قراءة في حـق تقرير المصير
قلم : ذ. عبد الواحد بن مسعود
يتبين من سياسة كابرانات الجزائر أنهم لا يفهمون مبدأ أو حق تقرير المصير، ولا يفرقون بين مبدأ أو حق الاستفتاء وبين مبدأ أو حق تقرير المصير، وأنهم لم يطلعوا على أي مرجع ويستقون منه ما يكفي من المعلومات للتفريق بين المبدأين، لأنهم منهمكون في حبك المؤامرات، وتقديم الرشاوى، ودعم الإرهابيين.. حتى أن ممثلهم صاحب مقعد ملاحظ في مجلس الأمن، منشغل بقضية تفتيت الوحدة الترابية المغربية ولم ينتبه إلى العدوان الغاشم على غزة وشهدائها وجرحاها، ولا فتح أي معبر لتقديم المساعدات الإنسانية للمرضى والأطفال، وتلك كارثة لم يسجل التاريخ مثيلا لها.
إن حق تقرير المصير أيها الغافلون، قبل أن يستقيم فهمه، ويتضح شعاره، مر بمراحل متعددة، واختلفت مفاهيمه وأسسه القانونية، وصدرت بشأنه عدة توصيات ولكنها كانت متضاربة، ورغم تضارب المفاهيم واتجاهاتها، لم يقصد بذلك المبدأ المس بسيادة الدولة، والمس بوحدتها وحدودها، وإنما يطبق تحديد المصير داخل الدولة بالنسبة لسياستها، وطريقة تدبير حكمها، وطرق تنميتها، ولما سيطر الاستعمار على الدول الضعيفة وسرق خيراتها، قامت حركات تحريرية وطالبت بطرد الاستعمار وجلائه، وأن يترك للشعب بعد استقلاله واسترجاع حريته وسيادته، أن يختار نمط حكمه، ويحدد مصيره بنفسه ويسلك مسالك التطور والنماء والتقدم التي تضمن له العيش في مجتمعه وفق الأسس التي يراها مفيدة وفي صالحه، ويفهم مما ذكر أن مبدأ تقرير المصير يطبق في دولة كانت قائمة بجميع العناصر المكون للدولة، وليس قيام عصابة أجنبية عن تلك الدولة وخارج حدودها وتطالب بتطبيق حق تقرير المصير، وتلك الجماعة منشقة ومشكلة من مرتزقة انتماءاتهم مختلفة، وليست لهم حتى لغة موحدة، ومن باب أولى لهم تاريخ وكيان مشترك، تاريخ سجل وجودهم، وحضارتهم، وتراثهم، وواقعة من وقائعهم.. لقد صدرت عدة توصيات وقرارات دولية، كانت كلها تقصد بحق تقرير المصير احترام حرية الرأي وحرية التعبير، وتؤكد على حرية المعتقدات وممارسة طقوسها، وإذا كانت ما بين سنة 2016 و2017 قد ظهرت مناطق تطالب بحق تقرير المصير، فإنها لم تطالب بالانفصال عن الدولة الأم كما هو الحال في كتالونيا بإسبانيا، وأيضا فينيتو ولومبارديا بإيطاليا، واسكتلندا في علاقتها ببريطانيا، وهناك فقيه مغربي متضلع ومختص اهتم بموضوع حق الشعوب في تقرير مصيرها وذكر في مرجعه القيم أنه أثناء تحليل النصوص الرئيسية الصادرة عن الأمم المتحدة (الميثاق؛ الاتفاقات؛ الإعلانات؛ قرارات الجمعية العامة) يلاحظ أن حق الشعوب في تقرير المصير يعتمد بشكل كبير على العناصر التالية:
- الاختيار الحر للوضع السياسي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافة؛
- سيادة الشعوب على مواردها الطبيعية؛
- المساواة بين الشعوب؛
- عدم التمييز؛
- المساواة في السيادة بين الدول؛
- تسوية المنازعات بالوسائل السلمية؛
- حسن النية في تنفيذ الالتزامات وفي العلاقات الدولية؛
- عدم استخدام القوة؛
- التعاون الدولي واحترام الالتزامات الدولية، لا سيما فيما يتعلق بحقوق الإنسان..
ولم يرد أو يذكر أن من جملة تلك العناصر المناداة بتطبيق حق تقرير المصير والرغبة في الانفصال عن الدولة، أو هدم كيانها أو تفتيت وحدتها، وهتلك حرمة تلاحم واندماج شعبها، ويؤكد المرجع الفقهي ما يلي: “يحيل تقرير المصير على الحرية، حرية الشخص والمجتمع في تقرير وتحديد حياته السياسية داخل أراضيه بدون تدخل خارجي”، وهذا الأساس من الحرية هو الذي تضمنته المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والذي أيدته المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والسؤال الذي كان يجب أن تطرحه السلطات الجزائرية على نفسها: هل هذه المعايير وهذا المفهوم وهذه التوصيات، تنطبق على جماعة إرهابية أسسها مع الأسف قائد عربي وهو الآن في ذمة الحق، هل كانت تلك الشرذمة متواجدة على أرض مغربية يوم تأسست هيأة الأمم المتحدة؟ هل كانت الجزائر نفسها موجودة كدولة مستقلة سنة 1945 وعضوا في هيئة الأمم المتحدة؟
إن فرنسا دلست على الشعب الجزائري ومنحته سنة 1962 استقلالا تبعيا ومرتبطا بمصالح فرنسا، بدليل أن رئيسها قدم خوذة الشرطي وتسلم رئيس الكابرانات الخوذة بفرح وسرور وهو في زيارة رسمية.
ويؤكد المرجع الفقهي أن حق تقرير المصير مرتبط فقط بتطلعات الشعوب المرتبطة بإرادة التغيير لتحقيق حقوقها المتنوعة دون أن يكون ذلك مساسا بوحدة الدولة وتماسكها، وعملا بقاعدة ابتدئ بمن تعول، لماذا لا يوافق الكابرانات ويقتنعون بحق منطقة القبايل في تقرير مصيرها مستقلة عن الدولة المنتمية إليها حاليا؟
فحق تقرير المصير – كما فسره الفقهاء – هو حق الشخص والمجتمع في تقرير وتحديد حياته وسياسته داخل أراضيه بدون تدخل خارجي، والحالة أن الموقف المفتعل ويدافع عنه عسكر الجارة الشرقية هو أن جماعة مرتزقة إرهابية اتخذت من أرض مغربية مغتصبة وكرا ومعسكرا لعرقلة استكمال نضال المغرب من أجل استرجاع ما اغتصب من ترابه خلال الاستعمار، وهدف الكابرانات هو استخدام تلك العصابة لتحقيق مطالبهم التوسعية، وانتهاك حرمة الأراضي المغربية ليصلوا إلى منفذ بحري على المحيط الأطلسي، وهي خطة لن تخرج لحيز الوجود أبدا مهما كانت التضحيات والعراقيل والمؤامرات، لأن الشعب المغربي بقيادته الحكيمة، وأبطاله على الحدود، على أتم الاستعداد ليقف سدا منيعا دون تحقيق التطلعات الدنيئة لسلطات الجزائر، والذين أصبحوا نوابا عن فرنسا لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه دون اعترافها بمغربية الصحراء، إضافة إلى أنهم غير مؤهلين للمشاركة في تلك المبادرة، ولا يتوفرون على الحد الأدنى للتعامل مع دول العالم المؤمنة بالتعايش السلمي، والتعاون القائم على الثقة والاحترام وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل دولة، والتبادل على أساس قاعدة “رابح-رابح”.
من هيئة المحامين بالرباط