كان العطر عطرا مقدسا لأن صانعته قديسة.
قلم ذ : محمد شخمان
لقد أوصت المعلمة واسمها الفهرية حفدتها أن زمنا ما سيأتي وستظهر قديسة ببلاد مجاورة وعلى أهل البلاد أن يتحلوا بالنية الخالصة ويستقبلوا القديسة.
ماتت المعلمة، ومات العلم وبقيت المَعْلَمَـةُ. وبعد زمن ظهرت القديسة.
القديسة حزنت حزنا شديدا لأنها لم تدرك زمن المعلمة فأقسمت أن تصنع عطرا تسقي به قبر المعلمة كل صباح حتى تتعطر مدينتها.
أخذت القديسة وردا، وبعد أن نزعت منه الأشواك صنعت عطرا مخنثا اسمه عطر الأشواق، وفي يوم جمعة رشت الصانعة عطرها على قبر المعلمة، نهض شبح من قبر المعلمة وعمد القديسة، وبارك عطر الأشواق، ذاك العطر المخنث.
في بلاد القديسة صاحبة العطر، كان رجل قد مات نصفه. ومنذ أن مات نصفه أصيب بمرض يدعوه الحكماء مرض تصحر الأشواق، فأصبح يمشي فوق الأشواك ثلاث سنين وثلاثة أسابيع. وفي يوم من الأيام وهو يزور عرافة البلاد و العباد كما هي عادته، حدثته الأخيرة عن عذراء ليست كمريم المجدلية، إنما اسمها العزباء نورة.
الرجل المصاب بتصحر الأشواق أخذ التميمة التي كتبت له العرافة فقرأ اسم نورة بالألف وبدت له نورا على نور أصابه في عينيه من شدة بريقه.
وفي إحدى الصباحات اقتنع الرجل أن خلاصه يكمن في اقتفاء أثر العزباء نورة، فأخذ التميمة بيده اليمنى وظل يبحلق فيها ويقول أحمد الله، قالها ثلاثة عشر مرة.
ظل الرجل ثلاثة أشهر وثلاثة أيام وهو في كل صباح يأخذ التميمة وينظر إليها وهو يردد أحمد الله، وكان في كل مرة ينظر إليها يرى طريقا بنهايته ضوء ونهاية أشواك.
في الليلة الثالثة بعد الأشهر الثلاثة نام الرجل نوما هادئا والتميمة تحت وسادته. وعند طلوع الفجر حلم أن ذاك الطريق الذي يؤدي الى النور يوجد ببلاد سبعة رجال وناداه المنادي أن خلاصه من الأشواك سينتهي إن هو ذهب الى بلاد سبعة رجال حيث سيجد هناك العزباء.نورة، وهو على حاله في الحلم سمع نورة تناديه، تعال يا أحمد، تعال يا أحمد، تعال يا أحمد.
استيقظ أحمد واستعاد حلمه وقرر أن يذهب الى بلاد سبعة رجال.
جهز الرجل ناقته وقرر الذهاب الى بلاد سبعة رجال، وفكر في أحسن هدية يمكن أن يذهب بها الى العزباء نورة، وبعد تفكير طويل قرر أن يحمل لها معه العطر المخنث الذي صنعته القديسة من الورد الخالص.

انطلق أحمد من بلاد القديسة راكبا ناقته قاصدا بلاد سبعة رجال، وبعد سبعة أيام وصل الى ساحة الفنا.
وجد العزباء نورة بساحة الفنا تلاعب قردا.
عقل ناقته وذهب الى حيث هي.
تصافح الاثنان دون عناق لأن الشيوخ ببلاد العزباء يقولون إن العناق يجلب النحس، وبعد المصافحة ذهب أحمد ونورة الى دار الضيافة وهناك حكت له نورة أن مهارتها في علاج مرض تصحر الأشواق أخذته من شيخ من بلاد وادي نون وأن الشيخ اسمه عمران وكان الأطفال تشريفا له ينادونه قيد حياته ب با عمران، ومما يحكى عن هذا الشيخ أنه كان يحرس قبيلته من اللصوص مدة إثنين وأربعين سنة، وقبل وفاته وعد أهلها أنه سيحرسهم وهو في قبره طيلة حياتهم.
بعد انتهاء العزباء من الكلام عن نفسها وأهلها وعن كونها مريضة بمرض يسميه الحكماء بمرض توحد القلب تحدث أحمد عن نفسه وأهله ومرضه، وبعد أن حكى كل منهما للٱخر همه وغمه ذهب أحمد الى ناقته وأخذ من الشوال العطر المقدس وأهداه للعزباء.
شكرته واتفقا على اللقاء ثانية بعد يوم، ولما التقيا في المرة الثانية وجدا أنهما متفقان على كل شيء وكانت العزباء تردد حكمتها الشهيرة ( يكون خير )، وفي نهاية اللقاء اتفق الإثنان على موعد ثالث وعند اللقاء وجد كل منهما دواءه عند الٱخر وتواعدا على الوفاء وعلى أن يلتقيا في الجمعة الثانية ببيت الشيخ الكامل كي يعمدهما ويبارك ارتباطهما ويرشهما بيده الشريفة بالعطر المقدس.
بعد أن انتهت سبعة أيام غادر أحمد بلاد سبعة رجال متوجها إلى بلاده.
وفي اليوم المحدد ذهب أحمد الى بيت الشيخ الكامل وانتظر حضور العزباء نورة غير أنه تفاجأ لما قال له الشيخ إنها لن تحضر وقد أرسلت رسولا جاءك بتميمة وقرد اشتريته منها مقابل العطر الذي أعطيتها.
اندهش أحمد وغادر بيت الشيخ في يوم قائظ. وفي طريقه ظل يفكر في السبب الذي جعل العذراء تتخلف عن الموعد ففتح التميمة عله يفك لغز الغياب.فما وجد بالتميمة سوى حرف واحد كتب سبع مرات هو حرف الهاء ههههههه