ابن كيران ووهم العودة!
قلم : اسماعيل الحلوتي
منذ إعادة انتخابه أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية في مؤتمر استثنائي انعقد يوم 30 أكتوبر 2021، خلفا لرئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني الذي استقال فور تلقي الحزب ضربة قوية في انتخابات الثامن شتنبر 2021 هوت به إلى المرتبة الثامنة وحصوله على 13 مقعدا فقط بمجلس النواب، وعبد الإله ابن كيران رئيس الحكومة الأسبق وصاحب أكبر معاش استثنائي في تاريخ المغرب بقيمة 70 ألف درهم شهريا، يكاد لا يتوقف عن محاولة العودة للضوء، معتمدا في ذلك على أساليب دنيئة ورديئة.
فسعيا منه إلى محاولة الانتقام ممن مازال يرى فيهم سببا رئيسيا لإعفائه من تشكيل حكومته الثانية، لا يدع أي فرصة تمر دون توجيه مدفعيته نحوهم، سواء تعلق الأمر بمن يعتبرهم أبطال ما سمي إعلاميا ب"البلوكاج السياسي" الذي شهدته بلادنا بعد انتخابات السابع من أكتوبر 2016 وعصف به خارج كرسي رئاسة الحكومة، الذين يأتي في مقدمتهم رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش، والكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ادريس لشكر، أو بعض قياديي الحزب الذين انفضوا من حوله في وقت "الشدة"، أو المغاربة الذين لم يصوتوا لفائدة حزبه، الذي ظل جاثما على صدورهم طوال عقد من الزمن، خلال ولايتين متتاليتين أذاقهم فيها المرارة بما اتخذه من إجراءات قاسية وقرارات لا شعبية...
حيث بلغت به الجرأة ليس فقط في مهاجمة خصومه السياسيين وعدد من نساء ورجال الإعلام، بل حتى الناخبين الذين منحوا ثقتهم لأحزاب التحالف الحكومي الثلاثي بدل حزبه الذي فقد شعبيته، وإلا ما كانت الأمانة العامة للحزب أن تصدر ذلك البيان المستفز بخصوص زلزال الحوز المدمر، الذي أبى إلا أن يربطه بالغضب الإلهي، عبر ما أسماه حينها ب"المعاصي والمخالفات بمعناها العام والسياسي وليس فقط بمعناها الفردي" مما أثار سخطا واسعا في أوساط الرأي العام الوطني وردود فعل غاضبة حتى في صفوف قياديي الحزب، الذين أكد بعضهم أن ما ورد في البيان/الفضيحة يشكل انتكاسة حقيقية في خطاب الحزب، وضربا لمساعيه الحثيثة في اتجاه استرجاع بريقه...
وفي هذا السياق وبناء على ما يقوم به ابن كيران من هجمات إعلامية رعناء ضد الآخرين، لن نجد من مثل ينطبق عليه أصدق من المثل العربي القائل "إذا كان بيتك من زجاج، لا يقذف الناس بالحجارة"، حيث أنه ومنذ إعفائه عام 2016 من تشكيل حكومته الثانية وتعويضه برئيس المجلس الوطني للحزب سعد الدين العثماني، مازال "معاشه" مثار جدل واسع في الشارع وعلى منصات التواصل الاجتماعي وحتى في البرلمان. حيث اعتبر أحد نواب الأمة في جلسة مناقشة مشروع قانون المالية برسم سنة 2024 أن قيمة "معاشه" تغطي ما يقابل الدعم المباشر لحوالي 180 أسرة فقيرة، إذ ما قيمة 500 درهم أمام 70 ألف درهم شهريا، التي يتقاضاها الرجل دون قيامه بما يفيد استحقاقه لذلك؟ اللهم إلا إذا كان "المعاش" الذي يعتبره إخوانه في الحزب قرارا ملكيا لا يقبل النقاش، مكافأة على ما أقدم عليه من قرارات أتت على الأخضر واليابس، متمثلا بعضها في تحرير أسعار المحروقات وانعكاسه سلبا على القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، عبر الزيادات الحارقة في أسعار باقي المواد الأساسية، الإجهاز على أهم المكتسبات الاجتماعية من وظيفة عمومية وتقاعد وإضراب وغيره...
فابن كيران لم يقف عند حد مهاجمة رئيس الحكومة أخنوش ووزير العدل عبد اللطيف وهبي وغيرهما، بل قام كذلك في إطار المزايدات السياسوية بالتهديد بتنظيم "مسيرة مليونية" ضد أي مساس بالمرجعية الإسلامية بخصوص مراجعة مدونة الأسرة، حيث قال في مارس 2024 خلال مهرجان وطني من تنظيم حزبه "الشعب المغربي يجب عليه أن يتحرك اليوم لأنه لن يقبل بما يقع، وإن اضطررنا للخروج في مسيرة مليونية، فنحن مستعدون لها" كما أنه عاد بمناسبة عيد الأضحى لإشعال فتيل التوتر، مشبها دعم الحكومة لمستوردي المواشي برشوة انتخابية سابقة لأوانها...
ثم إنه ليست وحدها المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام الوطنية ومنصات التواصل الاجتماعي، التي ما انفكت تنتقد بحدة وأحيانا بسخرية لاذعة خرجات ابن كيران، التي طالما أثارت استياء عميقا وردود فعل ساخطة، بل هناك صحف ومواقع أجنبية أخرى ومنها مثلا الموقع البريطاني "ميناس أسوشيتيس" المتخصص في التحليلات الاستراتيجية والسياسية، الذي أكد على أن ابن كيران كثيرا ما يستغل بعض المناسبات وخاصة تصريحات وزير العدل وهبي بخصوص ما اقترحه من إصلاحات على مدونة الأسرة والتشريعات الجنائية المتعلقة بالحريات الشخصية وحقوق المرأة تحديدا، من أجل التأكيد على دور حزبه في الدفاع عن القيم وتقاليد البلاد.
إن على ابن كيران الذي فقد مصداقيته جراء ما أقدم عليه خلال توليه رئاسة الحكومة، من قرارات جائرة وإساءة إلى منصبه بشعبويته وتصريحاته الهوجاء، أن يدرك جيدا أن المغاربة لن يسمحوا له أبدا بالعودة مهما كلفهم الأمر من تضحيات. وقد بدا ذلك واضحا عبر ما ألحقوا بحزبه من هزيمة نكراء في انتخابات 8 شتنبر 2021، وجعلوه يهوى إلى المرتبة الثامنة بدل الأولى والحصول فقط على 13 مقعدا عوض 125 مقعدا في انتخابات 2016. ثم كيف لهم القبول بشخص ظل يتفنن في قهرهم ويكن لهم الحقد والكراهية، ولا يتردد في وصف مخالفيه الرأي بالحشرات؟