أنا والمراقب العام وزوليخا بنت دمنات
الحلقـــــ(6)ـــــــــة
محمد محمدأمدغوس
في الطريق الي زاوية أيت امغار. حاول مرافقي تجنب المرور من ضواحي دمنات القريبة من جانب السور. واتخذ طريقا دائريا موغلا في خلجان كثيفة من النباتات الشوكية, واشجار الزيتون و التين والصفصاف. في أقصي حقول اكداين . حتي وصلنا عند مشارف سفح تلة نتازارت. توقف واستطلع بناظريه بعيدا, وانتبه الى وجود حارسين من حراس الغابة المسلحين فوق فج أفوزار. فتسللنا بين أشجار اللوز والزيتون الي داخل منتزه ماجوج المليئ بالاشجار المثمرة.فحلقت أمامنا أسراب من طيور الحجل مثيرة أصواتا مجلجلة. نزلت برفق من الدابة والألم يومض وينبض مثل جمرة من اللهب في ذراعي . كان مضيفي ابن زاوية أيت امغار .شابا تجاوز الثلاثين من العمر , طويل القامة, نحيف الجسم ,بملامح رقيقة وعيون لامعة تدل علي نباهة وذكاء. سألني :
-إسمي مولاي عمر وأنت ؟
-إسمي الماجطني.
-لنستريح هنا حتي يعم الظلام يالماجطني.
-أتمني ألاأكون قد عطلتك عن عائلتك وأولادك.
-لا تشغل بالك بذلك يابطل. فأنا بدوري عندي حسابات أريد أ ن أصفيها مع القائد عمر الكلاوي, وأعوانه ,وكل أذناب الإستعمار.
-ماهي هذه الحسابات التي تريد أن تصفيها معهم؟
-لقد سطا الكلاوي وصنوه البياز لأبي علي أراضي فلاحية. وحوالي ألف شجرة من الزيتون بناحية إسران . وسرقا مياه زاوية أيت أمغار بدون وجه حق.
مد يده إلي الشواري وأخرج قطع حلوي مصنوعة من السكر والزنجلان وناولني قطعا منها.
فجأة غمت السماء .ودوي قصف الرعد. وأمطرت السماء زخات كبيرة. جعلتنا مبللين بالماء. وبعد توقف المطر ركبت الدابة من جديد .وانطلقنا بين أشجار الغابة وسط الظلام. إلي أن توقف وساعدني في النزول من الدابة. وأدخلني إلي مخزن الحبوب الملحق بمنزله الكبير. وقلت له لا أريد لأحد أن يعرف بمكاني فابتسم قائلا:
-لهذا الغرض أتيت بك إلي مخزن الحبوب.
دخل إلي بيته وبعد ساعتين عاد ومعه لحاف وقماش صوفيين .وقدر صغير به قطع من اللحم. وقال لي مرحبا:
- تناول عشاءك واستريح غدا سأتدبر أمر علاج ذراعك.
كانت زاوية أيت أمغار هادئة إلا من صوت خرير المياه.و صياح ديكة و نباح كلاب بعيد يتردد صداه في الجبال القريبة. لم يغمض لي جفن لأن صداع الرصاصة التي أطلقها علي الكومي اللعين لا يتوقف. وأخذت استعرض في ذهني مشاهد غير مترابطة من ذكرياتي. زوليخا المالح بجسدها الجميل وهي تبتسم. وأمها سارة وهي تهيئ مائدة الأكل. مصرع بيير السفاح وصاحبيه . و قنص عميل الإستعمار الوقح بوثعالب .وشرعت أفكر في ردة فعل الإستعمار ومعاونيه داخل دمنات. وتساءلت كيف سيتلقي المقاوم مولاي احمد الفقيه الخبر ومعه قيادة المقاومة بمراكش ؟ في الصباح الباكر جاء مضيفي مولاي عمر مع شاب يبدو في العقد الرابع من العمر. أسمر اللون, طويل القامة, عريض الوجه. مرتديا جلبابا خفيفا من الكتان. وفي يده حقيبة جلدية خفيفة . وأسر لي مولاي عمر :
-ذراعك ستشفي بإذن الله تعالي.
سلم علي الرجل بهدوء والإبتسامة تعلو محياه. ثم فتح حقيبته و أخرج خطافا صغيرا, ومشرطا, ومبضعا. ألقي نظرة علي ذراعي المصابة وقال :
-هذا جرح بسيط.
-كيف تقول جرحا بسيطا رغم أنني لم أنم الليل كاملا من شدة الصداع.
-لقد عالجت في جبهات الحرب العالمية الثانية الكثير من الجرحي المغاربة والأفارقة والفرنسيين.
-أنت طبيب و ضابط.
-نعم أنا ضابط سابق وممرض بخبرة طبيب بفعل تجربتي الكبيرة في إسعاف الجرحي والمعطوبين .
غسل جرحي بمحلول الكحول .ثم قام بتخذير موضع الجرح. وما هي إلا لحظات ,حتي سمعت صوت الرصاصة وهي تسقط فوق الصحن المعدني. قام بخيط الجرح ثم حقنني بحقنة و ناولني أقراصا دوائية وقال لي:
-احمد الله لأن الرصاصة لم تصل الي العضم.
شكرته فأجاب :
-هذا الواجب.
أخرجت رزمة من أوراق مالية بقيمة ألفين فرنك لأسلمها له فنظر إلي باستصغار:
-هذا لعب الدراري عيب أنا لم أغامر بحمل عدتي الطبية من المستشفي. وآتي الي هنا, سوي لعمل إنساني تجاه رجل وطني .
غادر الممرض الإنساني رفقة مضيفي مولاي عمر فأخذتني غفوة ونمت نوما عميقا .وعندما استفقت بعد عصر ذلك اليوم شعرت بكامل الصحة وجلست في مخزن التبن والحبوب أنتظر وأتأمل في صيرورة الزمن. جاء مولاي عمر وقال لي :
-عندي لك مفاجأة!
ابتسمت مجيبا:
- الله يسمعنا خير.
نزلنا تلة صغيرة ودخلنا وسط أشجار الكروم والرمان .وفي الطريق التقينا مع فلاحين عائدين من حقولهم مبتسمين. سلموا علي مولاي عمر ونظروا الي نظرة فيها ريبة أثارت مخاوفي. فطمأنني صاحبي بأنني مادمت في ضيافته فكل الشكوك ستتلاشي . إلي أن وصلنا الي منزل جميل محاط بسور وقال :
-ادخل لتتبرك بمقام الولي الصالح سيدي بوالبخت عل بركته تساعدك.
ابتسمت وقلت :
-لابد لي من الوضوء أولا.
فقادني حوالي مائتا متر نحو عين صافية تصب بقوة :
-هذه عين سيدي بولبغث ومن بركاته أن ماءه تشفي من الأمراض . ادخل لتغتسل فماءها معدني خارق.
دخلت وسط العين وأنا خائف من تأثر الجرح الذي بذراعي بالماء البارد. وأخذت حماما باردا منعشا جعلني أنتشي بالحياة.
واسترسل ابن الزاوية الكريم في حديثه:
- لم يبقي سوى أسبوعين كي ينطلق موسم الولي الصالح سيدي بولبخت.
ولكن حادث الإنفجار الأخير الذي أوقع قتلي في صفوف الفرنسيين سيؤجله حتما.
-وما أهمية هذا الموسم ؟
-يجب أن تعلم أن موسم سيدي بوالبخت يحضره القائد الكلاوي وسلطة الإستعمار وكل الأعيان الكبار بناحية دمنات.
-إذا كان الأمر كذلك سأطلب الدعم والسند من قيادة المقاومة لنصب كمين محكم لهم.
-لا لا لن أسمح لك بذلك.
-لماذا ؟
لأن ذلك سيعود وبالا علي الزاوية وأهلها وسيقوم الإستعمار بقتل الناس الأبرياء بلا هوادة .
رفع مؤذن مسجد أيت أمغار آذان صلاة المغرب. فقفلنا عائدين الي المنزل .ولجت الي مخزن الحبوب . فيما ذهب مولاي عمر للأطمئنان علي قطيع أغنامه بزريبة تقع في أسفل الزاوية . جلست أ فكر في طريقة للإتصال بالمقاوم مولاي احمد الفقيه. وقلت في نفسي .لابد لي من مرسول يبلغ إليه رسالة مشفرة .وأنا مستغرق في التفكير, إذا بمولاي عمر يدخل علي وهو حاد القسمات,و يبدو عليه الخوف :
-مالخطب يا مولاي عمر ؟
-لقد عاد ابن أخي توا من دمنات وأخبرني بأنها تحولت إلي ثكنة غاصة بالعساكر الفرنسيين المسلحين. مع سياراتهم العسكرية, وكلابهم البوليسية. وسمع هناك بأن القوات الفرنسية مدعومة بقوات القائد عمر الكلاوي قد قامت بتمشيط أحياء دمنات. واعتقلت العشرات من شبابها للتحقيق معهم .والكل بدمنات يتحدث عن الوطنيين. وعنك انت بالذات يالماجطني . وأنا أخاف أن يأتو ا لتمشيط زاوية أيت امغار بحثا عنك.
-مالعمل إذن؟ اعطيني حصانا أو بغلا لأهرب عبر الغابة ؟
- عند الفجر سأرافقك الي مغارة سرية قريبة من مغارة امينيفري. وهناك ستختبأ إلي أن تهدأ الأمور وسأزودك بالأكل والماء كل ليلة.
-طيب ولكن أريدك أن تقضي لي غرضا مهما.
ماهو؟
-أريدك بأقصي سرعة ممكنة أن تبعث لي مرسولا إلي سوق الخميس بأيت ماجطن كي يوصل رسالة الي شخص يدعي بامهاود الشواي.
ما هي الرسالة ؟
-الصياد راه بوحدو فالغابة.
ناولته خمسمائة فرنك فرفض أخذها .لكنني ألححت عليه بأن يدفعها كمكافأة لمن يقوم بالمهمة بسرعة فوافق.
ثم دخل الي منزله وأحضر لي صحنا من الكسكس مع لحم الضأن .وقدرا طينيا من اللبن. وقال لي:
-عند آذان الفجر كن جاهزا كي أرافقك إلي مخبئك الجديد.
وفي الموعد المعلوم سمعت سعال مولاي عمر فقمت متأهبا .جمعت قطع الفراش وربطتها بخيط من الدوم وفتحت الباب ونزلنا بمحاذاة الوادي, مشينا لمسافة بعيدة إلي أن وصلنا إلى منحذر صخري شاهق. وكان غسق الصباح قد بدأ في إزاحة ظلمة الليل. تسلقنا صخرة عملاقة ثم سلكنا فوق صخرتين نحيفتين, كانتا بمتابة جسر صغير معلق . نحو فتحة صغيرة مغطاة بشجر العليق .دخلت منها إلي داخل المغارة .منحني مولاي عمر فاكهة يابسة وكمية من القريشلات. وقرصين من خبز الشعير. وقربة جلدية بها ماء وقال:
- غدا سآتي في نفس الموعد لأزورك لا تنزعج وتوكل علي الله.
أجبته :
-الموت في سبيل الوطن أهون من العيش تحت جزمة المحتل.
بداخل الكهف الصغير افترشت الصخور الصلبة . وجلست أتأمل في الأسباب التي يييسربها الله الأمور. فلولا الشاب ماماد الذي تعرفت عليه صدفة عن طريق حبيبة عمري زوليخا ماكان لي ان أصطاد صيدا ثمينا مثل السفاح بيير بونيفاس. ولولا كؤوس الخمر التي لعبت برأس عميل الإستعمار الوقح بوثعالب ماكان له أن يسعي لحتفه وهو يطاردني بعيد انفجار سيارة بيير السفاح. لقد ضربت بأدوات المستعمر عرض الحائط .هل صرت بطلا ؟ ليس بعد قلت وأنا أ تناول مسدسي لأتأكد من جاهزيته .عوضت ثلاثة رصاصات التي أطلقتها بأخريات .وما إن توسدت صخرة متوسطة الحجم حتي سمعت صوت خشخشة عند باب المغارة. حملت مسدسي وتوجهت نحو الباب. فرأيت ثلاثة سناجب تطارد بعضها في مرح. كانت الشمس مشرقة والسماء صافية . شربت الماء من القربة الجلدية ,ثم تناولت التين المجفف. ودخلت في حالة استغراق أستعيد ذكريات بداية عشقي للبنت الفاتنة زوليخا. عندما انقذت أباها إسحاق المالح من الموت. كان أبوها من خيرة مصممي ومهندسي الرحي المائية بدمنات. ولما أنهي عمله رفقة مساعده باحدي قري أحفور ذات مساء .باغثهم شبان أشقياء وأرادوا سلبهم مالهم والإعتداء عليهم .وكنت عائدا من مناورة مع أحد المقاومين داخل الغابة علي متن حصانينا .فتدخلت مهددا إياهم بالسلاح وسحبت اسحاق ورفيقه من بين أيديهم. وأمنت لهم الطريق الي دمنات .ولما زرت الملاح بدمنات استقبلني إسحاق في بيته بحفاوة وكرم لا مثيل له. وتقدمت بنته البكر زوليخا نحوي لتشكرني فخفق قلبي لجمالها وكانت بداية سنوات العسل التي لا أريدها أن تنتهي. نمت نومة خفيفة ثم قمت وأنا في حيرة من أمري لأنني لم أعتاد الجلوس منعزلا. ونزلت نحو ضفة وادي مهاصر. ومشيت في اتجاه مغارة إمينيفري .ولما وصلتها تناهي إلي سمعي صوت جماعي وأدعية . مشيت بين الصخور ورأيت حشدا من الناس. وعشرات من الدواب. وبقايا أكل ورائحة ذبيحة. وسمعت أحدهم يقول:
-المعروف ن تركا يباركن العقبال نيمال.
ورد عليه آخر :
-اللهم بارك في مياه سيدي ناصر أومهاصر واجعل خيرها يعم بلاد نا وكل أرض تاودانوست.
عدت أدراجي نحو مخبئي السري في انتظار مضيفي مولاي عمر. كان اليوم طويلا .حاولت أن أبدده بإطلاق العنان لهواجسي وأحلامي وذكرياتي . وعندما بدأ غسق الغروب في النزول .جاء مضيفي مولاي عمر مبتسما وفي يده سلة وعددا من جريدة لافيجي ماروكان. وأسر لي بعودة المرسول من ايت ماجطن برسالة اندفعت نحوه متعجلا لسماعها:
ماهي الرسالة؟
-السما صافية والشتا كاتصب.
تناولت الجريدة منه لكن الظلام الدامس الذي خيم علي المكان لم يسعفني لقراءتها . فتحت السلة ووجدت خبز التنور, و علبة بها زيت الزيتون . وكانت وجبة لذيذة تناولتها باستمتاع في ظلمة المغارة ووحشة المكان .وجلست استمع لأصوات الليل القادمة من الوادي ,والأحراش القريبة . الي أن غلبني النعاس. في الصباح اطلعت علي الجريدة, فكانت مفاجأتي كبيرة .تم نشر صور القتلي الثلاثة علي صدر الصفحة الأولي. مع صورة لسيارة بوغاتي ممزقة . وعنوان عريض يقول: يد الإرهاب تضرب فرنسيين أبرياء بدمنات. و معلومة تفيد بأن بيير السفاح كان ضابطا برتبة كومندار .عمره واحد وخمسون عاما. يتحدر من مقاطعة تولوز. متزوج وله ولدين. قضي معظم حياته في خدمة الجيش الفرنسي بالجزائر. وبأن مرافقيه يعملان مراسلين صحفيين كانا في مهمة إجراء حوار صحافي مع القائد عمر الكلاوي. واحد ممثل لجريدة لوفيغارو يدعي نوربير بانسو. وآخر مندوب لجريدة لوبوتي ماروكان. يدعي انطونيو شانتال .وصورة جماعية لعشرة معتقلين دمناتيين يدعي محرر المقال بانهم مشتبهين أساسيين في الضلوع في الإنفجار. ويسهب في التهديد بإبادة الوطنيين عن بكرة أبيهم .وإلي جانب المقال تصريح لبعض أعيان دمنات للجريدة يتبرأون فيه من هذه العملية .ويشكرون فرنسا وقيادتها علي ماتقوم به من أعمال البناء والتنمية. فحمدت الله علي نجاحي في مهمتي. ونجاتي من مخالبهم المسمومة. تناولت حبات القريشلات مع الماء. وانتشيت هواء الوادي العليل .ثم توجهت الي فتحة المغارة لأنزل الي الوادي فرأيت شابة وشاب فرنسيين يتبادلان القبل ويمارسان الحب علي ضفة الوادي .في هدوء وحرية ,دونما وجل. وقلت في داخلي ألا يخاف هؤلاء من مفاجأة تصعقهم ؟أم إن ثقتهم بأنفسهم تعدت كل الحدود؟ قررت عدم النزول من المغارة. كي لا أثير انتباههم فتحدث مفاجأة غير متوقعة .فهم في آخر المطاف أناس مدنيين. لا فائدة من قتلهم .قامت الشابة من بين أحضان عشيقها نصف عارية,وأخذت تجري .وصديقها يطاردها مناديا باسمها:
-لوسيت لوسيت توقفي توقفي.
وعرفت أنها الشابة لوسيت قريبة غريمي الضابط كوينتا الذي يشتغل في بيرو أعراب .وأخذتني الحماسة لأنتقم منه وأختطف قريبته. لكن الأعراف الإنسانية وأخلاق المقاومة كانت لها الغلبة في خاطري. ولمدة ساعتين جلست أنتظر مغادرة هاذين العاشقين للمكان الي أن رأيت الشاب يركب و صديقته علي متن جواد وقفلا راجعين بمحاذاة الوادي وسط الأحراش في اتجاه بيرو عراب. تذكرت أجمل بنت في الدنيا حبيبة عمري زوليخا المالح أنوثتها الكاملة وهي ترتدي التنورة الأمريكية التيناجرز ,ضحكتها الأخاذة,عيونها العسليتين ,قامتها الفارعة وخصرها الممتلئ . صوتها الناعم الرخيم وانسيابية شعرها المتموج وصفاء روحها الدافئة.وانهمرت الدموع علي وجنتاي بغزارة وقلت باكيا كطفل :
- متي يرحل الإستعمار لأكون إلي جانبها طول الوقت من دون خوف ؟
نزلت من المغارة واتجهت نحو امينيفري فهالني منظر قطعان من الثعالب وهي تشرب الماء من الوادي وأصوات غير متناغمة للطيور, وهي تحوم بأسراب هائلة حول المغارة. غسلت وجهي وشربت الماء من عين باردة ثم عدت أدراجي الى المغارة... وأعدت قراءة مقال جريدة لافيجي ماروكان حول عمليتي البطولية عشرات المرات. عند العصر جاء مولاي عمر رفقة رجلين اثنين يبدوان من هيئتهما أنهما من عمال الحصاد الموسميين. أشار الي مولاي عمر بالنزول من المغارة فنزلت بسرعة. سلمت علي الرجلين. فغمزني مولاي عمر وهو يومأ إلي برأسه نحو الرجلين قلت :
-من أنتم؟
-الصياد مابقاش بوحدو فالغابة
فهمت بأنهما مبعوثين من طرف المقاومة فأحسست بالفرح يشرق بداخلي.
جلسنا بين الصخور نتبادل أطراف الحديث .فتركنا مولاي عمر وذهب لإحضار براد من الشاي.
ماسمكما يا رجال؟
فأجابني أحدهما:
-إسمي حدو وهذا رفيقي باسو جئنا من طرف المقاوم مولاي أحمد الفقيه لنطمئن علي حالتك ولنبلغك تهانئه لك بالعملية الناجحة ولنقدم لك هدية
-هل رأيتما المقاوم مولاي احمد الفقيه؟
-لا ولكن وصلتنا رسالة منه.
-وأين هو الآن؟
-لاأحد يعرف.
-أخبروني عن خلية تادلة وخلية بني ملال ماذا حل بشباب الخليتين؟
بالنسبة لخلية بني ملال انكشف أمرهم لعملاء الإستعمار وتم اعتقال بعضهم وفر البعض الآخر .أما عن خلية تادلة فقد قام الشاب المقاوم بوكرين بقنص أحد أكبر عيون الإستعمار بناحية تادلة. ومازالت الفرصة لم تواتيهم للقيام بعمل كبير.
ناولوني رزمة مالية بقيمة خمسون الف فرنك
قلت لهم:
-المال لايهمني حاليا انا اريد فقط أن أخرج من منطقة دمنات حتي تهدأ الأمور .
ابتسم باسو وقال :
-أوامر مولاي احمد الفقيه أن نساعدك في السفر إلي الصويرة وهناك ستشتغل في التجارة إلي أن تتلقي تعليمات جديدة
أحسست بالإنهيار الداخلي وهبوط نفسي وسيطر علي الوجوم والصمت وقلت منتفضا:
-هذا مستحيل .سأكون في المنفي بعيدا .
-إنها أوامر المقاوم مولاي احمد الفقيه ويجب أن تنفذ لأن فيها مصلحتك .ويجب أن تعي بأن المقاومة تريد أن تحافظ علي حياتك .وتنجو من العملاء الذين استنفروا كل قواهم للقبض عليك. ويجب أن تعلم بأن الإستعمار راحل من المغرب اليوم أو غدا. وإن غدا لناظره قريب.
تنهدت عميقا وطأطأت رأسي وقلت:
-الأمر لله الواحد القهار.
عاد مولاي عمر من بيته بأيت امغار, ومعه برادا من الشاي. وأربعة أقراص من خبز التنور. وقدرا به زيت الزيتون .تناولنا الأكل و احتسينا كؤوس الشاي المنعنع .وتبادلنا الكلام عن ويلات الإستعمار. وأعمال السطو علي أراضي الفلاحين. من طرف الكلاوي, وأزلامه .بمباركة المستعمر ومساعديه الخونة .ومع حلول الظلام أسر الي باسو وحدو بالإستعداد للسفر عبر الغابة. قبلت رأس مضيفي مولاي عمر ومنحته رزمة من الأوراق المالية
بمقدار خمسة آلاف فرنك فرفض أخذها فقلت له :
-اذا تعففت من أخذها فخذها أمانة واصرفها علي الفقراء والزائرين لمقام الولي الصالح سيدي بوالبخت.
فوافق مبتسما في وجهي ابتسامة مشرقة . شكرته وودعته بأحلي عبارات الإمتنان واعدا إياه برد إحسانه بأضعاف مماثلة.
امتطي حدو حصانه فيما امتطيت حصان باسو فنظرت الي باسو وسألته:
-أتريد البقاء بدمنات؟
-نعم أريد البقاء هنا بدمنات, لقضاء غرض. ثم سأذهب للقيام بعملية بسيطة بأيت عتاب. تتمثل في قنص أحد شيوخ الإستعمار.الذين هلكوا الحرث والنسل .ونكلوا بالسكان هناك أيما تنكيل.
أجبته بأمازيغية واضحة ضاحكا:
-ارز يخف أوغيول.
توغلنا في الغابة فتوجهت نحو حمو بسؤال عن ما يحمله من سلاح.فأجابني::
-معي مسدسين وثلاثة وخمسون طلقة وقنبلتين يدويتين.