(1)
تحت مكتبة صغيرة بأحد مساجد المنطقة، أسند ظهره إلى الحائط مبتسمًا إلى أشبال أكبرهم في العاشرة من عمره، سلم عليهم جميعًا عقب صلاة الجمعة وقرر بدء اللقاء الأسبوعي.
اعتدل الرجل في جلسته وهو ثلاثيني يبدو أنه يعمل مدرسًا بأحد المدارس الابتدائية، فهو يتقن فن معاملة الأطفال، ويتولى مسئولية مرحلة الأشبال بفيصل، حيث بدأ اللقاء بقراءة في سورة الكهف، ثم خاطرة ألقاها أحد الأشبال، وحديث قصير لطيف عن أخبار اليوم، وسكت الجميع فتكلم "محمد"، كان هذا اسمه.. إنه الأستاذ محمد الذي نقل خالص تعازيه بسبب ما يحدث في غزة، أشار إلى مقتل الشيخ ياسين والرنتيسي وخيانة الفتحاويين، الذين شبههم بأعضاء الحزب الوطني، متمنيًا أن يصبح الأشبال في يوم من الأيام من أبطال مصر لاستعادة مجد الأمة الإسلامية وتحرير فلسطين.
في الخلفية أنشودة يغنيها الأستاذ محمد مع أشباله: "الله غايتنا.. رسولنا زعيمنا.. قرآننا دستورنا والموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، صوت أحد الأشبال رائقًا للدرجة التي جعلت المدرس يطلب منه إلقاء أنشودة "اسلمي يا قدس" وهي أغنية تم تحريفها من الأصل "اسلمي يا مصر".
(2)
وصل الرئيس محمد مرسي إلى سدة الحكم، انتخبه عدد كبير من المصريين في موقعة "عصر الليمون" الشهيرة، نكاية في مرشح تابع لنظام "مبارك"، ليس حبًا أو رغبة أو إعجابًا ببرنامج قيل إنه برنامج "النهضة"، حاولت الجماعة في هذه الأثناء الاتفاق مع كافة القوى الثورية والسياسية على أن "قوتنا في وحدتنا"، سيما بعدما خابت المعارضة في اتحاد وتآلف يليق بمصر الثورة آنذاك وبمسيرة التحول الديمقراطي، فتح الرئيس صدره في الميدان، وعد المصريين بأن يكون رئيسًا لهم جميعًا، ولم ينجح في تنفيذ وعوده حتى خطابه الأخير الذي وجهه إلى جماعته وفتح خلاله باب الفتنة على مصراعيه.. بل الحرب الأهلية..
(3)
على منصة رابعة العدوية صاح في الجموع المحتشدة، تكبير، ثم قرأ الصلاة والسلام على سيد الأنام ووعد المؤمنين بالنصر المبين، مشيرًا إلى رؤية رواها أحد الإخوة له.. يقول فيها إن سيدنا جبريل عليه السلام موجود في منطقة رابعة مع المتظاهرين المؤيدين لمرسي... تصفيق حاد.. تهليل.. تكبير وزغاريد سيدات غير موفقة، يكمل الشيخ بلا توقف موجهًا رسالته إلى الحشود "اللهم انصرنا على عبادك الظالمين".
في الخلفية رجل اعتاد الظهور بجانب كل من يصعد على المنصة، يرفع يداه في عصبية بعلامة النصر والصيحة تخرج من أعماقه "الله أكبر".
(4)
في ميادين مصر يعتصم أكثر من 30 مليون متظاهر للمطالبة بسقوط نظام محمد مرسي، لم أستسغ العبارة، ما الفرق أصلا بين نظام مرسي ومبارك، قل إسقاط مرسي ولا تقل نظامه، أين أركان النظام الذي بناه وأين أعمدته، على العكس تمامًا، سكن كل الأمور في مكانها أيام مبارك، وأضاف خلطة الأخونة، في كافة الوزارات والمديريات بجميع محافظات الجمهورية، حتى أن شخصًا كان يفشل في تحرير خبر تم تعيينه مستشارًا لوزير التعليم، وآخر كان يسرق الموضوعات رشحه علاء عبد العزيز مستشارًا إعلاميًا لوزير الثقافة، فضلا عن تعيين شباب الإخوان بمؤسسات الصحف القومية، ناهيك عن الصحة والتموين والتعليم.
دعك من الأخونة، فقد فشل الرئيس في مجمل المشهد وجماعته في إدارة دولة بحجم مصر، ربما بسبب غباء الجماعة السياسي وانتهاج ثقافة الإقصاء، وربما أيضًا بسبب عدم وجود الخبرة الكافية ومحاولة إشباع "الجوع السياسي" لدى قياداتها.
الأهم أن المصريون خرجوا إلى الشارع، وطالبوا القوات المسلحة بتنفيذ رغباتهم فانحازت إلى رغبة الشباب المتمرد، بعد فشل الرئاسة في خلق التوافق الوطني، وبعد مظاهرات حاشدة شهدتها شوارع مصر، الأهم من خلع مرسي حقًا، هو إيمان والتزام المؤسسة العسكرية برعاية خارطة الطريق التي طالب بها المتظاهرون.
(5)
هل تعلم أن عدد قضايا إهانة الرئيس في عهد مرسي بلغت ستة أضعاف عددها في عهد مبارك.
هل تعلم أن جيكا وكريستي والجندي.. شهداء انتخبوا مرسي فقتلهم نظامه.
هل تعلم من قتل جنودنا على الحدود؟ هل تعلم من المسئول عن مقتل شبابنا على قضبان السكة الحديد؟ هل تعلم أن السجون استقبلت 3462 معتقلاً خلال عام واحد فقط في عهد مرسي، فقد فقد توفي أكثر من 143 قتيلاً في عهد مرسي أبرزهم الشهيد محمد الجندي وسامح فودة وغيرهم، فضلاً عن القبض على العديد من النشطاء بسبب قضايا سياسية في تحدٍ لدولة القانون، بحسب تقارير حقوقية.
هل تعلم أن عصر مرسي شهد العديد من الانتهاكات في حقوق الأطفال والقصّر والفتيات، وبلغ عدد الأطفال المعتقلين 450 طفلاً عمرهم اقل من 15 عاما.
حدثوك مثلي عن مشروعهم، الأكذوبة الفارغة من أي واقع، مشروعات اقتصادية واجتماعية وبعضها منزوع من أوراق الحزب الوطني المنحل، وآخر "الصكوك" واجهته مؤسسة الأزهر وأحزاب سلفية مثل حزب النور لعدم مشروعيته، فنكوش ممكن يعمله واحد هندوسي ولا بوذي؟.
أين الوعود والبرامج والمصالحة ودماء الشهداء وتمكين الشباب واحترام الحريات. أيضًا فنكوش.
(6)
في بهو الفندق الواسع بمدينة 6 أكتوبر جلست كونداليزا رايس تقرأ القصة التالية قبل سنوات،
بمجرد عودة رسول الله من غزوة تبوك، جاء إليه بعض المنافقين يطلبون منه الصلاة في مسجد بنوه بالقرب من قُباء ، وكانت الفكرة التي تبناها أبو عامر الفاسق هي بناء مسجد آخر إلى جوار قُباء؛ ليجذب إليه مجموعة من المسلمين، فلا يذهبون للصلاة في المسجد النبوي، ولا في مسجد قُباء، وبذلك تتشتت قوة المسلمين، إضافة إلى الأفكار الهدّامة التي من الممكن أن تُبَثَّ من خلال هذا المسجد.
قد يعجب الإنسان من أن المنافقين يتجهون إلى بناء مسجد، لكن ما أكثر المساجد التي بناها المنافقون في التاريخ والواقع! وقد تكون مساجد عملاقة وواسعة وفخمة، ولكن لا تُبنى إلا لبثِّ ما يريدون من أفكار تعارض الفهم الصحيح للإسلام، ومن ثَمَّ تكون هذه المساجد أخطر على المسلمين من الأسلحة الفتاكة.
والخطير أن القائمين على هذه الأعمال المضلة قد يسعون إلى إثبات شرعيتها بدعوة من يثق الناس بهم لافتتاحها، أو للعمل بها بصورة غير مؤثرة، بحيث تبقى الهيمنة، والإدارة، والقرار بين المنافقين الذين أسسوه.
أخيرًا: عاشت ثورة الشعب