وراك هترتي أسّي
بقلم رشيد نيني
يا له من خبر سار أن تعرف أن رئيس الحكومة ترك جميع انشغالاته لكي يهتم بقياس مستوى شعبيتك.
ولقد شعرت حقا بالسعادة وأنا أقرأ في وسائل الإعلام أن رئيس الحكومة في لقاء مع كتابه المجاليين في بوزنيقة حذر موقعا إلكترونيا من خطر فقدان شعبيته لأن الناس “غادي يعيقو بيه” كما حدث معي.
وإذ أشكر للسيد رئيس الحكومة حرصه على شعبيتي، التي بالمناسبة يعتقد أنها ضاعت بسبب أن الناس “فاقو بيا” فإنني أستغل هذه المناسبة لكي أصحح له، إذا سمح معاليه، خلطا بسيطا حصل له.
وهذا طبيعي ومفهوم، أقصد الخلط، بسبب الظروف الحرجة التي يمر منها السيد رئيس الحكومة، فمن فرط خلطه لشعبان برمضان أصبح يقفز من الحديث عن صندوق المقاصة إلى صندوق ماكياج النساء، ومن الحديث في الغرفة الثانية للبرلمان إلى الحديث عن غرفة نومه في بيت الزوجية وعن حبه الكبير لزوجته والذي لم يتغير، والفضل في ذلك يعود لتجنب زوجته وضع الماكياج. ياله من سر عظيم هذا الذي كشف عنه رئيس الحكومة لكتابه المجاليين.
واضح أن السيد رئيس الحكومة لا يحب الماكياج، لكنه يحب بالمقابل تمسيد بروستاطا أناه المتضخمة. ونحن للأسف، في هذه الجريدة لا نحسن هذه الوظيفة ونتخلى عنها بكل روح رياضية للصحافيين المتخصصين في علاج أعراض التضخم، سواء كان في الأنا أو في مكان أخر يعرفه رئيس الحكومة جيدا.
لقد غاب عن السيد رئيس الحكومة معطى بسيط وهو يتحدث عن فقداني لشعبيتي، وهو أن الذي فقد فعلا شعبيته هو بنكيران نفسه. وقد صدر ذلك في دراسة قام بها معهد متخصص ونشرت أرقامها كل وسائل الإعلام.
وحسب هذه الدراسة فشعبية رئيس الحكومة تراجعت بنسبة خمسين بالمائة في ظرف سنة واحدة. وهي نسبة يمكن أن تصيب أي رئيس حكومة عاقل بالخوف على مستقبله السياسي، سوى أن هذا الخبر عندما “نزل” على رئيس حكومتنا أصابه بالجنون، إلى درجة أنه أصبح مثل الجمل الذي يرى حدبة الآخرين عوض أن يرى حدبته.
“أسي بنكيران، أسبحان الله، راه الشعبية ديالك اللي هبطات ماشي ديالي، واش حواليتي”؟
ليسمح لي معالي رئيس الحكومة على هذه الطريقة في التحدث إليه، “ماصبرتش أصاحبي، واش نتا مشات ليك خمسين فالمائة من الشعبية ديالك وبغيتي تسبيها في انا”.
وحتى يطمئن قلب رئيس الحكومة فإنني أحمل إلى علمه الموقر أن شعبيتي بخير وعلى خير ولله الحمد، فالجريدة التي نشرف على إصدارها تعيش استقرارا ماليا بفضل ثقة القراء الذين يشترونها كل صباح ولسنا “عوالين” لا على دعم الحكومة مثل البعض ولا على دعم الأمير مولاي هشام مثل البعض الآخر، ولا على عطايا أية شيخة من شيخات الخليج اللواتي يمولن تحت المائدة جرائد لا تغطي مبيعاتها حتى ثمن الورق الذي تطبع فوقه ومع ذلك أصبح أصحابها مليارديرات وأصحاب مطاعم وعقارات.
وإذا لم يصدقني السيد رئيس الحكومة فما عليه سوى أن يدخل موقع مؤسسة “لوجيدي” للتحقق من الإنتشار، وسيجد أن جريدة “الأخبار” استطاعت بعد سنة واحدة من ظهورها أن تتصدر مقدمة مبيعات الصحف في المغرب، متقدمة على جرائد ظهرت منذ عشرات السنين، بما في ذلك جريدة “التجديد” التي كان بنكيران والخلفي مديرين لها والتي لم تستطع أن تتعدى عتبة 2500 نسخة في اليوم، وهي مبيعات “الأخبار” في حي واحد من أحياء الدار البيضاء. وعين الحسود فيها عمود، عفوا، فيها عود.
وإذا لم يكن ارتفاع مبيعات جريدة معينة دليلا قاطعا على ارتفاع شعبيتها فإننا لسنا نعرف ماذا يمكن أن نسمي ذلك ولا بأية وسيلة علينا أن نتوسل إليها لقياس شعبية منبر إعلامي. وربما يريدنا معالي رئيس الحكومة أن نعزف معه نفس المقطوعة حتى ترتفع شعبيتنا أكثر، وهذا لطف منه حقيقة.
فقط هناك مشكلة صغيرة، وهي أنه لو كان هذا العزف على نغمة بنكيران ينفع لكان نفع الجرائد التي احترفت هذه المهمة منذ سنتين ونصف. والحال أن هذه الجرائد التي تتبع بنكيران بالنافخ تراجعت شعبيتها ومبيعاتها، حسب إحصائيات “لوجيدي” بأكثر من خمسة وعشرين في المائة مقارنة مع السنة الماضية. “واش نديرو ليك خاطرك أسي بنكيران باش نهبطو الريدو ولا كيفاش”؟
ثم ماذا يهم رئيس الحكومة أن تنخفض شعبية جريدة معينة أو ترتفع، أو أن يفقد القراء الثقة في كاتب عمود أو يضعوها في كاتب آخر. هل صوّت الناس على رئيس الحكومة لكي يخلق مناصب الشغل للعاطلين ويوفر الدواء للمرضى والعدل للمتقاضين وكراسي الدرس للتلاميذ، أم لكي ينصب نفسه وصيا على الصحافيين يمنحهم التنقيط وشهادات حسن السيرة والسلوك؟
وإذا كان زوال شعبيتنا سيريح أعصاب معالي رئيس الحكومة فإننا نتنازل له عن هذه الشعبية، “أسيدي نتا اللي عندك الشعبية طالع ليها الجوك، نتا المومو ديال العينين ديال المغاربة، نتا اللي غير شوفة وحدة منك هيا الدنيا وما فيها، والله ينعل بو شي خدمة ولا شي سميك ولا شي صندوق مقاصة ولهلا يسهل فشي تقاعد، ما بغينا والو، بقا لينا غير على خاطرك”.
لكن معالي رئيس الحكومة يعرف أن شعبيته في انحدار متواصل، فهذه هي الحقيقة الساطعة التي لا يستطيع أحد ان يحجبها بالغربال. وهو يتهمنا بالضلوع في “جريمة” صلب شعبيته يوميا على أعمدة هذه الجريدة. ولذلك فهو لا يدع فرصة تمر دون أن “يحشي: لنا “الهضرة”. لكن صبر معاليه عِيلَ هذه المرة وخرج لها “نيشان” وسمانا بالإسم. وطبعا فنحن بالنسبة لرئيس الحكومة لسنا سوى ذلك الحائط القصير الذي يمكن أن يقفز فوقه، بعدما تكسرت تلك الزانة التي كان يقفز بها فوق الربيع العربي أيام هبوب رياحه على المغرب. فالأسماء الكبيرة التي كان يصرخ بها ملء شدقيه لم يعد يستطيع أن ينبس بحروفها، ونحن نعذره ونتفهم رعبه من النطق بها، فمن يريد أن يتسلق شجرة الكوكو يجب أن يكون “سليبه” نقيا، لأنه عندما سيصعد سيتفرج جميع من في الأسفل عليه.
وإذا كان معالي رئيس الحكومة يفضل أن يجمع حبات الكوكو المتناثرة فوق الأرض عوض الصعود لقطف تلك التي في أعلى الشجرة فلأنه يملك أسباب وجيهة تجعله قانعا بما يلقى إليه عوض المغامرة بالصعود وبالتالي تعريض عورة حكومته للفرجة.
ونحن لا ندعي أننا ننافس معالي رئيس الحكومة على الشعبية، فنحن لا تنتظرنا مثله أية انتخابات، لأننا ببساطة نخوض استفتاء يوميا في الأكشاك، والحمد لله منذ العدد الأول إلى اليوم استطعنا أن نحصل على أغلبية أصوات القراء.
وبما أننا أبناء الشعب وأسماؤنا لا تثير هلع رئيس الحكومة فإننا نقبل أن يبخسنا معاليه حقنا وأن يشهر بنا، وان يدعي أننا فقدنا ثقة القراء، فمثل هذه الأساليب يمكن أن تؤثر في المبتدئين أو الذين لديهم ثقة مهزوزة في النفس، أما نحن فلحمنا مر ولا يؤكل نيئا، والمغاربة يعرفون من أدى ثمن مواقفه كاملا بلا نقصان، ومن عندما كان عليه أن يدفع ضريبة التغيير، في وقت كانت المواقف تقايض بالذهب، دفعها من حريته دون أن يفاوض حولها أو يزايد.
المغاربة ليسوا أغبياء يا معالي رئيس الحكومة، فالذي يتغير كل يوم مثل الحرباء ليس شخصا آخر غيرك، والذي يعد ويخلف ليس أحدا آخر غيرك، والذي يحدث الناس ويكذبهم القول ليس أحدا آخر غيرك، والذي استأمنه المغاربة على أصواتهم فخانهم باصطفافه إلى جانب من كان ينعتهم بالفساد ليس شخصا آخر غيرك.
فاجمع كل هذه العلامات وانظر ماذا تكون صفة الإنسان الذي تجتمع فيه، “وشوف شنو تدير لراسك، راك هترتي”.
وفي عمود الغد بحول الله نشرح الأسباب الحقيقية لهذه “الهترة” التي أصابت بنكيران وتسببت له في كل هذا الإسهال…اللفظي.