متى تستفيق القصيبة وتلقي عنها ثوب السبات؟
قلم : عبدالقادر كلول
هرمنا، نعم هرمنا، ونحن ننتظر أن تشرق شمس القصيبة بلون أبيض ناصع، يبعث في أوصالها بعضاً من أمل، ويغسل عنها غبار النسيان. هذه البلدة الصغيرة، المعلقة بين الجبال والغابات، تئن بصمت تحت وطأة التهميش، بينما تمر الفرص من حولها كما تمر الغيوم العاجلة، لا تلقي إليها ببشارة مطر.
القصيبة، هذه المدينة الجبلية الوديعة، التي تقع في حضن الأطلس المتوسط، تمتلك من المؤهلات الطبيعية والسياحية ما يجعلها وجهة سياحية بامتياز، بل قِبلة لمحبي الطبيعة والهدوء والمغامرة. غابات الصنوبر والسنديان، منطقة أفلانفران الساحرة، بعيونها المتدفقة، وغطائها النباتي المتنوع، وساكنتها التي لا تزال تحفظ روح الكرم والبساطة. هذه المنطقة، تختزن كنوزاً طبيعية وإنسانية تجعل منها فضاءً مثالياً للسياحة البيئية والتنمية المستدامة. منتزه تاغبالوت بمياهه الرقراقة وهوائه العليل، الجبال التي تحيط بها وتحتضنها بحنو الأمهات، كلها مقومات لا تُشترى ولا تُصنع، بل وهبها الله لها، فماذا ننتظر؟
الآن، والمغرب يستعد لاستضافة كأس العالم سنة 2030، حدث بحجم العالم، وتظاهرة ستسلط الأضواء على كل شبر من هذا الوطن، حان الوقت لنفكر: أين موقع القصيبة من كل هذا؟ هل سنكتفي بالمشاهدة من وراء الشاشات بينما قوافل السياح تمر من أمامنا دون توقف؟ هل سنبقى نندب حظنا التعيس بينما الفرص تنفلت من بين أيدينا؟
القصيبة ليست مدينة بلا روح، بل هي مدينة نائمة تنتظر من يوقظها من سباتها. شبابها، رغم الإقصاء والتهميش، يحملون مشاعل الإبداع والمبادرة. منهم من يبدع في الفن، ومنهم من يهتم بالبيئة، ومنهم من يتقن اللغات والسياحة الجبلية، لكنهم يُتركون في عزلة، بلا دعم، بلا برامج، بلا بنية تحتية تليق بمجهودهم.
كيف يمكن للقصيبة أن تستفيد من كأس العالم؟ الجواب بسيط ومعقد في آنٍ معاً: بتفعيل الرؤية الترابية، ودمجها في الدينامية الوطنية للتنمية. لن تكون القصيبة ملعباً لكرة القدم، لكنها يمكن أن تكون مقراً للراحة والاستجمام للسياح، وأن تتحول إلى وجهة للتنزه الجبلي، والرحلات البيئية، والتعريف بالتراث اللامادي الذي تزخر به، من طبخ تقليدي، إلى موسيقى شعبية، إلى معارض للصناعة التقليدية و المنتجات الفلاحية المحلية.
لا يمكن الحديث عن التنمية دون إرادة سياسية. يجب على المسؤولين المحليين والجهويين أن يستفيقوا من سباتهم، وأن يتحلوا بإرادة وجرأة سياسية و يدركوا أن المدينة، لو حظيت بالقليل من العناية، يمكن أن تتحول إلى نقطة جذب حقيقية. لماذا لا يتم تجهيز البنية السياحية من فنادق ونُزُل عائلية؟ وإعداد مسارات سياحية بيئية في الغابات المجاورة؟ وتنظيم مهرجانات ثقافية موازية لأحداث كأس العالم، تُعرّف بالمنطقة؟ ودعم الشباب في مبادراتهم السياحية والثقافية والرياضية؟ ثم إعادة تأهيل منتزه تاغبالوت وتوفير وسائل النقل منه وإليه؟ هذا غيض من فيض مما يمكن التفكير فيه وترجمته على أرض الواقع. فهل نجرؤ على الحلم؟
القصيبة اليوم لا تطلب معجزات، بل فقط أن يُؤمن بها أبناؤها أولاً، ثم من يقررون في دهاليز الجماعات والمجالس والمخططات.
كأس العالم فرصة ذهبية، ومن لا يقطف الذهب حين يلمع، فلن يجد منه سوى السراب. هل نستفيق ونحول جمال طبيعتنا وموقعها الاستراتيجي إلى فرص اقتصادية؟ أم أننا سنظل نردد كما هي عادتنا منذ الأزل: "يوماً ما ..."