حسن بويخف
نشرت إحدى الجرائد الوطنية خبرا مثيرا، و لو صح لكان بالفعل، كما جاء فيه، "سابقة في تاريخ المساجد التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية". وتزعم مصادر الخبر أن 137 مسجدا رفعوا العلم الأمازيغي أغلبها في الأطلس، وأن "حركة الأئمة الأمازيغ" قد تشكلت وتضم 254 إماما. بالطبع الخبر لا يعني أن المناطق الناطقة بالأمازيغية بها مساجد وأئمة، بل يتحدث عن انحياز إيديولوجي وسياسي للمساجد والأئمة بلون اثني مع ما أسمته مصادر الخبر العجيب، المنسوب إلى الحركة الأمازيغية، "من أجل الدفاع عن إسلام مغربي أمازيغي متفتح متنور ولائكي". لكن الأخطر في الخبر بعد هذا الإعلان، أن "حركة الأئمة الأمازيغ" تلك هي "امتداد لنفس الحركة التي تعمل في الجزائر وتونس وليبيا والأزواد"، حسب ناشط أمازيغي ورئيس مركز دراسات الذي أكد للجريدة أن "الحركة الأمازيغية المغربية وصلت مند نحو سنتين إلى قناعة مفادها ضرورة العمل داخل المساجد".
بالطبع هذا الخبر كذبته "الرابطة الوطنية لأسرة المساجد في المغرب"، و هي التنظيم الوحيد المعروف في وسط الأئمة والذي عرف بنضالاته التي بلغت حد تنظيم احتجاجات أمام البرلمان، والتي تضم المئات من الأئمة من كل مناطق المغرب. الرابطة نفت أن يكون هناك انخراط للمساجد أو الأئمة في نشاط ذي طبيعة إثنية أمازيغية. كما أن الخبر لم تؤكده أية جهة محايدة، ولا أثار رد فعل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ولا وزارة الداخلية. ويذكرنا هذا الخبر بكذبة "لوحة الشمس" الأثرية بالأطلس و التي زعمت مصادر من الحركة الأمازيغية أنها تعرضت لعمل تخريبي من طرف أصوليين، و أثار ضجة إعلامية وسياسية كبيرة، قبل أن يفاجأ الجميع أن الخبر مجرد إشاعة للفت الانتباه من جهة ما وللتأسيس لاصطفافات جديدة يتقابل فيها الإسلاميون و نشطاء الحركة الأمازيغية. وقد جاءت وقائع أخرى كثيرة تسير في نفس هذا الاتجاه.
و قصة المساجد والأئمة لا تخرج عن هذه الصناعة، فهل هو تهديد بتوظيف المساجد في الصراع الأيديولوجي؟
قد يعتلي شخص سطح مسجد أو مسجدين ويعلق علما أمازيغيا فوقه، وهذا السلوك لا يعبر عن توجه وسط المساجد وأئمتها، بل هو انتهاك صارخ لمؤسسة يشهد التاريخ المغربي أنها لا ترفع عليها حتى الأعلام الوطنية ! والعلم الوحيد الذي يرفع فوق المساجد، وخاصة في المناطق الأمازيغية، هو العلم الأبيض الذي يعلم الناس بدخول وقت صلاة الظهر، أو بيوم الجمعة والعيدين. وفي بعض تلك المناطق، وعلاقة برفع ذلك العلم الأبيض، يطلق على أذان الظهر "العْلاَمْ". وبقي المسجد، على مستوى رمزيته على الأقل، محافظا على حياد خاص يوفر أهم شروط تحقيق الأمن الروحي للمغاربة فيه. واستمرت المساجد المغربية لقرون مفتوحة أمام كل المغاربة دون إقصاء. فأن تعلن مساجد انتماء سياسيا أو اثنيا هو بالفعل سابقة خطيرة، وحماقة غير مسبوقة تقتضي فتح تحقيق قضائي و متابعة المتورطين في ذلك أمام العدالة. فماذا يعني أن يرتفع العلم الأمازيغي أو غيره من الأعلام ذات الحمولة السياسية أو الأيديولوجية، ولما لا الرياضية، فوق مسجد؟ إنه لا يعني سوى اللعب بأكثر القضايا حساسية في الوطن، ولا يعني سوى أننا أمام سلوك مغامر لا يمكن أن يندرج في أية خانة تصوغه، فهو ليس نضالا، ولا حرية تعبير، ولا أي شيء مقبول أو يمكن تبريره. فالمسجد ليس للإمام ليفعل به وفيه ما يشاء بل هو للجماعة من حيث التدبير وهو لله من حيث الرسالة والوظيفة، كما يعلم كل مغربي.
أما أن يؤسس الأئمة جمعية لهم بأي لون سياسي أو ثقافي يختارونه فهو يدخل ضمن الحريات الأساسية، ورغم ذلك، ومع أن القصة من أصلها مفبركة، فإضفاء الطابع السياسي أو الإثني على جمعية للأئمة غير مقبول من حيث دلالاته الدينية والمجتمعية. فالإمام مثل القاضي، لا يمكن أن يؤسس منظمة تنحاز سياسيا للتيارات المتصارعة في المجتمع، لأن عمل القاضي والإمام بكل بساطة يجب أن يترفع عن الانخراط في الصراعات السياسية والأيديولوجية، وإلا فقد المجتمع أمنه الروحي وأمنه في العدل.
تفاصيل الخبر المزعوم تحمل إشارات الفبركة ومؤشرات العبثية السياسية. فأن يعلن مسؤول مؤسسة بحثية أن "الحركة الأمازيغية المغربية وصلت مند نحو سنتين إلى قناعة مفادها ضرورة العمل داخل المساجد"، يدق بالفعل ناقوس الخطر، ذلك أن المساجد، في المجتمع المتعدد، لا يمكن أن تكون مسرحا للصراعات الأيديولوجية والسياسية، ولم يسبق أن انخرطت في ذلك. والأخطر أن يزعم الخبر أن ما أسماه "حركة الأئمة الأمازيغ" هي "امتداد لنفس الحركة التي تعمل في الجزائر وتونس وليبيا والأزواد"، وهذه تخريجة خطيرة بدرجة حرارة سياسية مدمرة. إذ لا يتعلق الأمر فقط بالحفاظ على استقلالية المساجد عن التيارات السياسية والإيديولوجية المغربية، بل يزعم الخبر أن المساجد التي رفعت العلم الأمازيغي تابعة لحركة دولية تنشط في مناطق صراع لها دلالات سياسية خاصة.
إنه لا يمكن بحال أن يتحول خطأ إمام معزول هنا أو هناك ضد ناشط أمازيغي إلى ذريعة تصوغ انتهاك حرمة المساجد، باقتحامها فعليا أو بتوظيفها إعلاميا وسياسيا في مزاعم صراعية. بل المطلوب إعمال القانون في كل النوازل التي تتعلق بحقوق الإنسان واحترام القانون.
وخلاصة القول أن الصراع الإيديولوجي والسياسي يجب أن يحترم قواعد اللعبة التي توافق عليها المجتمع مند قرون، وضمن هذه القواعد أن المساجد لله. وهي مبدأ أصيل في الدين، وحيوي في المجتمع لحماية أمنه وتماسكه واستقراره. والذي نخشاه حقيقة أن يتحول بعض اليائسين في إيجاد أرضيات جديدة للنضال بعد المكاسب الدستورية في ملف الأمازيغية، إلى مغامرين يخبطون خبط عشواء.