اختتام استثنائي لفعاليات الدورة 6 لمهرجان الشعرالمغربي الديوان السادس لدار الشعر والشعراء بمراكش يحتفي بأجيال وتجارب الشعر المغربي
ازيلال 24 : دار الشغر
خط حفل اختتام الدورة السادسة لمهرجان الشعر المغربي، والذي نظمته دار الشعر بمراكش على مدى ثلاثة أيام (25-26-27 أكتوبر)، فهرس الديوان السادس لدار الشعر والشعراء بمراكش. اختتام استثنائي في فضاء حديقة عرصة مولاي عبدالسلام، هذا الفضاء الذي يذكرنا بحدث تاريخي يتمثل في قيم الحب. 40 شاعرا وناقدا وإعلاميا استضافتهم دار الشعر بمراكش ضمن فعاليات، توزعت على فضاءات مختلفة في المدينة، بين القراءات الشعرية والمنتدى الحواري والفقرات الموسيقية والتكريمات والتتويجات والتوقيعات، ظل المهرجان يزكي أفق التعاون الثقافي المشترك بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل، ودائرة الثقافة في حكومة الشارقة، وهو ما أكد عليه السيد هشام عبقاري مدير مديرية الفنون، في تقديمه كلمة السيد محمد مهدي بنسعيد، والذي أشاد بالتعاون الثقافي الذي يجمع دائرة الثقافة في الشارقة ووزارة الشباب والثقافة والتواصل المغربية، كما نوه بالجهود المتميزة التي تقوم بها دار الشعر في مراكش تتويجاً لثماني سنوات من الإشعاع الثقافي المتواصل، والذي امتد من هذه الحاضرة العريقة إلى مناطق واسعة من الصحراء المغربية".
وأكد السيد عبدالله العويس، رئيس دائرة الثقافة بالشارقة، على أن مهرجان الشعر المغربي يأتي "في دورة جديدة ليمضي في مسيرة نبيلة تهدف إلى تتويج العطاء الشعري بمهرجان تسهر عليه دار الشعر بمراكش وتؤثّثه بمفردات الأدب والثقافة والفنون". وحضر حفل الافتتاح، ليلة الجمعة 25 أكتوبر بفضاء عرصة مولاي عبدالسلام، لفيف من المثقفين والاعلاميين والشعراء والمسؤولين. وبحضور هشام عبقاري مدير مديرية الفنون وعبدالله العويس رئيس دائرة الثقافة بالشارقة، ومحمد القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة، الى جانب ضيوف المهرجان.
ويأتي احتضان مدينة مراكش لمهرجان الشعر المغربي في دورته السادسة، تتويجا للعديد من التظاهرات الكبرى التي احتضنتها المدينة، تزامنا مع اختيار مراكش عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي لعام 2024، وقد سبق لدار الشعر بمراكش أن افتتحت هذه الفعاليات، وبتنسيق مع منظمة الايسيسكو بتنظيم ندوة كبرى حول صورة مراكش في الأدب. وانطلق حفل الافتتاح بتقديم شريط وثائقي، يوثق لسيرة برامج الموسم السابع لبرنامج دار الشعر بمراكش، وقدم أهم اللحظات والإشراقات من زخم للفعاليات الشعرية والثقافية والورشات والتوقيعات والجوائز.
وحافظ مهرجان الشعر المغربي، ومنذ دورته الأولى، على هويته الخاصة في تنظيم فقراته في الفضاءات العمومية المفتوحة وفي احتفائه بالتعدد اللساني والتنوع الثقافي المغربي، وتجسد هذا الأمر خصوصا في لحظة التكريم والتي خصت كل من، الشاعر والمترجم المهدي اخريف والشاعرة والباحثة في الثقافة الأمازيغية فاطمة الفايز والشاعر الحساني أحمد محمود ماء العينين ولد النيسان، في مواصلة الاحتفاء بالتنوع الثقافي والتعدد اللساني المغربي، كما تم تتويج الفائزين في مسابقتي: أحسن قصيدة والنقد الشعري للشعراء والنقاد والباحثين الشباب، في دورتها السادسة.
وقدم كل من الناقد الدكتور موراد المتيوي والناقدة الدكتور نادية العشيري تقريري لجنتي التحكيم المسابقتين، والتي توجت كل من: في جائزة النقد الشعري فاز كل من عبدالله صدوكي عن بحثه «التبريح القرائي في التشريح المقروئي، تجاذبات نصية مع نصوص شعرية مغربية»، وخالد العنكيري عن بحثه "تأويلية العتبات في الشعرية العربية المعاصرة"، وفاضمة نايتخويا لحسن عن بحثها «الشعر النسائي الأمازيغي: الذات ورؤيا العالم».
وفي جائزة أحسن قصيدة فاز الشاعر حسين أقديم عن قصيدة «ابن الريح»، والشاعر محمد كبداني عن قصيدة "ثلاث مقاهٍ بنكهة الموت"، ومحمد الفتوح عن قصيدة "على شفا نهاية". كما شهد حفل الافتتاح، تقديم لوحة "قصيدة مراكش" من أداء الشعراء: الشاعرة والفنانة مجيدة بنكيران، والشاعر ابراهيم صوري ابراهيم تراوري (من مالي)، والشاعر إدريس بنعطار، وقدم الفنان ياسين الرازي، مقاطع موسيقية على آلة الكمان، ضمن مقام فني موسيقي حي أبهر الحضور من عشاق الشعر، فيما أحيت الفنانة شيماء عمران، الحفل الفني للافتتاح بمشاركة الفرقة الموسيقية أصيل من مراكش. وتواصلت فعاليات اليوم الثاني من المهرجان، السبت 26 أكتوبر، الساعة العاشرة صباحا، في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة القاضي عياض، بتنظيم منتدى المهرجان حول موضوع "الشعر والسيرة: ذاكرة الشاعر وسير القصيدة"، بمشاركة النقاد والباحثين: دة. نادية العشيري، د. عبدالجليل لكريفة، د. مراد المتيوي، وأشرف على تأطير الندوة الباحث الدكتور عبداللطيف السخيري.
وطرحت ندوة المهرجان سؤالَ العلاقة الملتبسة والمشتبكة بين "الشعر والسيرة: ذاكرة الشاعر وسير القصيدة". كانت نقطة الانطلاق، إذن، هي استشكال هذه العلاقة، من خلال ما عرفه الميثاق السيرذاتي من انزياحاتٍ، بما طرحته الكتابة الشعرية من عودة إلى الذات وتخييلاتها المتمركزة حول التاريخ الشخصي لتنظيم شظاياهُ، أو تحطيم تماسكها المزعوم نحو تشظيةٍ تسمح بإعادة بناء هوية ذاتٍ هي دوماً آخرُ، بتعبير رامبو الشهير. بين تمفصلات الأنا والعالم والنص تقع اللغةُ ونظامها الإحاليُّ المراوح بين الواقعي والتخييلي.
في المداخلة الأولى بعنوان: "القصيدة السيرذاتية: ذات الشاعر بين التسريد والتخييل"، عمّق الناقد مراد المتيوي أسئلة الكتابة الشعرية السير ذاتية، معتبراً أن التحولات التي عرفتها القصيدة العربية، وتحول وظيفة الشعر والشاعر، كانت دوافع إلى اعتبار السيرة هي المنقذ بما أفسحتهُ من ربط بين المرجعي والتخييلي، وابتكار لغة جديدة، وخلخلة للضمائر في سبيل البحث عن أصالة التعبير. واتخذ الناقد من ديوان عبد القادر الشاوي "بالنيابة عني يا أيها القناع" (2023) متناً لإبراز اشتغال السيرذاتي في قصائده، من خلال تجربة الاعتقال والسجن التي حاول الشاعر بعدها لملمة شظايا ذاته، وتجاوز أثر الفجيعة بضمير المتكلم الذي يتحول بكيمياء الكتابة إلى صوت الإنسانية جمعاء.
أما مداخلة نادية العشيري الأستاذة بمعهد الملك فهد للترجمة فقد أشارت إلى ارتباط السيرة بالشعر في ثقافتنا العربية من خلال معرفة حياة أغلب الشعراء من خلال أشعارهم، غير أن هناك اختلافاً عن الثقافة الغربية، نظراً لارتباط الكتابة السيرية بمدى توفر الحرية، ومفهوم الذات، ولعل مثال محمد شكري وخبزه الحافي أكبر دليل على التضييق الذي يمكن أن يلاقيه هذا الاختيار الكتابي. ونظراً لتوفر هامش من الحرية، والاعتراف بنون النسوة في الثقافة الأندلسية، ساءلت الناقدةُ تقاطعات السيرة مع الكتابة الشعرية النسائية من خلال نماذج من أشعار الشواعر الأندلسيات، وعلى رأسهن ولّادة بنت المستكفي، وما طرحتهُ تجربتها الشعرية من ثورةٍ سببها الأساسُ الربط بين تخييلية قصائدها وواقعها الفعليّ.
أما المداخلة الأخيرة فكانت من إلقاء عبد الجليل لكريفة عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، واختار أن يُسائل تنافُذَ السيريّ والشعريّ من خلال قصيدة الجيلالي مثيرد: "فاطْما"، التي تندرج في شعر "الملحون" بوصفه من ركائز الشعر المغربي، وعلامة الهوية المغربية، وترجُمان حضارتها. وُلدت هذه القصيدةُ في تخوم الشعري والسياسيّ؛ إذ هي تعبير عن الصراع بين السلطة الحاكمة والزاوية الشرقاوية التي ينتمي إليها الشاعر الجيلالي مثيرد. وهكذا، عمدت الكتابة الشعرية في القصيدة إلى التوريات والاستعارات من أجل التعبير عن واقعٍ مرجعيٍّ. وقد كان لهذه القصيدة الـمُغنّاةِ دورٌ في تجاوز التوتّر بين الزاوية والسلطة، من خلال ارتباطها بواقعها من جهة، وعدم تضحيتها - من جهة ثانية-بالجانب الجماليّ الذي يجعلها إلى الآن من فرائد قصائد الملحون الـمُغنّاة.
" سيرةٌ شعرية"
في ارتباط بمحور الندوة، اقترحت دار الشعر ان يستمع جمهورها إلى تجاربَ شعرية يستقي شعراؤها في كتابتهم من معين السيرة الذاتية. وهكذا، استمتع الحصور بإلقاءات شعرية متنوعة بين القصيدة العمودية، وقصيدة النثر، من طرف الشاعرة عائشة عمور التي ساءلت اللغةَ باعتبارها حجاباً، والشاعر يوسف الأزرق الحذرُ من الأمنيات بوصفها مكائد، والشاعر أيوب آيت لمقدم الذي يرى في الهموم قلائد في الصدر، والشاعر عمر العسري التائه في "7 تْلاوي" بمراكش، حيث تنتصر المتاهةُ على إمكان الوصول إلى الذات.
واستضافت كلية اللغة العربية بمراكش فقرة "محاورات"، والتي أدارها الشاعر نجيب خداري، بمشاركة مكرمي المهرجان وهي جلسة خصصت للقاء طلبة الماستر والدكتوراه، في لحظة استعادت مسارات تجارب متعددة في مجال الإبداع والترجمة والنقد. وشرح الشاعر ولد النيسان بعضا من بلاغة النص الشعري الحساني، في تركيز دقيق على بناء ونسق القصيدة وبنية الكاف، كما تناول تقاطعاته مع القصيدة العربية. فيما قدمت الشاعرة والباحثة فايز تجربتها مع الشعر الأمازيغي، ومسارها في الكتابة الإبداعية والبحثية وأيضا النثر. والتقى جمهور الشعر في حديقة الشعر عرصة مولاي عبدالسلام، مع فقرة "نبض القصيدة"، من تقديم الإعلامية صوفية الصافي، وبمشاركة الشعراء: إيمان الخطابي، محمد النعمة بيروك، جمال الموساوي، محمد أحمد بنيس وبمشاركة الفنان مولود عقا في لحظة مقام على آلة القانون.
واختارت القصائد أن تنصت لنبض اللحظة، ولنبض القصيدة معا. قصائد تشرح هذا الانجراح المرير لصوت الشاعر اليوم، ولعلها نفس المرارة التي استشعرها الجمهور، وهو يردد مع الشعراء بعضا من مقاطع "الصمت" والذي لف الحديقة ككل. وضمن فقرة "أبجديات وموسيقى" شارك الشاعر والفنان التشكيلي فؤاد شردودي الى جانب الفنان محسن لحمين، ضمن فقرة ثابتة ترسخ عمق حوارية الشعر والفنون. حوارية تجاذبت فيها النصوص الشعرية مع مقامات آلة الكمان، في حوار متواصل، حيث يصبح الشاعر "عازفا" لمقامات وشجن الفنان، هذا الأخير يصدح بصور ومجازات الشاعر جملا موسيقية تحلق بين أغصان أشجار حديقة الشعر.
وانطلقت فعاليات اليوم الختامي، الأحد 27 أكتوبر صباحا، بفقرة "شعراء قادمون الى المستقبل"، سهرت على تقديمها الشاعرة سمية آيت زهرا إحدى إشراقات مشتل دار الشعر بمراكش، وكما نوه الى ذلك الأستاذ رشيد المسطفى، رئيس قسم التعاون بوزارة الشباب والثقافة والتواصل، قطاع الثقافة، والذي أكد على الدور الريادي التي تقوم الدار مع الفئات الصغرى للأطفال واليافعين والشباب، في رهان على المستقبل، كما شدد على اللحظة الاستثنائية التي شكلتها فعاليات الدورة السادسة لمهرجان الشعر المغربي. وشارك الشعراء رشيد فجاوي، وكريم آيت الحاج، وعيني أمنيصير، ونعيمة موحتاين، في ديوان مغربي متعدد الألسن والهوية (فصيحا وأمازيغية وحسانية)، أهدى آيت الحاج قصيدته لضحايا زلزال الحوز، وعاد امنيصير الى "كافاته" الحسانية المليئة بالحكم، فيما اختارت موحتاين تقاسم حلمها مع الجمهور في فقرة قدم لها الشاعر فجاوي بقصيدة حب.
وتم توزيع شواهد المشاركة على المرتفقين والمرتفقات للفوج السابع من ورشات الكتابة الشعرية، (للأطفال واليافعين والشباب)، وقد وصل عدد المستفيدين هذه السنة الى ما يقارب 260 مستفيد (ة). فيما واصلت الدار الانفتاح على مراكز نقط العمومية البعيدة، كمعهد السبتي للمكفوفين ودار الثقافة تامنصورت ومكتبة تيديلي، الى جانب المؤسسات التعليمية وجمعيات المجتمع المدني. والتقى جمهور وعشاق الشعر مساء، في حديقة الشعر مع أصوات شعرية جديدة وبمشاركة الشعراء: خديجة السعدي، ومهند دويب من فلسطين، ونورالدين محقق، وسليمان الدريسي، ضمن فقرة "رؤى شعرية"، والتي أشرف على تقديم فقراتها الإعلامي أنس الملحوني، وشهدت تقديم فقرات موسيقية للفنان جمال فراكي. واختصر الشعراء علاقتهم بالأمكنة وبالفنون وبالتباسات اللحظة، إذ حضر الصوت الشعري الفلسطيني وهو يبحث عن "أنا" المنسربة بين ثنايا الغياب، فيما "شكل" الشاعران دريسي ومحقق ولعهما الفني بالتخطيط اللغوي والسينمائي الجمالي، وحضرت الشاعرة السعيدي بصوتها المنفرد وهي تعيد رسم التباسات اللحظة لصوت الأنثى والتيه.
فقرة "أبجديات وكوريغرافيا" للثنائي الشاعر عبدالسلام بن فينة والفنان عبدالجليل قدسي لحظة ثانية في تفاصيل المهرجان، وحوار شعري وفني آخر، وهذه المرة أداء ممسرحا وقوة في التعبير الموسيقي من خلال مقام الكناوي. وأحيت الفنانة منال محمد مع فرقة دار آلة العود بمراكش، الحفل الختامي للمهرجان واستعادة أشهر أغاني ماجدة الرومي واسمهان فيما اختتمت بالأغنية المغربية بين حدائق الشعر في ضيافة دار الشعر والشعراء مراكش.