة، يمكن حصرها في النقاط الرئيسة التالية:
– انخفاض مستوى الوعي الاجتماعي؛
– تكريس الفوارق الاجتماعية؛
– هيمنة ثقافة النصب والاحتيال والبيروقراطية؛
– انخفاض الوعي الصحي وانتشار الأمراض والأوبئة؛
– عطالة مستدامة في عجلة التطور والنماء.
هذه العوامل مجتمعة، يمكن أن تشكل بيئة خصبة لنمو ظاهرة التطرف “Extremity” بكل تلوناته، العقدي منها والاجتماعي والديني، ما يفضي؛ في كثير من الأحيان؛ إلى نشوء مواقف وسلوكيات عدوانية مرضية مزمنة.