بدات تباشير الخريف تلوح علي أرجاء مدينة دمنات. السماء مليئة بسحب بيضاء. والجو يحمل نسائم باردة.والأشجار شرعت تنفض عنها الأوراق اليابسة. وكائنات الغابة تستعد لبيات شتوي قاسي. لكن تلونات الطبيعة, وتقلبها, لا يتوقف بها سعي الأنسان بحثا عن الرزق. في أحد صباحات دمنات الخريفيية . استيقظ الفلاح أيت الخير , صلي الفجر بمسجد الحي. ثم تناول فطوره, وامتطي جواده.وتوجه الي ناحية ايمينيفري للاطمئنان على مجري مياه ساقية دمنات . وعندما وصل هضبة أفوزار, استرعي انتباهه أجساما تشبه أكياسا بيضاء متناثرة بين أشجار جبل اغري. لكز جواده واتجه مسرعا ليتاكد من الذي رآه. وفي طريقه تعثر جواده فنظر واذا به أمام جثة ضخمة لخنزير بري.نزل وبدأ يفحص الجثة الحيوانية فوجدها سليمة. التفت قريبا منه فشاهد جثث أخري .وغير بعيد جثث خنازير أخري. وفي وسط جبل أغري عدد لا يحصي من الجثث... قام على الفور وأبلغ رجال الشرطة . ومع شروق الشمس لاحظ الفلاحون القادمون من القري البعيدة عبر الغابة منظر جثث الخنازير. وتساءلوا عن سبب نفوق هذا العدد الهائل من الخنازير. ونظرا لأن ذخان حبة جاوي يمكن أن يملأ سماء دمنات . ذاع الخبر وانتشر وتجمهر الناس بين الأزقة وعلي الشارع الرئيسي يستفسرون عن سبب الكارثة العظمي. و أمام ساحة مسجد القصبة وقف كثيرون يشيرون بأصابعهم نحو الجبل. ومن لذيه وسيلة نقل ذهب لمعاينة جثث الخنازير عن قرب ومن عنده رغبة لرؤية المنظر مباشرة سخرت له بلدية دمنات سياراتها واستأجرت عشرات الحافلات .وبقرار عاملي انطلقت صفارة انذار الزواكة بدون توقف لتثير انتباه الناس . وصار عمال الحافلات يشحنون الناس كالطرود ولا تسمع سوى: يالله للي بغا يشوف حرب الحلوف . وما هي الا ساعات حتي امتلأت غابة أغري وساحة افوزار بالناس. مصلحة المياه والغابات تحركت بعشرين عنصرا من الخيالة لتحرير محضر حول الواقعة .واحصاء عدد الخنازير النافقة . أما أفراد الوقاية المدنية فاتخذت مايلزم لحماية الناس وأرسلت فريقا كبيرا بمعدات وخزانات كبيرة من الماء . فيما وصل مفتش شرطة بسيارته الشبح وهو يذخن غليونه ألقي نظرة على جثة خنزير وهمس في أذن ضابط بكلام ثم اتصل عبر اللاسلكي بكلام مرموز. أما رئيس جمعية علوم المناخ والرعد والغربان فخرج ببيان خفيف اللهجة . يدعو فيه السلطات الي شراء ثلاجات مجمدة كبيرة لحفض جثث الخنازير وتحنيط بعضها وقرر التبرع من مالية جمعيته بغرفة تبريد لهذا الغرض. وقام بتسيير مظاهرة من أنصار تغلاق الطباسل والطواجن رفع فيها شعار : تومسيسة قتلتوها والحلالف سممتوها – هذا عار هذا العار الخنزير في خطر – الخنزير يامسكين قتلوك بالتمرضين فجاة حطت مروحية مكتوب عليها مسرح الجريمة وسط جموع الناس. نزل منها فريق بحقائب ثقيلة وشرعوا في تصوير مشاهد الجثث .وأخذ عينات منها. تقدم منهم مفتش الشرطة وقال لهم بفرنسية افريقية يجب أن يكون تقرير الخبرة الجنائية جاهزا بسرعة كي لا تنتقل العدوي الى البشر. عادت المروحية من حيث جاءت . وفي وسط المدينة أخذ براح المخزن يجوب أحياء دمنات بسيارة هوندا وهو ينادي :بأمر الله ومن المخزن ما تشربوا الما ديال البزبوز ولا ديال العيون عليكم بسيدي خرازم وسيدي علي تكلولي.. فيما كوكبة من الفقهاء دخلوا في جدال فقهي حول الجزء الحلال من الخنزير مع بعض شباب الموجة الجديدة .بعض المتهورين ضبطوا متلبسين بسلخ خنزيرين وتقطيع لحمهما. تم تصفيدهما من طرف ضباط الشرطة السريين المنتشرين بين جحافل المتجمهرين. فيما آخرون اختاروا قمة جبل أغري أضرموا النار في كومة كبيرة من الخشب ووضعوا خنزيرين كبيرين فوق اللهب . عشرات الفرق التلفزيونية العالمية وصلت الى عين المكان وشرعت في البث المباشر. مراسل قناة الجزيرة وقف أمام مجموعة من الخنازير وهو يقول ويشير بيده : هذه الخنازير خرجت بمشيئة الله لتتنزه في غابة دمنات لأن فيها مأواها ومرعاها واذا بها تقع ضحية الأستهتار بالبيئة. فمن المسئول عن هذه المجزرة ؟ وآخر ون حاصروا رئيس المجلس البلدي بالأسئلة من قبيل :هل هذه مؤامرة من المجلس ضد الخنازير يا سيادة الرئيس؟ أين دور جمعيات الصيد المتناحرة علي صيد الوحيش ؟ هل لموت الخنازير علاقة بالحساب الأداري ؟ أجابهم السيد الرئيس : لن أعلق على الحادث البئيس حتي ينتهي التحقيق ويصدر التقرير من السلطات أما عن جمع جثث الخنازير فسأطلب الدعم من بلديات جهة مراكش تانسيفت. وفي مساء ذلك اليوم جاء في نشرة الأخبا رالرسمية :لقد تم احصاء عدد ثلاثة آلاف وأربعمائة وواحد وثلاثون خنزيرا (3431 ) نافقا بغابة دمنات. ومايزال البحث جاريا عن دواعي هذا الحادث البيئي الأليم وسنوافيكم بالتفاصيل حال ورودها . امتنع الناس عن شرب المياه خوفا من التسمم. واستعاضوا عنها بأصناف المونادا. وظلوا متسمرين أمام أجهزة الكمبيوتر والتلفزيون في انتظار الخبر اليقين. و مع منتصف الليل أعلن المذيع الرسمي ان الأمر ليس سوي عملية انتحار جماعية نفذتها الخنازير احتجاجا على صمت ادارة المياه والغابات أمام الهجوم الممنهج علي الغابة الذي تنفذه مافيا تجارة الخشب وأن الخنازير المنتحرة قدمت من غابة أيت امديس الشمالية وفطواكة وغجدامة ودمنات لعقد مؤتمرها. وأن الدولة سترسل فريقين واحد من هيئة المساحة الجيولوجية وآخر من قسم الاوبئة بوزارة الصحة العمومية لتقدير الأضرار التي لحقت بالمناطق الغابوية وستسخر كل الأمكانيات لدفن جثث الخنازير في مقبرة جماعية سيبني فوقها نصب تذكاري...
|