اَلْإِعْفَاءَاتُ: مُحَاوَلَةٌ لِلْفَهْمِ!
ذ صالح ايت خزانة
تفاجأ الرأي العام التعليمي والوطني بسلسلة الإعفاءات التي طالت العديد من موظفي الدولة في قطاع التعليم، على وجه الخصوص، والتي عرفتها العديد من المديريات الإقليمية والأكاديميات الجهوية عبر ربوع المملكة. مما أثار الكثير من النقاش وردود الفعل. حيث اعتُبِرت هذه الإعفاءات سابقة في تاريخ هذه الوزارة. إذ تمت بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار، كما لم يتم احترام المساطر القانونية المتبعة في مثل هذه الحالات. مما فتح التكهنات على كل الاحتمالات، في غياب توضيحات من الأكاديميات التي اتخذت هذه القرارات، باستثناء ما ورد في رسائل الإعفاء التي أشار أغلبها إلى مبررات غامضة وغير مقنعة، مما زاد من منسوب التكهنات، ودفع بالكثير من المتتبعين، والهيئات الجمعوية، والنقابية إلى اعتبار هذه القرارت، غير المعللة، شططا في استعمال السلطة، ورِدَّة لا يمكن تبريرها إلا بمحاولة لتكميم الأفواه، وضرب لأبسط حقوق الموظف/الإنسان، وتراجع خطير عن مقتضيات دستور 2011، وعن تعليمات الملك التي ضمنها خطاب افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، حول الحكامة الإدارية.
كما توقف أغلب مناولي هذه الحالات/الظاهرة عند مؤشر بَاصِمٍ يجمع بين مختلف هذه الحالات، ويُرَجَّح أن يكون السبب الرئيس والوحيد وراء اتخاذ هكذا قرارات، ألا وهو الانتماء التنظيمي الذي يوحد كل هذه الحالات.
ففي الوقت الذي توقف فيه البعض عند مناقشة هذه الحالات في حدود تعليل الإدارة، بالتعامل مع رسائل الإعفاء؛ تحليلاً، ودراسةً، دون البحث في الخلفيات غير المؤكدة، والتي يبقى التطرق لها، على قاعدة المناولة العلمية الصِّرفة، ضربا من القذف غير المبرر؛ جنح أغلبية المتتبعين إلى البحث عن الخلفيات التنظيمية والسياسية التي قد ترتبط بهذه القرارات، وتجعلها معللة بمواقف، وقناعات سياسية، وتنظيمية لأصحابها، لا تتفق والثوابتَ الأساسية التي تتأسس عليها سياسة الدولة المغربية، و تنبني عليها المرجعية التربوية التعليمية المغربية.
فهاجس الحفاظ على قناعة المغاربة بالثوابت الوطنية، وخطورة مواقع القرار في تصريف أو تحريف هذه التوابث، قد يكونان، حسب البعض، أحد أهم الأسباب التي حَدَت باتخاذ هذه القرارات، خصوصا إذا استحضرنا أن “التنظيم”، موضوع الحديث، يؤسس مذهبيته على قناعات لا تتفق وجزءً أصيلا من هذه الثوابت، بل يسعى إلى الانقلاب عليها عبر التجذر التربوي والتعليمي في المجتمع، مما يجعل المبادرة إلى الحد من هذا الحراك الأخطبوطي، حسب هذا الفريق، واجبا على من يهمهم الأمر.
فهذه مؤشرات، جعلت العديد من المتتبعين، والهيئات النقابية، والجمعيات الحقوقية، تقتنع أن الاستهداف الذي طال هذه الحالات، لا علاقة له بأخطاء في الممارسة الإدارية أو التربوية اليومية الصرفة، إنما هو استهداف لبناء أيديولوجي فكري تربوي بدأ يتمدد في المجتمع، ويبسط طرحه الفكري والسياسي المخالف. فكان اللجوء إلى هذا “الشذب”، اختيارا لازما وضروريا، للحد منه، وتقزيم امتداده.
لكن إذا ثبت ما جنح إليه الكثير من الذين انخرطوا في هذا النقاش العمومي، والذي يربط هذه الإعفاءات بالقناعات الفكرية والسياسية للمعنيين، فإننا سنكون أمام تقدير غير محسوب للمعركة التي تُخاضُ ضد هذا “التنظيم”. إذ المعلوم أن هذا “التنظيم” معروف تاريخيا بأنه تنظيم يعيش على “المظلومية”، وينتعش منها، وقد ظل ينتعش ويتقوى من حصار “الشيخ” لسنوات. ولقد سبق لنا أن تحدثنا في مقال سابق(1) عن هذا السلوك المظلومي الذي يُعرَف به هذا التنظيم، بعد انسحابه من حراك الربيع العشريني. فاستهدافه في هذا الوقت بالذات، وبعد أن طال عليه زمن الركود، والخفوت، هو بمثابة إحياء جديد له، وتقوية لظهره، ونضحه على سطح الحدث بعد أن مُسِح من أذهان الكثير من الناس. مما يطرح أكثر من سؤال حول الخلفيات الحقيقية لهذه الحملة !!.
غير أن الذي أثار استغرابنا، حقيقة، في هذه الحملة التضامنية، إذا استثنينا بيانات الإطارات النقابية والجمعوية المسؤولة، هو استغلال بعض المحسوبين على الصف “المُمَانع” لهذه الواقعة لنفت سمومهم الأيديولوجية، ونشر “حساباتهم” الفكرية، وتمرير مواقفهم الشاردة، في قالب من التضامن المفتعل، والتغني بالديمقراطية، والحقوق، والربت على القانون،… دون إغفال التَّبَرُّؤِ السمج، والتَّبَرُّم البليد، من هذا التنظيم الرجعي الظلامي الذي يهدف إلى رد المغاربة إلى سنوات الجِمال، ودولة الاستبداد الأوليغارشية الثيوقراطية،…زعموا!!
إنهم معهم في المحنة، وضدهم في “المشروع” (!!!)..
إنني، في الحقيقة، لم أفهم إلا أنها متاجرة بعد ركود، واستغلال للحدث بعد أن ماتت “مشاريع” المُمَانعة، و محاولة لنفض الغبار، بعد أن قال الشعب كلمته، وألقمهم الأصفار، فلم يُبْقِ!!
أليست معالجة ملفات المعفيين، بعيدا عن قناعاتهم السياسية، وبعيدا عن المزايدات السياسوية “الركوبية”، هي الأقرب إلى الحس الحقوقي، الإنساني، الديمقراطي، القانوني، ..؟؟؟!!!
أليست مساءلة القرار بعيدا عن خلفياته المبهمة، وبعيدا عن المزايدات “الاستغلالوية”، من هذا الطرف أوذاك، هو الأوفق للمعالجة القانونية، والحس الحقوقي؟!.
كفى من خلط الأوراق ..!
دمتم على وطن..