قلم : محمد إنفي
ما يقع في فلسطين من جرائم حرب وإبادة جماعية ودمار شامل يسائل الضمير العالمي في شخص مجلس الأمن الدولي، ويسائل القانون الدولي الإنساني والأمم المتحدة وكذا طرفي (أو أطراف) الصراع رغم ما بينهما من تباين صارخ في المسؤولية؛ إذ لا يمكن أن نساوي بين دولة احتلال تمارس إرهاب الدولة بأسلحة فتاكة في حق المدنيين العزل والنساء والأطفال بمن فيهم الرضع، وبين حركة مقاومة تواجه الاحتلال الصهيوني العنصري بما يتوفر لها من وسائل الدفاع والمقاومة؛ وبمعنى آخر، لا يمكن أن نساوي بين الضحية والجلاد.
وإذا ما تساءلنا عن الوضع في غزة قبل 7 أكتوبر 2023، فإننا قد نستنتج بأنها كانت تعرف نوعا من الهدوء والحياة الشبه عادية، وإن كانت تعيش تحت حصار جائر؛ لكن ما حدث يوم السابع من أكتوبر، قلب الوضع رأسا على عقب وجعل غزة تتحول إلى مسرح لحرب طاحنة ومدمرة للبشر والحجر. أليس في الأمر ما يدعو إلى التساؤل ومحاولة فهم ما جرى يوم سابع أكتوبر؟ فهل ما أقدمت عليه حماس كان بمحض اختيارها وإرادتها أم كان هناك من شحنها وشجعها (حتى لا نقول دفعها إلى) على المغامرة؟ ألم تكن تقديرات حماس وخطواتها غير محسوبة العواقب؟ ألم تسقط في فخ دولة الاحتلال؟ وهل استحضت مسألة الربح والخسارة قبل أن تقدم على تلك الخطوة؟، الخ.
لنحاول التجرد من العاطفة الجياشة قدر المستطاع في ملامسة الموضوع، ونبتعد عن الشعارات الحماسية المدغدغة للعواطف والتي ينتهي مفعولها بانتهاء مناسبة إطلاقها، كما يحدث مع المظاهرات الاحتجاجية أو التضامنية وكذا مع المهرجانات الخطابية السياسية. فالشعارات، مهما كانت قوتها، يبقى تأثيرها لحظي ولن تشكل وسيلة فعالة للدفاع أو المقاومة، ولن تفلح حتى في تقديم كلام منطقي يخاطب العقل والوجدان معا.
إن ما أعقب ما سمي بـ"طوفان الأقصى" من خراب ودمار شامل في غزة وما مارسه ويمارسه الكيان الصهيوني من إبادة جماعية وتطهير عرقي لا يستثني لا الأطفال ولا النساء ولا الشيوخ، وما قام ويقوم به من اغتيالات سياسية، يثير تساؤلات عميقة ومقلقة لدى أولي التفكير السليم وأصحاب التحليل السوي (ولا أزعم أنني منهم؛ فلست دارسا للمنطق والفلسفة ولا للعلوم السياسية والعلاقات الدولية) القائم على المنطق وليس على العاطفة. فتساؤلات هؤلاء تُثار حول دور إيران وموقفها من كل ما ذُكر. وحسب المنهاج العلمي المتبع من قبل أصحاب التخصص، والذي يرفض الشحن العاطفي والمقاربات الرومنسية والإيديولوجية الحالمة، فإن التحليل المبني على المنطق وعلى المؤشرات والمعطيات الواقعية، يفضي إلى القول بأن إيران لها يد فيما وقع من أحداث فجر يوم السابع من أكتوبر.
وقد أكد هذه الحقيقة القيادي الحمساوي في لبنان، السيد أحمد عبد الهادي، في رده على سؤال لمجلة نيوزويك الأميركية بقوله: "نسقنا مع حزب الله ومع إيران قبل وأثناء وبعد هذه المعركة على أعلى المستويات؛ لكن تعرضنا (...) إلى خيانة واضحة ووعود كاذبة من إيران… نعم خيانة واضحة ووعود كاذبة" (أنظر "الناس نيوز"، جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة، بتاريخ 22 أكتوبر 2023). وكشفت نفس الجريدة في فقرة من نفس المقال، وضعت لها العنوان التالي: "الغدر الإيراني واستخدام حماس كأداة، والقضية الفلسطينية كورقة مفاوضات"، كشفت على لسان خالد مشعل، خطة وضعتها إيران تتمثل في الهجوم المشترك في وقت واحد وساعة واحدة وبطريقة مفاجأة على غرار حرب السادس من أكتوبر قبل خمسين عاما؛ وكان مقررا لها أن تكون يوم السابع من أكتوبر. وكانت الخطة هي أن تهجم حماس على مستوطنات غلاف غزة حتى تصل إلى الضفة الغربية وفي نفس التوقيت تهجم ميليشيات حزب الله اللبناني على شمال اسرائيل وتحتل المستوطنات فيما تهجم الميليشيات الشيعية في سوريا على هضبة الجولان، وتقوم إيران بإرسال صواريخ بعيدة المدى تطلق من العراق وسوريا لضرب البحر المتوسط (بتصرف). وقد جاء موقف حماس ردا على مندوب إيران في الأمم المتحدة الذي قال بصريح العبارة: "إذا لم تُهاجم إسرائيل طهران ومصالحها فلن تتدخل إيران في الصراع في غزة" (نفس المصدر).
وهكذا يتضح بأن إيران قد غدرت بحماس؛ وهذا ليس مستغربا من نظام يتاجر بالقضية الفلسطينية ويساوم بها من أجل مصالحه. وتجار القضية عندنا يعتبرون إيران محور مقاومة، بينما هي محور مساومة. فهل سيستفيق المغفلون المخدوعون في إيران التي تخلت عن حماس وتركتها وحيدة تواجه الغطرسة الصهيونية؟ وبهذا، فقد سهلت على الكيان الصهيوني المجرم أن ينتقم من الشعب الفلسطيني ويمارس عدوانيته عليه بأبشع السبل وبوحشية غاية في القذارة والانحدار الأخلاقي؛ وذلك على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي بمؤسساته القانونية والقضائية ومؤسساته التنفيذية وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي. وقذارة إيران ودمويتها تكاد تضاهي دموية الكيان الصهيوني. وخير دليل على هذا ما قامت به من جرائم بشعة هي وأذرعها في العراق وسوريا واليمن.
خلاصة القول، جرثومتان تهددان الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.؛ إنهما إيران وإسرائيل اللتان تشتركان في الغدر والخيانة وفي الخبث والقذارة. وليس مستبعدا أن يتفقا تحت الطاولة، بوساطة أو بدونها، على صفقات سياسية تخدم مصالحهما المشتركة بغض النظر عمن يكون الضحية